التوقيت الخميس، 28 مارس 2024
التوقيت 10:12 م , بتوقيت القاهرة

الشرطة (المصرية).. لاحظت الاسم؟!

من وقت لآخر يطفو حدث ما على السطح، ويبدأ الحديث السلبي أو الإيجابي عن الشرطة المصرية. آخر الأحداث التي أعادت الحديث إلى دائرة الاهتمام حاليًا، مشكلة ياسمين النرش وضابط المطار. 


لكن هذا مقال عن الشرطة المصرية عمومًا. وليس عن موقف أو مشكلة محددة. عن طريقة التعامل مع مواقفها ومشاكلها إعلاميا، سواء في الصحافة والقنوات الفضائية، أو في الوافد الأكثر تأثيرًا وانتشارًا حاليًا (السوشيال ميديا).


الشرطة المصرية - وكأي شرطة في العالم - هي ببساطة مجموعة أفراد من المجتمع، يتم انتقاؤهم وتدريبهم للقيام بمهمة حفظ الأمن، نظير مقابل مادي.


هذا الانتقاء والتدريب مهما كانت درجة فاعليته وقوته، لا يحذف تماما العديد من القناعات والمواقف السلوكية للأفراد المكتسبة من المجتمع نفسه. لأن هذا الفرد ببساطة عاش حتى مرحلة الثانوية العامة  في حضن هذا المجتمع، قبل أن ينتقل لأكاديمية الشرطة. ويتأثر أيضًا بعد الانضمام للشرطة بكل ما في هذا المجتمع، بحكم حياته فيه. 


ضابط الشرطة ببساطة ليس "روبوت" مبرمجًا على طريقة أفلام RoboCop الشهيرة. ولا يوجد برنامج تشغيل سنقوم بتحميله ليلغي تمامًا كل ما قبله.


في مجتمع يُمارس فيه كل صاحب سُلطة القهر بدرجات مختلفة، لا يبدو ضابط الشرطة المتهم بالقهر أو البطش مختلفا عن النسيج السائد. في الحقيقة كونه لا يمارس القهر، هو ما سيجعله استثناء عن النسيج السائد!.. وكلا النوعين موجود بالفعل في رجال الشرطة.


ما يجعل قهر ومخالفات ضابط الشرطة أكثر تعرضًا للضوء من غيره، هو أن سلطته ومساحة ممارستها، تُمثل قوة يُمكن أن يتعرض لها أي مواطن (1). وأنه في النهاية وبحكم عمله يملك بالفعل رخصة لممارسة درجة من العنف أو البطش بشروط، يمكن إساءة استغلالها (2). وأنه كفئة مسؤولة عن الأمن، أكثر ارتباطا بالنظام الحاكم عن غيره، وبالتالي أكثر تعرضًا للمتابعة من قبل المعارضة (3).


بالمقارنة لا يملك أستاذ الجامعة مثلا هذه السُلطة إلا على الطلبة وبعض الموظفين، وغالبا سمعت عشرات القصص عن الممارسات غير الشريفة التي يمارسها البعض منهم على الطلبة والطالبات. لا يملك أيضا الطبيب مدير المستشفى السلطة إلا على الأطباء وطاقم التمريض الذي يعمل تحت يديه. وهكذا.


بالمقارنة أيضًا لا تبدو قواعد الواسطة والمحسوبية - الموجودة بالفعل حتى الآن في اختيارات كوادر الشرطة - عنصرًا استثنائيًا. لأنها موجودة أيضا وبنفس القدر تقريبا في طريقة تعيين أعضاء هيئة التدريس، وأعضاء السلك القضائي، وأعضاء أغلب المؤسسات الحكومية.


ومن العادي - وكعادتنا كملوك للازدواجية - أن تجد مثلا موظفًا يهاجم ضباط الشرطة باعتبارهم يمثلون اختيارا أصيلا للمحسوبية والتوريث، في نفس الوقت الذي ينادي فيه بحقه في تعيين أبنائه في نفس وزارته أو هيئته أو مصنعه، تحت مسمى أنيق عجيب تم ابتكاره في مجتمعاتنا للتوريث والمحسوبية (تعيين أبناء العاملين)!


بالمقارنة أيضًا لا يبدو حرص الشرطة على حماية أفرادها من العقاب مختلفًا عن أي جهات أخرى. أخبرني مثلا كم مرة سمعت عن طبيب تعرض لعقاب من نقابة الأطباء؟.. لدينا ببساطة في مختلف القطاعات والمؤسسات (ومنها الشرطة) أفراد يمثلون امتدادا أصيلا لقواعد المجتمع السائدة. مجتمع حماية القبيلة والعشيرة، ونصرة أفرادها ظالمين أو مظلومين، أمام أبناء القبائل الأخرى.


هذا المجتمع الذي لا يكف فيه الجار عن التدخل في شؤونك من منطلق ديني (باعتباره حقه)، ولا يكف فيه زميل/زميلة/مدير/مديرة عمل تقابلينه لأول مرة، عن توبيخك بسبب عدم ارتداء الحجاب (باعتباره واجبا)، هو نفسه المجتمع الذي سينتج حتمًا أمناء وضباط الشرطة، يرون مشكلة كبرى في وجود شاب وفتاة على طريق سفر وحدهما. وهى ليست تهمة قانونا. أو في وجود زجاجة خمر معك، وهي أيضا سلعة قانونية لا يُمثل امتلاكها وشراءها تهمة قانونية لأي شخص راشد، لكن يُمثل وجودها انتهاكًا لقناعات الأغلبية الدينية.


القانون يأتي بعد الأعراف من حيث الوزن. هذه سمة أصيلة من سمات المجتمعات التي تخلّفت عن ركب الحضارات العلمانية. المجتمعات التي لم تنضم إلى قناعة بسيطة ضرورية يُمكن تلخيصها في جملة (أنت حر ما لم تضر).


الحديث عن شرطة لا تُمارس البطش في مجتمع يرحب بسحل وقتل المختلفين عنه دينيا (الشيعة والملحدين)، ويمارس العنف والتسلط ضد البنات بانتظام، ويتدخل فيه كل فرد ليفرض وصايته وقناعاته الخاصة قدر المستطاع على كل من يملك سلطة عليهم، حديث غير منطقي إلا من حيث الرغبة بالطبع.


الحديث أيضًا عن مستوى كفاءة متواضع لرجال الشرطة بالأخص مقارنة بغيرهم في العالم حديث غير منطقي. متوسط كفاءة ضابط الشرطة هنا مقارنة بغيره في أوروبا، هو نفسه متوسط كفاءة الطبيب والمهندس والمحاسب والسباك والميكانيكي والفلاح المصري في نفس المقارنة، ان لم يكن في الحقيقة أفضل.


جرت العادة على النظر إلى الأمور من منطلق القيادات، ولها تأثيرها بكل شك. لكن في الحقيقة رئيس السويد ورئيس وزراء السويد ووزير داخلية السويد، لو انتقلوا لنفس المناصب في مصر، واستمروا فيها 10 سنوات من الآن، لن يتمكنوا من تغيير هذه القناعات. لن تحصل على شرطة السويد إلا عندما تُصبح غالبية مجتمعك بقناعات مماثلة لغالبية شعب السويد.


كأي مصري آخر، أتمنى بالفعل أن أرى الشرطة المصرية أفضل شرطة في العالم. لكن توقفت عن النظر إلى العيوب كما لو كانت عيوبا حصرية تخصهم، وبالتالي يمكن حل أغلبها من خلال علاج أو حلول للمؤسسة تحديدا وحدها.


تغيير الشرطة المصرية للأفضل، مهمة طويلة تبدأ بتغيير السائد في المجتمع. الشرطة (المصرية) عيوبها (مصرية) أكثر من كونها عيوبا (شرطية). ومن الأفضل أن نعترف بهذه الحقيقة لكي نصل إلى علاج. 


لمتابعة الكاتب