التوقيت الأحد، 28 أبريل 2024
التوقيت 12:33 م , بتوقيت القاهرة

اشتري المنتج المصري للحفاظ على تراث بلدنا

جميعنا يعلم ويُدرك جيدًا مدى خطورة وجود أزمة تتمثل في قلة وجود الحرفيين المهرة في مصر، بل ومن الممكن أن نقول اندثار بعض المهن التي كانت تُحمل على عاتق بعض الحرفيين الذين تعلموا أسرار وخبايا تلك الحرف التراثية، وظلوا لعقودٍ طويلة يعملون بها، ويحاولون الحفاظ على تلك الحرف الأصيلة من الاندثار والفناء.



الحرفيون الذين توارثوا الصنعة من آبائهم وأجداداهم، واتخذوا منها بابًا للرزق أيضًا، فكان منذ زمن بعيد كان الحرفي "الصنايعي" هو فنان موهوب اكتسب أسرار المهنة من والده، فأصبح له عمله المعروف، والذي يسعى أن يتقنه منذ طفولته، حيث إن لديه المعلم المخلص الذي يُلقنه أسرار المهنة، ولديه التجربة العملية في ورش والده أو جده، فمثلاً النجار المتخصص في شغل الصدف يورث أبناءه مهنته، ومن يعمل في المشغولات النحاسية يُعلّم ابنه أصول الصنعة وخباياها، ويورثه صنعته، ومن يعمل في شغل الأرابيسك يورث أبناءه تلك الصنعه وهكذا.


ولكن منذ سنوات أصبح لدينا مشكلة نقص العمالة الفنية المُدرّبة في شتى المجالات، هذا النقص أدت له أسباب أهمها هو ابتعاد الحرفيين عن تلك المهن الشاقة، التي واجهوا معها العديد من الصعاب فى ظل عدم الاهتمام بهم أو محاولة رفع مستواهم المعيشي وتربية أجيال جديدة، تحمل أسرار ذلك الفن العريق، وانصراف فئة الحرفيين عن مهنتهم، والبحث عن مهن أخرى تؤّمن لهم الكسب السريع المضمون مثل سائق ميكروباص أو سائق توك توك أو صاحب محل بقالة أو تصليح موبايلات إلخ.



أيضًا من الأسباب التي أدت لندرة الحرفيين هو قلة كفاءة التعليم الفني، وانتشار حالة من الرفض المجتمعي للصنايعي، والنظرة المجتمعية المتعالية لتلك الفئة، وكأنّهم يعملون عملا غير لائق أو درجة ثانية، ومن الأسباب الهامة أيضًا زيادة الإقبال على التعليم الجامعي، الذي يؤّمن وظيفة عادية وربحا دائما حتى لو بسيط.


أيضًا نجد أن السلعة التي يقوم الصنّاع بصنعها يكون ثمنها أغلى من مثيلتها التي يقوم المستوردون بجلبها من بلاد عدة، حتى لو كانت تلك السلعة المستوردة أقل في الجودة، وتفتقد للبصمة التاريخية التراثية، فالحرفي الذي يقوم بصناعة سلعة كفانوس رمضان النحاسي بنقوشه الدقيقة الجميلة التي تعكس تراث وحضارة بلادنا، يأخذ وقتًا كبيرًا في النقش والحفر وتجهيز الفانوس حتى يظهر بالشكل اللائق، وبخلاف الوقت الذي يأخذه الحرفي في التصنيع يكون أيضًا السعر عال، مقارنة بالفانوس الذي يتم استيراده من الخارج وتصنيعه فى مصانع، وبالتالي يكون ثمن تكلفته أقل من المصنوع يدويًا.


اقرأ أيضا


خبير آثار: قرار منع استيراد الفوانيس خطوة لحفظ الهوية المصرية


فكان الخيار دائمًا.. إما أن نختار قطعة مصنوعة بأيدي الحرفيين وسعرها غال، أو أن نختار السلعة المستوردة من الخارج ويكون سعرها أقل، ولو بحثنا في سر ارتفاع ثمن السلعة المُصنّعة يدويًا، سوف نجد أن تلك السلعة بمثابة عمل فني، وفي أغلب الأوقات لن تجد قطعة مثل الأخرى تمامًا، ونجد أن الأشخاص الذين يُقدرّون تلك الميزة ويُقبلون على شرائها موجودون، ولا يزالون يسعون وراء اقتناء تلك الأعمال الفنية المُصنّعة بأيدي الحرفيين المهرة.


إذًا من الواجب علينا كمجتمع أن نُغير الصورة المأخوذة عن الحرفي أو الصنايعي، فنظرة المجتمع لهؤلاء الأشخاص يجب أن تتغير، وأن نتعامل معهم على أنهم فنانون موهوبون كُلٌ في مجاله، الأمر الثانى الهام هو البحث والتنقيب عن الحرفيين المهرة في شتى المجالات الفنية وصقل موهبتهم بالتعليم والدراسة والورش الفنية، وفتح سوق عمل لهم، فالحفاظ على الحرف التراثية من الاندثار يستلزم أن نقوم بمساعدة الصناع في تسويق سلعهم وتنظيم المعارض داخل مصر وخارجها بهدف تسويق الصناعات التراثية المصرية، فالصنايعى أو الحرفى لا يعمل فقط لكي يحافظ فقط على الصنعة من الاندثار، لكنّه يعمل من أجل لقمة العيش.


فيجب دعم الصناعات التراثية والحرفيين القائمين على تلك الصناعة من مؤسسات الدولة الرسمية وغير الرسمية، فعلى سبيل المثال رجال الأعمال وعلى الأخص مُلاك القرى السياحية والفنادق، جميعهم يتعاقدون مع كبرى الشركات لتوريد وحدات الإضاءة من الفخار أو النحاس أو الخشب المشغول والخيامية والكليم والأعمال الخزفية والجبسية والزجاج المعشق والأثاث ذو الطابع العربي أو الأسلامي "أرابيسك". 


فلماذا لا يقوم ملاك القرى السياحية والفنادق بالتعاقد مع الحرفيين للاستفادة من فنهم وصنعتهم، ولتطوير الصناعات التراثية ومنعها من الاندثار من جهة، ومن جهة أخرى لتشجيعهم على العمل، ومن ثمّ المكسب المضمون؟ مشروعات الدولة أيضًا نجد فيها الكثير والكثير من الخامات التراثية، التي يتم شراؤها من شركات مقاولات، فيمكن توجيه تلك المؤسسات للشراء من الحرفيين للمساهمة في إحياء الصنعة مرة أخرى.


من وجهة نظري أرى أن المشكلة تكمن في قنوات الاتصال المقطوعة.. فالصناع المهرة موجودون وأصحاب سوق العمل موجودون، ولكن التنسيق بينهم مفقود.



ولذا وجب تقديم الشكر للسيد وزير التجارة والصناعة منير فخرى عبد النور على القرار الذي اتخذه لحماية السلع والمنتجات ذات الطابع الفني الشعبي والحرف التراثية والتقليدية والتاريخية والآثار المصرية من التعديات والتقليد، هذا القرار هدفه الحفاظ على التراث الوطني والحرف التراثية التقليدية التى تتميز بها محافظات مصر من شمالها إلى جنوبها، هذا القرار الذي تم إصداره جاء متوافقًا مع القوانين ولوائح منظمة التجارة العالمية، والتي نصت في "المادة 20 من اتفاقية الجات 1994 على حق أي دولة في اتخاذ كافة الإجراءات والتدابير التي من شأنها الحفاظ علي ثرواتها الوطنية والفنية والتاريخية والمتعلقة بالآثار".


وتعمل الوزارة حاليًا على عمل حصر كامل للمنتجات التي سوف يتم منع استيرادها، والتي سوف تقوم السوق المصرية باستبدال تلك السلع بالسلع المُصنّعة بأيدي الحرفيين المصريين، وسوف يسهم هذا القرار في إحياء الصناعات التراثية وازدهار تلك الصناعة مرة أخرى.


سوف أبدأ بنفسي ولن أفوت فرصة أستطيع فيها أن أستغنى عن سلعة مستوردة من الخارج أو سلعة مصنعة فى كبرى المصانع والشركات ذات السمعة الحسنة والشهرة، واستبدالها بسلعة أخرى مصنعة بأيدي الصناع المصريين المهرة، وبها لمسات التراث المصريّ وفنونه الأصيلة.. سوف أساهم في الحفاظ على تراث مصر من الضياع والاندثار.