التوقيت الجمعة، 19 أبريل 2024
التوقيت 09:12 م , بتوقيت القاهرة

بل أباح الإسلام زواج المرأة وهي طفلة

(1) قبل نهاية عام 310 هجرية، قال «الطبري»: وَاللائِي لَمْ يَحِضْنَ: هنّ الأبكار التي لم يحضن. ونقلاً عن حديث آخر: لم يبلغن المحيض، وقد مُسِسْن. هل لاحظت جملة «وقد مُسِسْن»؟


(2) وفي القرن نفسه، وقبل أن ينقضي عام 327 هجرية، جاء عن «ابن أبي حاتم» في تفسيره: أن ناسا من أهل المدينة لما أُنْزِلَتْ هذه الآية التي في البقرة في عِدَّةِ النساء – والعدة إما بعد طلاق أو موت - قالوا: لقد بقي من عدة النساء مدة لم تذكر في القرآن: الصغار، والكبار اللائي قد انقطع عنهن الحيض، وذوات الحمل. فأنزل الله  التي في سورة النساء القصرى واللائي يئسن من المحيض.


هل لاحظت قوله: سورة النساء القصرى؟


قال بن مسعود: نَزَلَتْ سُورَةُ النِّسَاءِ الْقُصْرَى بَعْدَ الطُّولَى. أتدري ما سورة النساء الطولى؟ لا. ليست التي تبادرت لذهنك لأول وهلة. وابن مسعود يقصد سورة البقرة! وقالت عائشة: كَانَ النَّبِيُّ ? لا يَنَامُ حَتَّى يَقرَأَ بَنِي إِسرَائِيلَ وَالزُّمَر. رواه الترمذي. ولا وجود في مصحف عثمان لسورة تسمى بني إسرائيل. أم المؤمنين رضي الله عنها كانت تقصد السورة المسماة الآن بسورة الإسراء!  تسمية السور، بل حتي ترتيبها فعل بشري محض. أسماء السور لا تفيد أي شيء علي الإطلاق. كل محاولة لاستخدامها للإيحاء بمعنى معين لا تعدو أكثر من دجل!


(3) وقبل أن ينقضي عام 373 هجرية قال «السمرقندي» في تفسيره المعروف باسم بحر العلوم: لما نزل قوله: وَالْمُطَلَّقاتُ يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ ثَلاثَةَ قُرُوءٍ. قال معاذ بن جبل: يا رسول الله، لو كانت المرأة آيسة لا تحيض، كيف تعتد؟ فنزل: وَاللَّائِي يَئِسْنَ مِنَ الْمَحِيضِ مِنْ نِسائِكُمْ...


فقام رجل آخر، فقال: لو كانت صغيرة، كيف عدتها؟ فنزل: وَاللَّائِي لَمْ يَحِضْنَ يعني: المرأة التي لم تحض، فعدتها ثلاثة أشهر مثل عدة الآيسة. هل لاحظت أن الوحي يرد علي كل صغيرة وكبيرة؟!


(4) وفي القرن الخامس الهجري، تحديدًا قبل نهاية عام 427 هجرية، قال «الثعلبي» في تفسيره: لمّا نزلت عدّة النساء في سورة البقرة، في المطلقة المتوفى عنها زوجها، قال أبي بن كعب: يا رسول الله إنّ أناسا من أهل المدينة يقولون قد بقي من النساء ما لم يذكر فيهن شيء. قال: وما هو؟ قال: الصّغار والكبار وذوات الحمل، فنزلت هذه الآيات.. وَاللَّائِي لَمْ يَحِضْنَ.


(5) وفي تفسير الهداية إلي بلوغ النهاية لصاحبه «أبو محمد مكي بن أبي طالب» المتوفي عام 437 هجرية ما نصه: قال الضحاك وَاللَّائِي يَئِسْنَ مِنَ الْمَحِيضِ : القواعد من النساء... وَاللَّائِي لَمْ يَحِضْنَ: من الصغار، لم يبلغن وقد مُسِسْنَ، فعدتهن ثلاثةُ أشهر. هل أحتاج لأن أشرح لفظة قد مُسِسْنَ وأقول أن المقصود بها الممارسة الجنسية؟!


(6) وفي تفسير «الماوردي» المتوفي عام 450 هجرية قال: عن أبيّ بن كعب قال: قلت: يا رسول اللَّه إنّ ناساً من أهل المدينة لما نزلت الآيات التي في البقرة في عدة النساء قالوا: لقد بقي من عدة النساء عدد لم يذكرن في القرآن؛ الصغار والكبار اللاتي قد انقطع عنهن الحيض وذوات الحمل، فأنزل اللَّه: وَاللَّائِي يَئِسْنَ مِنَ الْمَحِيضِ... وَاللَّائِي لَمْ يَحِضْنَ.. 


(7) وبحذلقة؛ قال «القشيري» المتوفي عام 456 هجرية في تفسيره ما نصه: والعدّة- وإن كانت في الشريعة لتحصين ماء الزوج، محاماة على الأنساب، لئلا يدخل على ماء الزوج ماء آخر، فالغالب والأقوى في معناها أنها للوفاء للصحبة الماضية في وصلة النكاح،  والإشارة في الآيات التالية إلى أنه بعد أن انتهت الوصلة فلا أقلّ من الوفاء مدة لهذه الصغيرة التي لم تحض، وهذه الآيسة من الحيض..


(8) ومن الوجيز في تفسير الكتاب العزيز، لـ «الواحدي النيسبوري» المتوفي عام 468 نقرأ: واللائي لم يحضن يعني: الصِّغار.


(9) وعن أبي مظفر "السمعاني" المتوفي عام 489 هجرية ما نصه: وَقَوله: وَاللَّائِي لَمْ يَحِضْنَ هن الصغائر.


(10) وفي تفسير «البغوي» المتوفي عام 510 هجرية: واللائي لم يحضن، يعني الصغائر اللائي لم يحضن فعدتهن أيضا ثلاثة أشهر. 


هكذا إذن فهم الجميع الآية. طيلة الخمسة قرون الأولى، اجتمع كبار المفسرين وصغارهم، الأكثر منهم شهرة والأقل منها حظا، علي أن جملة: وَاللَّائِي لَمْ يَحِضْنَ تعني: «المطلقات من الأطفال، الأطفال اللي اطلقوا قبل ما يوصلوا لسن الحيض.. وقد مُسِسْنَ».


هل لاحظت أنني لم آت علي ذكر فقيه واحد، واكتفيت بالمفسرين؟! هتعرف ليه بعد شوية. لكن خلينا نسأل: هل اختلف الوضع بعد أن انقضت القرون الخمسة الأولى؟


(11) في القرن السادس، قال «الزمخشري»  المتوفي عام 538 هجرية: وَاللَّائِي لَمْ يَحِضْنَ هن الصغائر.


(12) وفي القرن السابع، قال «القرطبي»  المتوفي عام 671 هجرية ما نصه: قوله تعالى: واللائي لم يحضن - يعني الصغيرة-  فعدتهن ثلاثة أشهر.


(13) وحين وصلنا للقرن الثامن الهجري لم يكن شيئاً قد تغير، إذ قد قال «ابن كثير»  المتوفي عام 774 هجرية ما نصه: وكذا الصغار اللائي لم يبلغن سن الحيض أن عدتهن كعدة الآيسة ثلاثة أشهر.


(14) وبقى الوضع على حاله في القرنين التاسع والعاشر، إذ قد جاء في تفسير الجلالين: واللائي لم يحضن لصغرهن فعدتهن ثلاثة أشهر.


(15) وفي القرن الهجري الثاني عشر، قال المفسر التركي المستعرب «إسماعيل حقي»، المتوفي عام 1127 هـجرية، في كتابه روح البيان ما نصه: التي لم تحض لصغرها.


(16) وفي القرن الهجري الثالث عشر، قال «الشوكاني» المتوفي عام 1250هـ في تفسيره المعروف باسم فتح القدير: واللائي لم يحضن لصغرهن وعدم بلوغهن سن المحيض.


(17) بل وحين وصلنا للقرن الرابع عشر لم يكن شيئاً قد تزحزح من مكانه قيد أنملة، إذ قال «المراغي» المتوفي عام 1371 هجرية ما نصه: وكان قد ذكر في سورة البقرة التي نزلت قبل هذه أن عدة الحائض ثلاثة قروء، ذكر هنا عدة الصغار اللاتي لم يحضن، والكبار اللائي يئسن من الحيض.


حسنا؛ الآن سأقول لك لماذا لم آت علي ذكر فقيه واحد رغم ما حوته كتبهم من تأصيل للمسألة بكل حذافيرها؟ 


لآنهم يزعمون أن الأحكام تتغير، وأن الأصل في الموضوع أنه لا ضرر ولا ضرار، ولعمري ما سمعت عن كذبة أبشع من هذه. هذا قول حق يراد به باطل. فالأحكام يا عزيزي لا تتغير بسبب قواعد الفقه. تتغير بسبب التحضر والتراكم المعرفي والقيمي للإنسان. لم يحدث أن بادر الفقهاء بتغيير حكم من تلقاء ذواتهم، بل أُجبروا علي ذلك إجبارا. والأهم؛ أنه حتي مع تغير الأحكام، تبقى دلالات الآيات ثابتة في مكانها لا تراوحه. هل تريد الدليل؟ خذ هذه:


بعد أن جرّمت البشرية زواج القاصرات لاكتشاف «ضرره» واعتُمد الميثاق العالمي لحقوق الإنسان، قال شيخ الأزهر «محمد سيد طنطاوي» في كتابه التفسير الوسيط للقرآن، الصادر عام 1998 ميلادية ما نصه: واللاتي لم يحضن بعد لصغرهن، وعدم بلوغهن سن المحيض.. فعدتهن- أيضا- ثلاثة أشهر.


فهل كان شيخ المؤسسة الإسلامية الأكبر في العالم لا يعلم بقاعدة لا ضرر ولا ضرار التي ظهرت فجأة علي لسان «الجفري» كي يتخلص من إحراج «البحيري»؟!


والآن يجب أن نسأل: ما الذي نستخلصه من كل هذا السرد؟


ببساطة، وفي ثلاث نقاط: 


(1) الإسلام لم يُحرّم زواج الأطفال؛ بل اعترف به اعتراف الإباحة والإقرار، كما أقر كثيرا من أعراف وقيم مجتمع شبه الجزيرة العربية إذ ذاك. وهكذا فهم كل هؤلاء المفسرين – على اختلاف مشاربهم ومجتمعاتهم – الآية. 


فالأمر إذن لا علاقة له بتكلف «البحيري» الزائد عن الحد، وقوله إن المفسرين أخطأوا، وكانوا لا إنسانيين، إذ لا علاقة للإنسانية بالموضوع أصلاً. نعم أخطأوا كثيرًا وقفزوا علي دلالات واضحة وصريحة لكثير من آيات القرآن، وأحيانا بشكل فج لا يغتفر. لكن ليس في هذا الموضع بالذات، فالقضية هنا واضحة في غاية الوضوح. قضية «تاريخية» بحتة. قضية عرف كان سائدا في مجتمع النص، بل كان سائدا في كل حضارات العالم القديم، وظل سائدًا في مصر حتي سنوات قليلة مضت.


(2) لا علاقة لمسألة «لا ضرر ولا ضرار» لا من قريب ولا من بعيد بالموضوع أيضا، كما حاول الشيخ «علي الجفري» تصوير الأمر، أثناء المناظرة، وإلا لتوجب عليه أن يجيبنا: أين كان المفسرون وجهابذة الفقه وسابقي زمانهم وأوانهم طيلة 1400 سنة من اكتشاف الضرر قبل أن يقره الغرب الكافر ويعترف به، بل وأين كان شيخ الأزهر نفسه بعد أن أقره؟! وماذا لو أثبتنا له أن احكام المواريث مثلاً تسبب بالغ الضرر للإناث؟ هل سيطالب بتغيرها ويقول: لا ضرر ولا ضرار؟! قطعا لن يفعل، وعلى الأرجح سيطالب برقبتي أنا.


(3) إن رفضنا الآن لزواج القاصرات - وهو الرفض الذي رضخ له ذو العمامات مجبرين، تحت سيف الحداثة، لا تحت مظلة قواعد الفقه - يجب أن يُترجم إلي نقاش حول نقطتين؛ الأولى: تأكيد وتقرير لحقيقة مفادها أن قيم عصرنا أرقي بكثير من قيم الماضي. وهذا أصعب ما في الموضوع علي المشايخ، والدعاة الجدد، وأطباء ترقيع النصوص. لماذا؟


لأنه إقرار سيستتبعه السؤال الأهم أو النقطة الثانية: هل حقًا تصلح «أحكام» الإسلام لكل زمان ومكان؟ انظر الإجابة أعلاه! 


للتواصل مع الكاتب عبر فيسبوك