التوقيت الأربعاء، 24 أبريل 2024
التوقيت 08:51 م , بتوقيت القاهرة

بحيري.. بين التكفير والإصلاح!

زادت مسألة إسلام بحيري عن الحد.. لستُ معه أو ضده.. الموضوع لا دخل له بحرية التعبير وإعمال العقل.. المشكلة أن بحيري أخطأ عندما حول خلافه مع الأزهر إلى قضية شخصية.. كما أن الشيوخ الأفاضل لم يدافعوا عن الإسلام ورسوله والقرآن والسنة بهدوء.. أصبح الخلاف ساحة مصارعة أو حلبة ملاكمة.. وانساق المصريون وراءه كأنها مباراة أهلي وزمالك.. لن يتم تجديد الخطاب الديني بهذا التشنج والعصبية.


 بداية أقول إن رب العزة لم يطالبنا بإلغاء العقول وعدم التساؤل عما خفى عنا.. فالملائكة سألت المولى، عز وجل، سؤالا استنكاريا عن خلق آدم " أَتَجْعَلُ فِيهَا مَن يُفْسِدُ فِيهَا وَيَسْفِكُ الدِّمَاء وَنَحْنُ نُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ".. لم يعصف الله بالملائكة عندما ناقشوه في أمر إلهي "إِنِّي جَاعِلٌ فِي الأَرْضِ خَلِيفَةً".. إذن فقد قرر ونفذ وأجاب عن تساؤلهم قائلا: "إِنِّي أَعْلَمُ مَا لاَ تَعْلَمُونَ".. حتى عندما أراد إبراهيم أبو الأنبياء أن يستوثق من قدرة الخالق على إحياء الموتى قائلا: "رَبِّ أَرِنِي كَيْفَ تُحْيِي الْمَوْتَى?".. هنا لم يغضب المولى وعاتبه قائلا: "أَوَلَمْ تُؤْمِن"، فقال سيدنا إبراهيم: "بَلَى? وَلَ?كِن لِّيَطْمَئِنَّ قَلْبِي"، فأجرى الله أمام عيني النبي تجربة الطيور الأربعة والجبل.


الله خلقنا وأنعم علينا بحرية التفكير.. العقل هو جوهرة الترقي لبني البشر.. خالقنا يعلم أن البشر ليسوا عرائس ماريونيت.. حرية التفكير هي التي أنتجت التكليف.. فأنا مكلف أو مسير طبقا لحكم عقلي.. ليست القضية أن أعيث فسادا في الأرض أو أنا أصلي وأصوم دائما ثم أقول إنه قضاء وقدر.. التكليف مبني على العقل الذي ميز الله به الإنسان، وهو أساس المحاسبة يوم القيامة.. فالله لا يحاسب عبيدا وإنما عبادا أحرارا لهم رأي ورؤية.. لهذا يكرر الله في القرآن الكريم " تعقلون – يفقهون – يعلمون – يتفكرون – يدركون"، ثم قالها صريحة لا لبس فيها: "وَهَدَيْنَاهُ النَّجْدَيْنِ".. أي الطريقين الخير والشر.. وبعقله يميز بينهما ثم يتحمل عبء اختياره.. "فَمَن شَاء فَلْيُؤْمِن وَمَن شَاء فَلْيَكْفُرْ ".. هنا يمنحنا الله المشيئة بعد أن وهبنا العقل.. لكن حرية العقل يجب أن تكون في الاجتهاد والإصلاح.. في الابتكار والتجديد.


للأسف المعركة الدائرة بين إسلام بحيري وشيوخ الأزهر لا تخص الإسلام في شىء.. فلا المذيع يريد تجديد الخطاب الديني وتخليص الدين من شوائب وخرافات، ولا رجال الأزهر يريدون بالفعل الدفاع عن العقيدة.. الأمر كله تحول إلى خناقة.. ودخلت الفضائيات على الخط تتابع أشد لقطات هذه المعركة سخونة وأكثرها إثارة.. ببساطة أصبحت قضية إسلام إثبات أن شيوخ الأزهر جهلة من العصور الوسطى بينما تحولت مشكلة رجال الأزهر إلى البرهنة على كفر إسلام وجهله وأنه صاحب بدعة وضلالة.. باختصار لا إسلام مفكر.. ولا الأزهر مكفر.


إن إسلام بحيري ليس مصلحًا كطه حسين حينما قدم كتابه في الشعر الجاهلي وثار الأزهر والمجتمع ضده.. لكنّه لم يحول القضية إلى مسألة شخصية ولم يدخل في معارك جانبية وكذلك فعل قاسم أمين فى كتابه تحرير المرأة والإمام محمد عبده أول مجدد للفكر الديني .. هؤلاء كانوا أصحاب قضية ودفعوا ثمن آرائهم المخالفة في ذلك الوقت.. لم يحولوا معاركهم إلى أضواء أو شهرة أو مكاسب شخصية كما يفعل بحيري.. لم يسعوا إلى انتصار رأيهم وهزيمة خصومهم. 


 كان اهتمامهم أن يتحولوا إلى مصدر للتنوير والتغيير الهادىء المنطقي.. وللأسف لم يفعل بحيري هذا.. استخدم ألفاظا قاسية وصادمة ومستفزة.. مثلا كرر فى برنامجه  مقولة" الأئمة السفلة الأربعة"، قاصدا "مالك والشافعي وابن حنبل وأبا حنيفة"، مستدلا على ذلك ببعض ما ورد في مؤلفاتهم من آراء ارتبطت بسياق معين وزمان مختلف.. وهذا هو جوهر الفقه "التغيير" وملائمة العصر.. كان عليه أن يقدم فتاوى جديدة دون أن يسب ويسخر من أئمة استقروا في قلوب الناس.


 لو كان إسلام يريد التنوير لابتعد منذ البداية عن استخدام أي ألفاظ قاسية ولم يقلد مشجعي الكرة في هياجهم فرحا عند النصر وتشنجهم حزنا على الهزيمة.. لا أستطيع أن أقارن إسلام بحيري بمصلح مثل الشيخ علي عبد الرازق من علماء الأزهر الذي قرر الدفاع عن الإسلام ضد طغيان الملك فؤاد عام 1923.. لم يسخر آنذاك من الحاكم وحاشيته، ولكنه قدم حجته بالصوت الهادئ ومخاطبة العقل والمنطق.. ونفس الحال ينطبق على رجال الأزهر الذين لم يدافعوا عن الإسلام وتراثه، وإنما على الأزهر كحصن لهم يمنحهم المزايا المالية والوظيفة والمكانة فى المجتمع والإعلام.


يقول المولى عز وجل في محكم آياته لسيدنا محمد عليه الصلاة والسلام "وَلَوْ كُنتَ فَظّاً غَلِيظَ الْقَلْبِ لاَنفَضُّواْ مِنْ حَوْلِكَ".. باختصار شديد الأزهر فشل في التكفير وإسلام فشل فى التفكير والإصلاح.. كلاهما لديه فائض من غلاظة القلب وفظاظة اللسان فأنفض الناس من حولهم.. الحالمون بالتغيير والإصلاح لم يجدوا ضالتهم في إسلام ولا في الأزهر مع الأسف.. ولم يبقَ في الساحة إلا مشجعون لكل فريق بنفس طريقة الأهلي والزمالك وبنفس أسلوب القنوات الفضائية التي تهوى الفضائح.. ولله الأمر من قبل ومن بعد !