التوقيت الجمعة، 03 مايو 2024
التوقيت 08:49 ص , بتوقيت القاهرة

ليس تحالفًا سنيًا

من يتابع مراكز الأبحاث ووسائل الإعلام الغربية هذه الأيام، يجد أن حديثها لا ينقطع عما تُسميه "الصراع السني الشيعي الجديد" بالمنطقة و"التحالف السني" لمواجهة إيران. على سبيل المثال، فإنّ عددًا من مراكز الأبحاث الأمريكية أصدرت تقارير في الأسبوع الماضي تحمل العناوين التالية "رد الفعل السني وترقب الانتقام الإيراني" و"الملك السعودي يتطلع لتكوين كتلة سنية جديدة في مواجهة إيران وداعش" و"تركيا والسعودية تسعيان للقيادة السنية".

المشكلة أن عددا من المحللين والكتاب وكذلك الدعاة الدينيين في العالم العربي وقعوا في نفس الفخ، فسمعنا أحدهم يقول: "إن عاصفة الحزم جهاد شرعيّ كامل لا شبهة فيه.. وأن إيران أرادت اليمن ممرا للفرس إلى مكة المكرمة والمدينة المنورة"، ورفع آخر شعار "انقذوا اليمن تنقذوا مكة".

خطورة هذا التوجه أنه يروج لفكرة أن الصراع بين الدول العربية وإيران هو صراع دينيّ، صراع بين السنة والشيعة وليس صراعًا سياسيًا.. الترويج لمثل هذا التفكير سيؤدي إلى إشعال الصراع وليس تهدئته، بل سيؤدي إلى امتداده وإيقاظ الفتنة في عدد من الدول العربية الأخرى التي تحتوي على أقليات شيعية.

الحديث عن الصراع السني الشيعي والتحالف السني لمواجهة إيران هو تغذية للأفكار الغربية التي ترى أن العالم الإسلامي يعيش في مرحلة أشبه بالعصور الوسطى التي مرت بها أوروبا، وأن الدين هو السبب الرئيسي للصراع في المنطقة، وأن الحروب الدينية هي أمر لا مفر منه من أجل الوصول للحداثة والتطور في المستقبل، كما حدث في أوروبا بعد نهاية الحروب الدينية. هذا التفكير يستبعد أيضًا أي مسؤولية للغرب في المشاكل التي يعاني منها العالم الإسلامي اليوم، ويرى أنها مجرد نتاج لإفرازات الداخل.

علينا أن نضع الصراع مع إيران والتحالف لمواجهته فى إطاره الصحيح. الخلاف مع إيران ليس دينيًا أو مذهبيًا بين السنة والشيعة، ولكنّه خلاف سياسيّ بالأساس مع دولة تسعى لاختراق دول عربية وتقوض استقرارها من أجل أن تصبح القوة المهيمنة في منطقة الخليج واللاعب الأساسي في الشرق الأوسط. وسلوك إيران اليوم لا يختلف كثيرًا عن المحاولات التي كان يقوم بها شاه إيران في الماضي كي تصبح بلاده شرطي المنطقة.

رؤيتنا للصراع مع إيران يجب أن تنطلق من أنه صراع سياسي/ استراتيجي حتى لو استخدمت إيران الدين والأقليات الشيعية في العالم العربي لتحقيق أهدافها. 

علينا ألا نقع في فخ السنة في مواجهة الشيعة. علينا ألا نردد فكرة أن هناك تحالفا سنيا يتم تشكليه ويضم السعودية ودول الخليج ومصر وتركيا وباكستان لمواجهة إيران الشيعية. علينا ألا نتحدث عن أن الهدف من عملية "عاصفة الحزم" هو حماية المقدسات الإسلامية في مكة والمدينة، فهذه الأماكن هي أيضًا مقدسة للشيعة. علينا أن نحذر من الانجرار إلى حروب دينية بالمنطقة.

وأخيرًا علينا دمج أبناء الطوائف والمذاهب الدينية المختلفة في إطار الدولة الحديثة التي تقوم على مبدأ المواطنة والمساواة بين الجميع في الحقوق والواجبات، وهذا هو الصمام الحقيقي للأمن القومي العربي.