التوقيت الجمعة، 26 أبريل 2024
التوقيت 08:38 م , بتوقيت القاهرة

عاصفة الحزم عنوان لصراع سياسي وليس دينيا

"فرق تسد" كانت مقولة استعمارية ووصفة مجربة، أنتجت آثارها في تاريخنا كأمة إسلامية على اختلاف مكوناتها تركية أو فارسية أو عربية أو حتى هندية، وفى هذا الإقليم "الشرق الأوسط" ترك الاستعمار لنا بذور نزاعات أبدت وأشعلت صراعات بين أطراف ثلاثة فيه التركي والعربي والفارسي، الذين وإن تشاركوا جميعا في دين واحد وثقافة واحدة، إلا أن أطماع السياسة والرغبة في التوسع الإمبراطوري فرقتهم وفتحت أبواب الصراع بينهم.


لذا سنجد دائما أن هناك مشروعا تركيا ومشروعا إيرانيا للهيمنة على الإقليم، بينما لم نلمح منذ الضربة التي تعرض لها المشروع القومي العربي سواء بنكسة يونيه 1967 أو بوفاة جمال عبدالناصر في العام 1970،  أي ملامح لمشروع عربي.


ظلت هذه المنطقة من عالمنا العربي يتراجع طموحها وتحديدا قلب العروبة مصر، حتى لم يتبق سوى رؤوس مثلث حائط صد ضعيف، لكنه كان كافيا في توفير الحد الأدنى من أمن النظام العربي الذي تشكل في أعقاب سقوط حائط برلين 1989 وانتهاء حقبة الحرب الباردة، حيث اختارت هذه الدول أن تتعايش مع هذا الواقع الإقليمي والدولي الجديد، الذي جعل العالم أحادي القطب والإقليم أيضا بهيمنة إسرائيل على المنطقة.


حتى هذا المثلث الذي جسدت رؤوسه مصر وسوريا والسعودية، تعرض في أعقاب ما سمي بالربيع العربي إلى ضربة ساحقة جعلت التباين بين أطرافه كبيرا، فساندت السعودية الثورة السورية التي تعثرت مسيرتها وتحولت إلى حرب أهلية، وحولت سوريا مع العراق أيضا لساحة للجماعات المتطرفة وترك الفراغ الذي تركه العرب في سوريا والعراق الفرصة لإيران أن تتمدد، بينما نأت تركيا بنفسها بقدر الإمكان مع دعم خفي لداعش في إطار تهذيب طموحات الخصم الإقليمي إيران.


ظل المشروع الإيراني يتمدد في العراق وسوريا دون أي جهد عربي مناهض، حتى تعاظم طموح إيران إلى حد تهديد أمن المملكة العربية السعودية والخليج كله عبر الحوثيين، الذين انقلبوا على الرئيس الشرعي عبدربه هادى منصور ووظفوا اتفاق السلم والشراكة في شراء الوقت، لتحسين موقفهم الميداني والعسكري عبر التحالف التكتيكي مع على عبدالله صالح الذي امتلك ورقة الجيش اليمنى، وتفاقمت الأمور باتجاه سيطرة الحوثيين على الحكم واعتقال الرئيس ثم هربه إلى عدن ونقله العاصمة إليها بعد سيطرتهم على صنعاء بشكل كامل .


بدا الأمن الخليجي والسعودي مهددا إلى حد كبير، دفع السعودية إلى إطلاق عاصفة الحزم تلك العملية التي جرت بقيادة سعودية لتحالف من عشرة دول ضم طرفا إسلاميا هي باكستان، وهي حليف قديم للمملكة العربية السعودية التي مولت بالكامل مشروع القنبلة الباكستانية النووية.


انطوت عاصفة الحزم على العديد من الرسائل أولها لإيران كرسالة ردع في إطار قلق مشروع، خصوصا مع تراجع الالتزام الغربي بأمن الخليج مع تقدم المفاوضات مع إيران حول مشروعها النووي وإمكانية رفع الحصار عنها ، التأكيد على جدية التدخل في اليمن لدعم نظام قريب من العرب وغير متناقض مع الجارة الأقرب السعودية، اختبار فرص بناء تحالف عربي يحمى الدول العربية من خطر وجودي أصبح يهددها مع محاولات إطلاق حرب سنية شيعية في المنطقة، بعد إعداد الساحة العراقية لذلك لتنطلق منها تلك الحرب لكل دول المنطقة لتحويلها إلى أشلاء في مواجهة كيان متماسك حتى الآن هو الكيان الصهيوني.


 بطبيعة الحال قد يرى البعض أن استدراج إيران للسعودية للدخول في المستنقع اليمنى هو هدف في حد ذاته بما يطرح السؤال حول إمكانية تطور الهجوم الجوي الذى يراه الكثيرون عقيما في حل المشكلة، إلى هجوم برى وبحري واسع يغرق السعودية في المستنقع اليمني الحافل بالأعداء سواء القاعدة أو على عبدالله صالح أو الحوثيين أو القبائل اليمنية  غير الموالية للدولة وكلها أطراف تشترك في العداوة للسعودية.


في النهاية قد تكون تلك الضربات مقدمة لمشروع عربي غائب في مواجهة مشروع إيرانى يتمدد، ومشروع تركى ينتظر ربما انتهاء مشهد الصراع بين الفرس والعرب، ليدخل في الوقت المناسب في كل الأحوال نحن أمام صراعات سياسية ومشاريع لا ينبغي أن نتورط في جعلها صراعات دينية بأي حال من الأحوال، فصراعات السياسة قد تتصالح دون كلفة كبيرة، بينما كبدتنا الصراعات الدينية عبر تاريخنا كلفة لازلنا نجني آثارها حتى اليوم.