التوقيت الجمعة، 03 مايو 2024
التوقيت 06:50 ص , بتوقيت القاهرة

شرق أوسط بدون أمريكا

عندما قامت مصر بتوجيه ضربة عسكرية ضد داعش في ليبيا في شهر فبراير الماضي، أعلنت الولايات المتحدة الأمريكية أن المصريين لم يبلغوها مسبقا بهذه الضربة الجوية، ولم يحدث أي تنسيق بشأنها. وقد أثار الأمر بالتأكيد غضب الولايات المتحدة، والتي سعت بعد ذلك لإحباط الجهد المصري لإصدار قرار من مجلس الأمن يساند التدخل لمواجهة داعش في ليبيا.


الآن تقوم المملكة العربية السعودية ومعها مجموعة من الحلفاء العرب بتوجيه ضربة عسكرية للحوثيين في اليمن. السعودية أبلغت الولايات المتحدة مسبقا بالغارات الجوية، ولكنّها لم تهتم كثيرا بمعرفة الرأي الأمريكي في هذا العمل العسكري، أو تتطلع لمساعدة أمريكية فيه. السعودية كانت عازمة على المضي قدما في المواجهة العسكرية مع الحوثيين حتى لو اعترضت أو تحفظت الولايات المتحدة على ذلك.


الموقف المصري والموقف السعودي يعبران عن توجه جديد لدى الدولتين، وهو أن حلفاء الولايات المتحدة التقليديين لا يعتقدون أنه يمكن الاعتماد عليها، أو توقع أنها ستهب لنجدتهم أو تقف معهم في أوقات الأزمات، أو قيادتها لزمام الأمور بالنسبة لقضايا المنطقة كما كان يحدث من قبل، ومن ثم لايوجد سبيل سوى الاعتماد على النفس أو على الأشقاء بالمنطقة.


مصر والسعودية تدركان جيدا أن إدارة الرئيس  أوباما تتبنى استراتيجية تجاه الشرق الأوسط تستهدف تقليل تواجد الولايات المتحدة بهذه المنطقة، والحد من التورط في نزاعاتها، الأمريكيون يعددون أسبابا لذلك منها تجربة التدخل في العراق والتي جعلت الرأي العام الأمريكى حذرا من التورط مرة أخري فى  مشاكل المنطقة.


السبب الثاني يرتبط بالانخفاض الكبير في حجم واردات الولايات المتحدة من نفط الشرق الأوسط. الولايات المتحدة تنتج الآن كميات ضخمة من النفط قللت من وارداتها النفطية من الخارج، كما أن معظم وارداتها النفطية أصبحت تأتي من دول غير شرق أوسطية. يضاف لذلك أن الولايات المتحدة ترى أن القارة الآسيوية يجب أن تحتل الأولوية الاستراتيجية بالنسبة لها، إما بسبب الإمكانات الاقتصادية الهائلة لهذه القارة، أو بسبب تصاعد النفوذ الصيني بها وتخوف الولايات المتحدة أن يؤدي ذلك لطردها من هذه القارة أو استبعادها من التفاعلات التي تقودها الصين الآن لإعادة ترتيب آسيا تحت شعار أسيا للأسيويين.


الولايات المتحدة لن تسقط الشرق الأوسط من اهتمامها بشكل كامل، فنفط المنطقة مازال مهما لحلفائها في أوربا وآسيا، كما أن انقطاع تدفق هذا النفط  سيؤدى لأزمة فى الاقتصاد العالمى وسوف يؤثر بالتأكيد على الاقتصاد الأمريكى.


لكن علينا توقع انخفاض الاهتمام الأمريكى بالشرق الاوسط، وتحول اولوية اهتماماتها الدبلوماسية والاقتصادية والعسكرية إلى آسيا. المؤشرات على ذلك كثيرة منها الانسحاب من العراق ورفض التدخل العسكري المباشر فى سوريا. بالإضافة لسعيها للتصالح مع إيران من أجل تحييد دورها فى إشعال قضايا المنطقة، والذي كثيرا ما وضع ضغوط على الولايات المتحدة للتدخل من أجل حماية حلفائها من الخطر الإيرانى.


هذا التحول في الاهتمام الأمريكي قد يمثل تحديا لبعض دول الشرق الأوسط التي اعتادت على تواجد الولايات المتحدة الكثيف والنشط بالمنطقة،  وعلى الاعتماد على هذا التواجد لضمان أمنها.


ولكنه من ناحية أخرى يمثل فرصة للدول العربية لبناء قدراتها العسكرية الذاتية، ووضع إطار للتعاون بينها لمواجهة المخاطر المشتركة.