التوقيت الجمعة، 29 مارس 2024
التوقيت 10:08 ص , بتوقيت القاهرة

السلفية عدو الإسلام

لو لاحظنا استخدام القرآن لكلمة سلف لوصف أشخاص، ربما لن نصل للنتيجة الثابتة المتداولة في أذهان الناس لتقديس هؤلاء السلف وهم الآباء والأجداد والبشر الراحلون. فالسلف في القرآن لم يكن سلفا صالحا، بل سلفا هالكا نزل به العذاب.


يقول الله في سورة الزخرف (فلما آسفونا انتقمنا منهم فأغرقناهم أجمعين فجعلناهم سلفا ومثلا للآخرين) (56).


وجعل الله الانتقال من الحاضر إلى الماضي لا يصحبه دائما نية صادقة أو هديا صالحا، بل كان تُكَأَة وقياسا فاسدا يريد به البعض استدعاء نماذج سلبية ومدمرة من ماض سحيق يريدونها تجميلا لواقعهم المشوه أو تبريرا لتصرفات همجية يظنون أنها تكتسب شرعية حينما تسند إلى الأجداد.


وشنّع الله عليهم وعلى آبائهم وجعل أن الفعلة لا تكسب حصانة أو قداسة إذا نسبت إلى الآباء، بل غالبا اقترن هذا الإسناد إلى الماضي بالضلال والتكذيب والهلاك والفاحشة.. قال الله ( وإذا فعلوا فاحشة قالوا وجدنا عليها آباءنا والله أمرنا بها قل إن ربي لا يأمر بالفحشاء أتقولون على الله ما لا تعلمون) الأعراف (48).


إضافة إلى ذلك يعري الله من يضيف قداسة دينية لأقواله وأفعاله حتى يخفي سوءات استنتاجه بزعم أن الله قد أمر بها. غالبا يأتون بنصوص تحتمل أقوال وتأويلات مختلفة. كما قال علي بن أبي طالب عن نقاش الخوارج أن القرآن حمال أوجه. والله أخبرنا أن نتبع أحسن ما آتانا من ربنا.. وكل ما يأتينا من الله حسن. لكنه ينمي لدينا المهارة في استخلاص الأحسن حتى لو من كلام الله نفسه. وهو ما ينصرف إلى أفضل التفسيرات والتطبيقات لكلام الله.


ومرات متوالية يشنع الله على الاتباع الأعمى للأسلاف الآباء والأجداد دون قبول الهدى واعمال العقل وترك ركام الماضي للقبول بتحديات العصر وما يستجد من معلومات وأحداث.. (إِنَّهُمْ أَلْفَوْا آبَاءهُمْ ضَالِّينَ فَهُمْ عَلَى آثَارِهِمْ يُهْرَعُونَ ) الصافات 69
(قال أولو جئتكم بأهدى مما وجدتم عليه آباءكم قالوا إنا بما أرسلتم به كافرون) الزخرف 23. (وإذا قيل لهم اتبعوا ما أنزل الله قالوا بل نتبع ما ألفينا عليه آباءنا. أولو كان آباءهم لا يعقلون شيئا ولا يهتدون) البقرة 170.


السنة:


وإذا انتقلنا من القرآن إلى السنة نجد حديثا مهما في هذا الصدد وهو ما مسند الإمام أحمد والتاريخ الكبير للبخاري وطبقات ابن سعد. أن رسول الله (ص) قال: "إذا سمعتم الحديث عني تعرفه قلوبكم أو تلين له قلوبكم وجلودكم وترون أنه منكم قريب فأنا أولاكم به. وإذا سمعتم الحديث تنكره قلوبكم أو تنفر منه قلوبكم وجلودكم وترون أنه منكم بعيد فأنا أبعدكم عنه".


وهنا يجعل الرسول معيار قبول كلامه فوق السند والتوثيق التاريخي الذي قد يختل ويخطئ مهما حرص الناس، وسيناله التحريف مهما حدث، أو سيخرج عن سياقه وقد يؤدي إلى الفساد والقساوة والغلظة، يجعل المعيار هو ما تلين به القلوب والجلود فلا تقشعر منها ويجدونه قريبا من نفوسهم وواقعهم وفطرتهم السليمة. وأن كل ما ينكره القلب وينفر منه الإنسان فهو ليس من كلام الرسول ولو أقسموا على غير ذلك.


الأحبار والرهبان:


واهتم القرآن بعد تحرير الناس من العادات والأعراف السيئة والذاكرة التاريخية السالفة المدمرة، عمل على تحريره من كل ما يؤدي به إلى التخلف والعبودية فقام بتحريره من أي سلطان أرضي يزعم القداسة، فحرره من تبعة طائفة رجال الدين، فقال: (يا أيها الذين آمنوا إن كثيرا من الأحبار والرهبان ليأكلون أموال الناس بالباطل ويصدون عن سبيل الله) وقال (اتخذوا أحبارهم ورهبانهم أربابا من دون الله
وعندما احتج أحد الرجال على هذه الآية وقال إنهم لا يعبدونهم ولا يسجدون لهم، قال النبي ألا تُحرموا على أنفسكم ما يحرمون عليكم وتطيعوهم في كل أمر قال الرجل نعم، قال الرسول فتلك عبادتكم لهم.


اختل الأمر وصرنا نحن من نعبد الأسلاف والأجداد ثم عبدنا رجال الدين في كل عصر. وانصرفنا عما جاء به الله.


الصحابة لم يكونوا سلفيين:


وجيل الرسول الذين يزعمون اتباعهم لم يكونوا سلفيين، بل اختلفوا مع بعضهم اختلافات كثيرة ولم يقلد أحدهم أحدا دون قناعة. من أقل شيء حتى أكبر قضية. ولو أخذنا قضية الإمامة أو الخلافة وحكم المسلمين نكتشف ذلك. فالرسول عليه الصلاة والسلام حين موته أمر أبا بكر بالصلاة بالمسلمين إماما، وبعد رحيل الرسول (ص) لم يفهم الصحابة أن ذلك فيه معنى مباشر لتوليه أبي بكر إمامة المسلمين قياسا على إمامة الصلاة. فقد ميزوا بين الوظيفة الدينية والسياسية. لذلك فشطر الصحابة اجتمع في الثقيفة وهم الأنصار واتفقوا على زعيمهم سعد بن عبادة دون الالتفات لإشارة إمامة الصلاة. وظل سعد خليفة بضع ساعات حتى وصول عمر وأبي عبيدة وأبي بكر فتغيّرت الوجهة.


وبعد أن تولى أبو بكر عيّن عمر بن الخطاب نائبا له، وبعد أن مات أبو بكر اجتمع الناس على عمر، وتلك كانت طريقة مختلفة عما فعله الرسول. لأن الرسول لم يسم نائبا له. . وجاء عمر فترة حكمه وقبل رحيله سمى ستة نفر من كبار الرجال لتكون الشورى فيهم. وهي طريقة أيضا مخالفة لما فعله أبو بكر وما فعله الرسول عليه الصلاة والسلام. 
 *
ابن تيمية:


ولو احتكمنا إلى إمام السلفية المعاصر ابن تيمية لوجدناهم مخالفين له في كثير من الأمور الفقهية.. فهو أول من خالف السلف واحتج على الصحابة ولم يلتزم بما جاءه من التاريخ، بل قال إن عمر بن الخطاب له أخطاء كثيرة وعلي بن أبي طالب أخطأ في 300 مسألة. ورفض الإجماع الواقع على وقوع الطلاق البدعي من فقهاء السلف وهو طلاق الرجل لزوجته أثناء حيضتها أو في طهر جامعها فيه، وقال بعدم وقوعه.


وقرر خطأ سيدنا عثمان خليفة المسلمين في تصرفاته السياسية وهو ما جعل الناس تثور عليه عندما حابى أهله في الأموال والولايات حتى بان منهم الظلم وجأر الناس بالشكوى.


ورفض ابن تيمية السلف وأبدع لنفسه خطا مستقلا، ورغم ذلك جاء أتباعه يزعمون نهجه، ثم حولوا الرجل إلى وثن يعبد من دون الله يحلون ما يحله ويحرمون ما حرمه.