التوقيت الخميس، 25 أبريل 2024
التوقيت 06:03 ص , بتوقيت القاهرة

البابا شنودة.. رجل "الحوارات المسكونية" في القرن العشرين

استطاع البابا شنودة الثالث، الذي وافقت ذكرى رحيله الثالثة أمس الثلاثاء، أن يكسر العديد من الحواجز أمامه أثناء سعيه للوحدة الكنسية حتى تصير الكنيسة كما كانت في زمان سلفه مرقس الرسول، الذي كان بيته مكانًا لاجتماع المسيح بكل تلاميذه.

فطرق البابا شنودة أبواب جميع الطوائف ودعاهم للحوارات اللاهوتية، وأسس مجالس الكنائس للتعاون، فيقول البابا عن هذه الخطوات: "نسعى دائمًا للوحدة الكنسية من خلال الحوارات اللاهوتية، للتفاهم والوصول لوحدة الإيمان لأنها هي الوحدة الحقيقية، وما زلنا نحاول إقناع الأطراف الأخرى، ولكن لم تحدث الوحدة بعد في ظل الخلافات اللاهوتية والعقائدية، فالوحدة لن تكون أبدًا على حساب الإيمان الأرثوذكسي الذي تسلمناه من الرسل، ولكن حتى في ظل الخلافات، لابد أن يظل التعاون والمحبة بيننا".

بذور العمل المسكوني

في عهد البابا كيرلس السادس تعاونت الكنيسة القبطية الأرثوذكسية مع مجلس الكنائس العالمي، وكان الأنبا صموئيل أسقف الخدمات العامة، بجانب الأنبا شنودة أسقف التعليم (البابا شنودة)، هما من أُسندت لهما مهمة التواصل مع الطوائف الأخرى.

ومثَّل الأنبا شنودة الكنيسة القبطية الأرثوذكسية في مؤتمر بالنمسا عام 1971، للحوار بين الكنائس الأرثوذكسية الشرقية والكنائس الكاثوليكية، حول "الكريستولوجي" (طبيعة المسيح)، تلك المسألة التي كانت محل خلاف بين الكنيستين وحدث بسببها الإنشقاق في القرن الخامس، واستطاع الأنبا شنودة أن يكتب صيغة لاهوتية باللغة الإنجليزية حازت موافقة جميع اللاهوتيين الحاضرين، وكان ذلك مقدمة لزيارة بابا الفاتيكان لأول مرة، بعد اعتلائه الكرسي البطريركي.

الفاتيكان

وفي مايو من العام 1973، سافر البابا شنودة للفاتيكان ليلتقي البابا الراحل بولس السادس، ليكون أول لقاء بين بابا الإسكندرية وبابا روما، بعد الانشقاق الذي حدث منذ 16 قرنًا، وأعاد له البابا بولس رفات البابا أثناسيوس "الرسولي" (البابا القبطي رقم 20)، بعد أن ظل جسده في روما لقرون.

واقترح البابا شنودة على البابا بولس إقامة حوار بين الكنيستين، واتفقا على صيغة مشتركة لإيمانهما بالكريستولوجي (طبيعة المسيح)، ليعود الحوار بين الكنيستين بعد توقفه لقرون.

ومُنح البابا شنودة بسبب ذلك جائزة التسامح الديني من الأمم المتحدة، لجهوده في التقريب بين الطوائف، كما مُنح على إثرها الدكتوراه الفخرية من جامعة بون الألمانية، وحتى الآن ما زالت مؤسسة "برو أورينتا" المختصة بالحوار بين الكنائس الأرثوكسية والكاثوليكية، تعلق الورقة التي تحمل الصيغة التي صاغها وكتبها البابا شنودة بخط يده، وحازت اتفاق جميع اللاهوتيين.

وفي 12 فبراير 1988، اجتمعت، تحت رعاية البابا شنودة، اللجنة المشتركة للحوار اللاهوتي بين الكنائس، في دير الأنبا بيشوي بوادي النطرون، وتم الموافقة نهائيًّا على صيغة موحدة لمسألة الكريتسولوجي، التي ظلت محل خلاف لقرون.

إلا أن الاتفاقية تم نقضها، بعدما وقعت الكنيسة الكاثوليكية اتفاقًا مع الكنيسة الآشورية التي تؤمن بتعاليم نسطور، وهو ما يخالف أحد بنود الاتفاقية التي وُقعت بين الكنيسين والذي ينص على حرمان تعاليم نسطور.

روسيا والكنائس الخلقدونية

كما زار شنودة الكنيسة الروسية في موسكو مرتين، وبدأ الحوار معها، كما وقع اتفاقية مشتركة مع لاهوتيين الكنائس الأرثوذكسية الخلقدونية بخصوص الكريستولوجي، إلا أن الاتفاقية ما زالت تنتظر موافقة رؤساء الكنائس الخلقدونية حتى الآن.

الكنائس الأرثوذكسية الشرقية

كما سعى البابا لتوطيد العلاقات مع الكنائس الأرذوكسية الشرقية المشترِكة مع الكنيسة القبطية في الإيمان، مثل السريان والأرمن والأثيوبيين والهنود الأرثوذكس، فزار هذه الكنائس عدة مرات والتقى بطاركتها، وكانت تربطه علاقة خاصة بالبطريرك الراحل للكنيسة السريانية الأرثوذكسية مارأغناطيوس زكا عيواص الأول، كما استطاع إعادة العلاقات مع الكنيسة الإثيوبية لما كانت عليه، بعد فترة توقف فيها الحوار بسبب الانقلاب العسكري الذي حدث بإثيوبيا، فارتبط بعلاقة محبة بالبطريرك الإثيوبي الراحل باولوس.

كنائس إفريقيا والشرق الأوسط والعالم

وأسس البابا شنودة مجلس كنائس الشرق الأوسط عام 1974، ليضم جميع كنائس الشرق الأوسط، بالإضافة لتأسيسه مجلس كنائس أفريقيا، وتولى رئاسة تلك المجالس عدة مرات، إلى جانب رئاسته مجلس الكنائس العالمي عن العائلة الأرثوذكسية الشرقية.

كما تبنى فكرة تأسيس مجلس كنائس مصر، ليضم الطوائف المسيحية بمصر من أجل التعاون، إلا أنه توفي قبل أن يشهد تحقيق ذلك الحلم، فكان البابا يحظى باحترام كل الطوائف المسحية في مصر، حتى أطلقوا عليه لقب "كبير العائلة المسيحية".

تخليد ذكراه

وتقديرًا لكل تلك الجهود، لم تخلُ الكاتدرائية بعد وفاة البابا شنودة من ممثل لأي كنيسة، حيث أرسلت كل كنائس العالم مندوبين للحضور والتعزية، وأصدرت جميعها بيانات تعرب فيه عن تقديرها لمسيرته وحزنها لفراقه.

وبعد وفاته بشهور، قررت ولاية نيوجيرسي الأمريكية إطلاق اسمه على تقاطع شارعي بيرجن وفروم، في جيرسي سيتي، تخليدًا لذكراه.

وذكرت حيثيات القرار أنه تقرر تسمية الشارع باسم البابا شنودة لجهوده في التقارب، وحرصه على الحوار الدائم بين الطوائف المسيحية المختلفة، ودعوته للمحبة والتسامح والحوار، كما أنه أسس نحو 200 كنيسة قبطية أرثوذكسية لرعايا الجالية القبطية في الولايات المتحدة.

فيديو إزاحة الستار عن لافتة شارع تحمل اسم البابا شنودة الثالث