التوقيت الخميس، 16 مايو 2024
التوقيت 04:26 ص , بتوقيت القاهرة

التحالف "المصري- الخليجي" ليس نزهة!

في يوم واحد، أمس الاثنين، الموافق التاسع من مارس 2015، قرأتُ المقالات والافتتاحيات التالية في جريدة الشرق الأوسط:

- "الأسد هو المشكلة وليس الحل"، بقلم طارق الحميد، وعنوان المقال يلخص مضمونه.

- "إيران والخليج.. بل هو اتفاق سيئ" بقلم سليمان الدوسري (ينتقد فيه الاتفاق المرتقب بين الغرب وإيران بخصوص برنامجها النووي).

- "هل علينا التصالح مع الأسد؟"، بقلم عبد الرحمن الراشد، ويقول فيه: "لا يُمكن النظر إلى الحرب في سوريا على أنها مشكلة سورية داخلية، ودون فهم المعادلة الإقليمية، وتحديدا الصراع مع إيران. وفي حال سايرت السعودية نصائح المصريين، أو دعوات المحللين، وقبلت بحل أو مصالحة يبقى فيها الأسد، فإنها تكون قد أسلمت كامل الهلال، العراق وسوريا ولبنان إلى إيران".

وفي نفس اليوم أقرأُ مقالاً لرئيس تحرير "الحياة اللندنية" غسان شربل تحت عنوان "الأيام الإيرانية"، يقول فيه إن المنطقة تعيش زمنًا إيرانًيا، حيثُ حل كل الملفات المستعصية في العراق واليمن ولبنان ودمشق بيد رجل واحد هو قاسم سليماني.

ما الذي يقوله ذلك؟

المنطقة تعيش وضعًا استثنائًيا، حيث الهموم والشواغل الخليجية(كما تعكسها هذه الافتتاحيات المُعبرة عن السياسة السعودية) يُمكن تلخيصها في كلمة واحدة: "إيران"

لماذا ألحت تلك "الهموم" بمثل هذه الدرجة من الكثافة والعنفوان في الوقت الحالي؟

هناك ثلاثة أسباب رئيسية تتعلق بالاتفاق النووي الذي توشك الولايات المتحدة أن توقعه مع إيران:

1- يبدو أن الاتفاق لن يقضي على الطموحات الإيرانية ولكن سيؤجلها بعض الوقت، بما يعني أن يعيش الخليج في ظل احتمال حصول إيران على القنبلة عند نقطة ما في المستقبل. مهمٌ أن نعرف إن إيران لا تُريد الحصول على القنبلة الآن بالضرورة، ولكنها تُريد فقط – في هذه المرحلة- الاعتراف ببرنامجها النووي وبحقها في التخصيب، مع الاحتفاظ بخيار الحصول على السلاح في مرحلة مُقبلة، حيث يكون لكل حادث حديث، وقديمًا قالوا إن "طولة البال تبلغ الأمل"!

2- الاتفاق سوف يتضمن رفع العقوبات الاقتصادية المفروضة على إيران، وسيكون من نتيجة ذلك تحرير المزيد من الموارد لمشروعاتها التوسعية في العراق ولبنان وسوريا.

3- الاتفاق يفترض ضمنيًا نوعًا من "الهدنة الشاملة" بين واشنطن وطهران؛ أي التسليم إلى حد بعيد بسياسات إيران في الإقليم، وبالأخص في سوريا والعراق.

هناك ثلاثة أسباب إضافية تتعلق بما يجري في المنطقة:

1- الحرب على داعش تدفع الولايات المتحدة للدخول رويدًا رويدًا إلى دائرة التسليم ببقاء الأسد.

2-الحرب على داعش أفضت إلى نتيجة عجيبة ومخيبة للآمال: تزايد النفوذ الإيراني بصورة غير مسبوقة في بغداد.

3- إيران تقف بالفعل على عتبة البوابة السعودية عبر الحوثيين في اليمن.

إذا تأملنا العوامل الست السابقة، نجد أنفسنا أمام ظل ثقيل من النفوذ الإيراني يخيم على الخليج، ويطبق عليه من أكثر من جانب. لا حاجة بنا إلى مزيد من الاستفاضة في ما يعنيه ذلك بالنسبة لمستقبل الخليج واستقراره السياسي والاجتماعي. يكفي –كمثال- أن نتصور تجربة "الثورة البحرينية" التي اندلعت في 2011، وهي تندلع في ظرف مختلف، حيث المد الإيراني في صعود، والحضور الإيراني نشط ومتغلغل. هل يُمكن أن نتخيل نفس التصرف السعودي السريع والحاسم الذي قمع الثورة –التي اصطبغت بلون طائفي جعلها أقرب إلى التمرد الشيعي- في مهدها؟  بالطبع لا. 

مِدْ الخط على استقامته لتتخيل أوضاعًا كثيرة مثل هذه في منطقة يُميزها وجود معتبر للأقليات الشيعية. أضِف إلى ذلك احتمال الحصول على السلاح النووي في خلفية المشهد، لتتكون لديك صورة كاملة عن "عاصفة مثالية" توشك أن تهب على الخليج فتجتاح مجتمعاته ونظمه السياسية الراسخة.

لهذا، ولغيره، الخليج في حالة قلق. هذه كلمة مخففة لكي لا نقول "جزع" و"تحفز". القلق في محله، والجزع مستحق، والتحفز له ما يبرره.

يُمكن القيام بتدريب ذهني "افتراضي" لتقريب الصورة: عد للوراء خمسة عشر عامًا. انزع إيران من التفاعلات الإقليمية. لنفترض مثلاً أن "ربيعًا إيرانيًا" قد اكتسح نظام الملالي، أو أن ثورة مضادة عكست توجهات الثورة الإسلامية، أو أن أي شيء قد حدث ليحول بين إيران وبين مباشرة سياستها الإقليمية بنفس الضراوة والرغبة في التوسع والتخريب. تأمل المنطقة في غياب السياسة الإيرانية وفيلق القدس ومغامرات حزب الله.

حاول أن تتخيل كم الأحداث التي لم تكن لتحدث، أو على الأقل لم تكن لتحدث بالصورة التي جرت بها. تصوّر كم من الجماعات لم تكن لتنمو وتتوغل (ليس فقط الجماعات الشيعية، ولكن أيضًا الجماعات السنية التي قامت كرد فعل على الهيمنة الشيعية). لا أكاد أحصي حدثاً إقليمًيا كبيرًا ومؤثرًا من دون  أن يكون لإيران يدٌ فيه-يد عابثة بالطبع!

لأسباب كثيرة، لا يبدو أن الولايات المتحدة تتفهم هذا القلق أو الجزع لدى الخليج. ربما هي تتفهمه ولكن لديها أولويات مختلفة في المرحلة الحالية. ولهذا السبب فالخليج متحفز، ويعيش جوًا من انعدام الاطمئنان والترقب والقلق.

مصر وحدها في إمكانها أن تفهم معنى هذا القلق، وأن تُدرك مغزى ذلك الجزع. أقول مصر وحدها، لأن تاريخها البعيد والقريب فيه ما يؤيد هذا المعنى. معنى المسؤولية إزاء المنطقة واستقرارها، كجزء من الاستقرار والأمن المصري ذاته.

لا ينادي أحدٌ بأن ترهن مصر سياستها الإقليمية لصالح الخليج. لنا أولوياتنا بالطبع، وحالنا الداخلي ضاغط وخطير بما لا يحتاج إلى بيان. مع ذلك، يتعين أن تظهر مصر في سياستها ومواقفها وتصريحاتها المعلنة ما يعكس التفهم والإدراك لشواغل الخليج، وهي أيضًا ضاغطة وخطيرة، عليهم.. وعلينا بالتبعية. إن لم يكن اليوم، فغداً.

ربما حان الوقت لندرك أن تحالفنا مع الخليج- إنْ أردنا له أن يكون جادًا ومستمرًا- ليس نزهة. هو أيضًا، ككل وأي تحالف سياسي، يسير في اتجاهين..لا اتجاه واحد!