التوقيت الخميس، 25 أبريل 2024
التوقيت 01:37 م , بتوقيت القاهرة

بنات إدمان الدم

لا.. لا أتحدث عن اللواتي يضعن القنابل لقتل الأبرياء، فهؤلاء لا نخصص لهن أي اهتمام.. إنما أتحدث عن الفتاة الصغيرة التي أدمنت رؤية دمها يسيل من ذراعها عندما تقطعه بالسكين التي تمسكه يدها الأخرى.. نعم ولا تستغربون ويا أمهات انتبهن جيدا.



كنت وصديقتي نحتسي القهوة ونحكي عن المجتمع، وإذا بها تفتح عيني على تلك الظاهرة الغريبة المفزعة التي اجتاحت مدارسنا هذه الأيام، وعلى الأخص مدارس البنات في المرحلة الاعدادية.. تبدأ ببنت تقطع ذراعها بالسكين أو أي آلة حادة وترى الدماء تسيل منها.. وبعد أن يلتئم الجرح تجرح نفسها مرة ثانية وثالثة وهكذا مرة بعد مرة ويصبح الألم استعذابا وهواية ثم إدمانا لا تتوقف عنه؛ لدرجة أنها بعد قطع ذراعيها مرات عديدة من أوله لآخره قد تلجأ لتقطيع ساقيها أيضا!!


وتحكي تلك الفتاة التي غالبا ما يكون عمرها من 13 إلى 15 عاما، لزميلاتها المقربات كيف تنفس عن حزنها أو غضبها المكبوت، وترفع كم القميص المدرسي لتريهن ذراعها المجروحة وتنقل لهن السر الذي لا يعرفه أبواها ولا مدرسوها.. وتنقسم البنات في ردة فعلها إلى من تنظر لها على أنها فتاة غبية أو مجنونة أو جاهلة تؤذي نفسها وتستحق الشفقة، أو من تنظر للأمر على أنه فرصة لها هي أيضا للتعبير عما لا تستطيع أن تعبر عنه بكلمات فتستحسن الأمر.. ويبدو أن رؤية الفتاة لزميلتها المدمنة تشجعها هي الأخرى على المحاولة لأن زميلتها لم تمت بل هي أمامها حية ترزق!!


في البداية لم أصدق قريبتي وهي تحكي عن أن هذه الظاهرة تحدث في مدرسة البنات الخاصة القابعة في الجوار.. فقد تخيلت أنها تحكي لي عن ظاهرة تحدث في بلاد الغرب البعيد لا في بلدنا.. ويبدو أنها جديدة على مجتمعنا ولكنها ليست كذلك في أوروبا.. فقد وجدت عدة مناقشات إعلامية غربية تتناولها ومنها تحقيق على الجارديان البريطانية منذ عام 2002.. وتبعا لما جاء به من وصف ظاهرة تقطيع البنات لأجسادهن، ولا توجد أي اختلافات بين ما حكته لي قريبتي وما جاء في التحقيق.. حتى جهل الآباء بالأمر هو هو نفسه، وأعمار الفتيات، والكبت الذي تعاني منه من تلجأ لهذه العادة الدموية المؤلمة.


ووجدت في تحقيق الجارديان أن أبحاثا تدرس الظاهرة ولكن الاحصائيات الدقيقة لا توجد بعد – ربما يوجد بعض منها حديثا.. وأن من يعالجون البنات يضعون هذه الظاهرة كنوع من إدمان إيذاء النفس تماما مثل (الأنوركسيا)، التي تبدأ بنظام غذائي لخفض الوزن ثم تتحول إلى رفض الطعام وتتطور إلى الهزال وقد تؤدي إلى الموت.. ويقولون أيضا أن البنات لا تحاول الانتحار، فالتي تجرح نفسها تعلم جيدا أماكن الأوردة والشرايين التي لا ينبغي لها قطعها حتى لا تموت.


تلك الفتاة تود أن تلفت أنظار من حولها إلى الألم النفسي الذي تشعر به عن طريق الألم الجسدي الذي تتحمله في كل مرة تقطع فيها نفسها.. والمجتمع لا يستمع لتلك الفتاة، بل وقد لا يرى ألمها حتى عندما يسيل دمها.. المشكلة غالبا تكمن في إهمال الأم والأب والمقربين لمشاعر هذه الفتاة – ونحن نتكلم هنا عن المراهقة المبكرة التي عادة ما تقوي فيها كل أنواع المشاعر من غضب وحزن وحتى الفرح عند كل مراهق.


هذه الاضطرابات النفسية وذلك الاكتئاب والشعور بأنها مهمشة ووحيدة ولا يهتم أحد بما تحسه وما تعانيه؛ يؤدي إلى كسر التابوهات وإيذاء الجسد للتخفيف عن النفس وكأنها تنادي أمها وأبيها وبقية أفراد الأسرة والمجتمع كله، وتقول لهم لا بالكلمات بل بدمها: أنا هنا انظروا لي واسمعوني.


أيتها الأمهات يوم مرأة عالمي سعيد: أتوسل اليكن انتبهن لبناتكن..