التوقيت الخميس، 18 أبريل 2024
التوقيت 10:21 م , بتوقيت القاهرة

"الصورة الصحفية".. هل المهنية تلغي الإنسانية؟

لم يظهر مصطلح "الصورة بـ100 كلمة" من فراغ، فالصورة الصحفية توقف الزمن عند اللحظات المهمة في الحياة، وتعبّر عما يعجز القلم عن وصفه، وأحيانًا كثيرة تحمل مضمونًا أقوى مما تحمله الكلمات.

لكن في سياق آخر، قد تحمل الصورة أوجاعًا، وتُسجِّل لحظات صعبة في حياة الآخرين، فتحدث ضجة عالمية، دون مراعاة لمشاعر من صوّرهم، اعتقادًا من بعضهم، أن هذا توثيق لحدث مهم، وأن مهنيتهم تحتّم عليهم إلغاء مشاعرهم والتركيز على إنجاز عملهم فقط، في حين يرى الطرف الآخر أنه عمل منافٍ للإنسانية.

واستمر الجدل بين الفريقين، ولاسيما في الفترة الأخيرة، بعد تكرار حالات الانتحار، وحالات التحرشات اليومية، والحوادث الطريفة، حيث تجد الكثير من المصورين الصحفيين يسجلون هذه المآسي غير مهتمين بمحاولة إنقاذ من يصوّرونهم.

فتاة تنتحر من عمارة سكنية

رأى مجموعة من سكان حي المنصور، بمدينة مكناس، فتاة تهدد بإسقاط نفسها من عمارة سكنية، وبدلًا من محاولة إنقاذها، صوّروا المشهد، وأتاحوه على موقع التواصل الاجتماعي الـ"فيسبوك"، بينما لفظت الفتاة أنفاسها الأخيرة فور سقوطها.

مواطن يشنق نفسه

وشاهد سكان مدينة العاشر من رمضان، في محافظة الشرقية، مواطنًا يحاول شنق نفسه، فصوّره أحد الأطفال بكاميرا هاتفه المحمول، بدلًا من التدخل ومحاولة إنقاذه بإبلاغ الأمن، أو احترام آدميته وعدم تصويره.

فتاة تغرق في النيل

وفي ديسمبر الماضي، انزلقت فتاة من أعلى كوبري قصر النيل، وتكاثرت الأقاويل هل هو انتحار، أو محاولة للهروب من متحرش، بينما وقف الجميع يشاهدونها وهي تغرق، بدلًا من محاولة إنقاذها، أو الاتصال بالشرطة.

صورة أدت إلى انتحار صاحبها

لو كان المصور الجنوب أفريقي، كيفن كارتر، يدرك أن الصورة التي التقطها لصقر يقف بجوار طفلة صومالية، ستكون أحد أسباب موته شخصيًّا، وموت الطفلة أيضًا، لفكر كثيرًا قبل أن يلتقطها، حيث التهم الصقر الطفلة بعد لحظات من التقاط الصورة، ولو ورد في ذهن كارتر أن ينقذ الطفلة بدلًا من الانشغال بالتقاط صورة للحدث، لكن الوضع اختلف تمامًا، ولكن مهنيته أجبرته على عدم توقع ما قد يحدث لها، فوقف ينظر من بعيد، والتقط صورة صحفية هزّت العالم بأكمله، وحصل من خلالها على أرفع جائزة في التصوير الصحفي، "بولتزر"، ودخل بعدها في اكتئاب مزمن، أدى إلى انتحاره في النهاية، بعدما علم أن الصقر نال من الطفلة.

ذبح "كلب الأهرام"

تعجب الكثيرون من موقف مصوّر كلب شارع الأهرام، وهي الحادثة الأشهر في مصر، في الشهر الماضي، والذي ظهر فيها ثلاثة شباب يهاجمون كلبًا، بعد أن قرروا الثأر منه، لمهاجمته أحدهم، وإصابته إصابة بالغة، دفاعًا عن صاحبه.

وجاء انتقام الشباب مروعًا ومخالفًا لكل الأعراف الإنسانية، حيث قيّدوه بأحد أعمدة الإنارة، وانهالوا عليه ضربا بالأسلحة البيضاء حتى مات، بينما لم يتدخل من صور الحدث لإنقاذ الكلب، أو استدعاء أحد بإمكانه مساعدته، وكل ما فعله أن وجه الكاميرا لتسجيل هذا الحدث.

 

من جانبه، قال المصور الصحفي، أحمد هيمن، إن "الصورة لها دور كبير في توصيل رسالة، ومن خلال العدسة يستطيع المصور توثيق الحدث ونقله، كي يعرف العالم ماذا حدث بشكل دقيق، فالمصور ليست مهنته إنقاذ المتضرر، لكن في حال عدم وجود أي شخص آخر، مثل الإسعاف أو هيئات الإنقاذ أو مواطنين آخرين، فلابد أنه سيتدخل حينها لمد يد العون".

وأضاف المصور، الدكتور مصطفى الشرشابي، إن "تغليب الإنسانية على المهنية يرجع للمصوّر، وكيفية استجابته لما يجري حوله، وأن الموقف يحكمه عدة عوامل، أهمها؛ هل يمكن أن يغير تدخل المصور تغيير الوضع، وإنقاذ المتضرر، أم أنه سيعرّض نفسه للخطر فقط، ولن يغير من الأمر شيئًا؟، فالموقف ليس شجاعة أو بطولة فقط، وإنما هل يقدر بالفعل على إنقاذ الآخر، أو من الأفضل توصيل رسالة من خلال صورته للعالم؟".

أما المصورة الصحفية، جهاد حمدي، فترى أنه في وقت التقاط الصورة، تتحكم المهنية أكثر من أي شيء آخر، ولاسيما في المواقف التي يقع فيها ضرر ولن يتمكن المصور من دفعه، ولكن الصورة ستوثق القضية، وهذا سيوصل رسالة، وبالتالي التصوير أفضل من التدخل، وهذا هو دورنا.