التوقيت الخميس، 28 مارس 2024
التوقيت 07:12 م , بتوقيت القاهرة

ماذا تبقى من الخلافة بعد سقوطها في تركيا؟

لم يكن سقوط الخلافة العثمانية منذ 91 عاما، وتحديدا في 3 مارس عام 1924، مجرد حدث تاريخي مر كغيره من الأحداث، لكنه ترك أحلاما تراود كثيرين يتطلعون للقب "خليفة المسلمين"، لتلتقي تلك الأحلام التي راودت ملوك و أمراء برغبة عدد من أصحاب الأيدولوجيات الدينية، الذين آمنوا بضرورة وجود خليفة للمسلمين حتى وإن لم يتطلعوا للمنصب ذاته.

الحسين بن علي

كان حلم الخلافة يراود الشريف الحسين بن علي الهاشمي، مؤسس المملكة الحجازية الهاشمية حتى قبل سقوط الخلافة العثمانية، حيث كان يتطلع لانتزاع الخلافة من الأتراك ونقلها للعرب، لتأسيس "خلافة عربية خالصة". وكانت فكرته لاستقلال العرب عن الأتراك بالذرة الأولى لتأسيس جامعة الدولة العربية.

وقد نال الشريف حسين وعدا من بريطانيا بالاعتراف باستقلال العرب في حالة مشاركته بجانب الحلفاء ضد الأتراك والدولة العثمانية. فقام حاكم مكة، الشريف حسين بن علي، بما عُرف بـ"الثورة العربية المسلحة" ضد الدولة العثمانية، و أعلن في يوليو 1916 قيام المملكة الحجازية الهاشمية، وذلك بعد حرب استمرت أكثر من شهر لانتزاع الحجاز من الدولة العثمانية.

وفور إسقاط الخلافة العثمانية في 3 مارس 1924، على يد مصطفى كمال أتاتورك، فوجئ المسلمون بإعلان الحسين بن علي نفسه خليفة للمسلمين، باعتباره من نسل الأشراف، ولكن لم ينل تأييد العالم الإسلامي كخليفة خاصة في مصر والهند، حيث عقد عدة اجتماعات لتحديد من يكون الخليفة، وسرعان ما أُجبر مناوئوا الشريف حسين على التنازل عن الحكم لصالح ابنه حسين، ومات في نفس العام قبل سقوط مملكته رسميا بعد وفاته بسنتين.

الملك فؤاد
صار إعلان الشريف حسين نفسه خليفة للمسلمين، حديث الصحف ومثارا للجدل، ووسط تطلعات ملك مصر فؤاد الأول لأحلام الخلافة، اتفق عدد من علماء الأزهر على تنصيبه خليفة، فأعلنوا بعد أربعة أيام فقط من سقوط الخلافة بطلان ما قام به أتاتورك "لأن الخليفة قد بويع من المسلمين ولا يمكن خلعه". و أعلنوا في يوم 25 مارس عام 1924 عقد "مؤتمر عام للمسلمين"، العام المقبل، و تحديدا في شهر شعبان، بالقاهرة، تحت رئاسة الإمام محمد أبو فاضل الجيزاوي، شيخ الأزهر في ذلك الوقت، و دعوا إليه ممثلين من الدول الإسلامية حول العام، و كان الهدف منه مبايعة الملك فؤاد ليصير خليفة للمسلمين.
و لكن حلم الملك لم يتحقق بعد فشل المؤتمر لقلة الحضور، و رغم ذلك استمر ذلك الحلم يداعب الملك فؤاد وعدد من علماء الأزهر.

ثم أصطدمت "أحلام الملك" بالشيخ على عبد الرازق الذي أصدر كتابه الشهير "الإسلام وأصول الحكم" الذي فند فيه أراء الداعين لإقامة دولة الخلافة مؤكدا أنها مجرد نظام سياسي لا أصل له في الإسلام، حيث قال في صفحة 28 من نفس الكتاب "إن شعائر الله تعالى ومظاهر دينه الكريم لا تتوقف على ذلك النوع من الحكوم الذى يسميه البعض (خلافة) ".

أثار هذا الكتاب صجة واسعة وعرَّض كاتبه لهجوم عنيف أرتضاه الملك، فنشر الشيخ خضر حسين كتابا طبعته "المطبعة السلفية"، تحت عنوان "نقض كتاب الإسلام وأصول الحكم" وقرر كاتبه دون مواربة إهداء الكتاب إلى "حضرة صاحب الجلالة فؤاد الأول ملك مصر المعظم".

وأنتهت تلك الضجة في فى 12 أغسطس عام 1925، بصدور أمر من هيئة كبار العلماء بالأزهر، نص على "نزع شهادة العالمية من عبد الرازق ومحو اسمه من سجلات الأزهر وطرده من كل وظيفة، لعدم أهليته للقيام بأى وظيفة دينية أو غير دينية"، و شكر شيخ الأزهر الملك على "غيرته على الدين من عبث العابثين وإلحاد الملحدين وحفظ كرامة العلم والعلماء."

الملك فارق

رغم وفاة الملك فؤاد، قبل تحقيق حلمه بسبب رفض حلفائه من حزب الأحرار الدستوريين و معارضيه من حزب الوفد، إلا أن نفس الحلم داعب نجله فاروق من جهة، وعلماء الأزهر وجماعة الإخوان المسلمين، من جهة أخرى، وهو أحد أهم أسباب تقارب الملك مع حسن البنا الذي أسس الجماعة، بعد سقوط دولة الخلافة بأربع سنوات، رغبة منه في إحياء هذا المشروع، ففي الوقت الذي كان تهتف فيه الجماهير بالشوارع "الشعب مع النحاس"، كان أنصار جماعة الأخوان يهتفون "الله مع الملك".

وبدأت بوادر تلك التطلعات في الظهور منذ اليوم الأول لحكم فاروق، حيث اقترح عليه علماء الأزهر إقامة حفل تنصيب ذات طابع إسلامي، يقوم فيه شيخ الأزهر بتنصيبه بالمسجد، بعد أن يقسم الملك اليمين على المصحف، و هو ما قوبل بالرفض القاطع من رئيس الوزراء، مصطفى النحاس، الذي أصر على أن يقسم الملك على الدستور و أمام البرلمان و ليس شيخ الأزهر، و هو ما حدث.

واستمر فاروق في السعي نحو حلمه، حيث أطلق لحيته و بدأ في الترويح لنفسه كزعيم إسلامي، فبنى العديد من المساجد و أقام العديد من المناسبات الدينية وخاصة في شهر رمضان، و واظب على الصلاة كل جمعة بمصاحبة الشيخ محمد مصطفى المراغي و طلب منه إعطاءه دروس دينية هو و زوجته فريدة.
ثم أصدر حسين الجندي وزير الأوقاف بأنه يجوز للملك فاروق أن يصير خليفة للمسلمين لأن "جلالة الملك المعظم ينتسب من جهة والدته الملكة نازلي بنت عبدالرحيم صبري إلي الرسول الأعظم محمد صلي الله عليه وسلم" على حد قوله.

و قد كان لمصطفى النحاس باشا، الدور الأكبر في تحجيم القصر الملكي، الذي أراد إحياء فكرة الخلافة مرة أخرى، حيث رفض كل سبل إقحام الدين في السياسة، وتمسك بدستور 1923 الليبرالي، والذي يمنع تولي الملك وظيفة أخرى، وانتهت تلك المحاولات من جانب فاروق بحلق لحيته و نسيان الأمر.

أحلام خالدة

ظلت فكرة دولة الخلافة في قلب و عقل عدد من الحركات الإسلامية منذ سقوطها عام 1924 و حتى اليوم، بدءا من جماعة الإخوان المسلمين التي تأسست لإحياء ذلك المشروع عام 1928، مرورا بحزب التحرير الذي تأسس في القدس عام 1953 على يد نقي الدين النبهاني، وحركة طالبان وتنظيم القاعدة الذي دعى لإنشاء دولة الخلافة ضد "التحالف الصهيوصليبي"، وانتهاء بتنظيم داعش الذي نصب زعيمه "أبو بكر البغدادي" خليفة للمسلمين.

ولا يشير التاريخ إلى وجود نهاية لحلم دولة الخلافة، حتى وإن سقط تنظيم داعش، مادام يمثل هذا النوع من الحكم عند بعض الناس تجسيدا لفكرة "إعادة الأمجاد"، خاصة وإن كان يُدرس لهم في المناهج على أنه أكثر فصول التاريخ إشراقا.

اقرأ أيضا:

الخلافة التي قتلها العثمانيون وحنطها الفراعنة