التوقيت الأربعاء، 24 أبريل 2024
التوقيت 10:01 م , بتوقيت القاهرة

هل نحن جادون في مكافحة التطرف والإرهاب؟

يبدو السؤال مشروعا في ظل هذا الركام من المؤتمرات والندوات والأوراق البحثية التي تناقش الظاهرة،  أو حتى هذا الصراخ الإعلامي المتواصل في وسائل الإعلام العامة والخاصة، الذي يظهر من خلاله أننا نتعامل مع الظاهرة باعتبارها مجرد ظاهرة شاذة، طرأت على حياتنا كما تطرأ على واقع مجتمعات غربية أخرى استكملت بنى الدولة وحققت الرفاهية لشعوبها.


يا سادة ما نعيشه هو فصل متقدم من فصول صراع ممتد وطويل بين دولة وطنية، بزغت في أعقاب ثورة 1919 وجسدت لحظة فريدة في الاندماج الوطني، وحلم دولة دينية زرع بذرتها الفكرية جمال الدين الأفغاني بأفكاره، التي اكتسبت قوةً وزخمًا حركيًا دفعها لواجهة الأحداث،  من خلال مشروع آخر زاحم مشروع الدولة الوطنية، وأعاق مسيرتها في كثير من الأحيان منذ انتقال جماعة الإخوان المسلمين من مربع الدعوة إلى مربع السياسة في بداية الأربعينات.


أصبحنا أمام مشروعين يتعاركان.. دولة وطنية نشأت في ظل الاحتلال البريطاني، ونظام ملكي لأسرة محمد علي التي فقدت بموت محمد علي ونجله إبراهيم باشا بوصلتها الوطنية، وتحولت إلى ألعوبة بيد الإنجليز، مما انعكس- بلا شك- على أداء تلك الدولة الوطنية التي مثل الإخوان تحديا مبكرا لها، بالشكل الذى ساهم في إضعافها، حيث اصطفت الجماعة بوعي أو دون وعي ضد المزاج الوطني، ولم تكن ظهيرا للشعب وأحزابه الوطنية في معركة الدستور مثلا، بل حلقت في اتجاه آخر، وفرغت جزءًا كبيرًا من طاقة المجتمع وقواه الحية في اتجاه هدم تلك الدولة، لحساب حلم دولة أخرى، وهو ما استفاد من الاحتلال والملك معا كل لصالحه.


 وعندما تعقد المشهد المصري بين أحزاب تجاهد على طريقتها ووفق موازين القوى، والسياق الملتبس بين سلطة شكلية مثلها الملك وسلطة فعلية مثلها الاحتلال، وقوى رجعية كالإخوان تدعو لدولة أخرى قائمة على أساس الدين ولا تحفل بالديمقراطية ولا الوطنية، انطلقت طلقة الجيش في 1952 لتكتب فصلا جديدا في تاريخنا الوطني بدولة يوليو، التي وإن جسدت ملامح مشروع اجتماعي عظيم واستقلال وطني تاق له المصريون طويلا، إلا أنها دهست قضية الديمقراطية في طريقها. وساهم تناقض الإخوان معها في تطرفها تجاه الحريات والديمقراطية، فضلا عن تحدي الحرب مع العدو الإسرائيلي طبعا.


منذ سيطرة نظام يوليو على الحكم أصبحنا أمام خطابين للدين أحدهما خطاب رسمي معبر عن الأزهر، الذى وظفته السلطة السياسية في الدفاع عن الدولة وحولته إلى سلاح في المعركة السياسية الدائرة بين الإخوان والدولة، ولم ينتبه ناصر ورفاقه أن إدخال الأزهر كطرف في الصراع وتوظيفه في هذا الدور السياسى سيسقط خطابه في عيون الكثيرين، وقد يدفع بظهور خطاب ديني آخر يزاحمه خطاب ديني غير رسمي، ظل يزدهر وينتج نسخه الجاذبة سلفية وإخوانية وجهادية مما تجاذب شرائح الناس في بلادنا.


الذين انقسموا إزاء ذلك إلى شرائح ولم يعد الأزهر المرجعية الحصرية والوحيدة، التي تمثل سلطة الضمير التي لا تحابي طرفا على حساب طرف ولا تقترب من أبواب الحكم وساهم مشروع إصلاح الأزهر في العام 1961 في تأميم خطاب الأزهر بالكامل لحساب السلطة، التي كانت منحازة لمأسسة كل كيانات الدولة، لكن الأزهر كان بحاجة إلى رؤية أخرى، ربما لم تكن واضحة لصانع القرار في سياق تلك المرحلة.


لم يكن الخطاب الديني وحده الذي صنع هذا الانقسام بين حماة الدولة الوطنية ودعاة الدولة الدينية، بل ساهم هذا الانقسام في انقسام المزاج الثقافي، الذي كشفت رياح الحقبة النفطية أنه لم يتأثر فقط بها، بل كانت فقط كاشفة لتناقض بدأ قبلها بعقود مع نشأة جماعة الإخوان، التي سعت إنشاء مجتمع آخر له ملامح أخرى، في مقابل القيم الدينية الجديدة لتلك الحركات تراجعت القيم الوطنية التي يصنعها العقل والوجدان المصري، الذي تعرض لأكبر حملة تخريب ممنهج منذ بداية السبعينات بالشكل الذى ضاع ملامح الشخصية المصرية، لحساب قيم العهد الجديد التي لخصتها كلمات السمسرة والفهلوة والمتعة السريعة والوجبات الجاهزة في الفن والطعام وكل مفردات الحياة.


 وكان التعليم الذى حصل عليه المصريون فنبغ من بينهم العقاد وطه حسين والرافعي ونجيب محفوظ ،مقارنة بتعليم قدم لنا مطرب الراب الشاب زاب مشهدا كاشفا متى بدأ التطرف وأين وكيف لنا أن نحاربه بالجدية المطلوبة ،التي تنطلق من التشخيص الصحيح والدقيق.