التوقيت الجمعة، 19 أبريل 2024
التوقيت 02:11 م , بتوقيت القاهرة

علاقة الإرهابي بحرامي الجِزم

يستخدم المصريون تعبير( خد علقة ماخدهاش حرامي جزم في جامع ) للدلالة عن قوة (العلقة ) التي نالها اللص من جهة وكثرة عدد الضاربين من جهة أخرى.


لص الأحذية يحظى بأسباب تضاعف احتقار الناس له وغضبهم منه، برغم كونه  يسرق أحذية مستعملة، ولا يستطيع سرقة أكثر من زوج أو زوجين، وبالتالي فغنيمة السرقة محدودة، بينما قد يكون الجامع مليئاً باللصوص المعروفين، تلك الأسباب هي أنه بالإضافة لكونه لصا فهو يسرق في الجامع وهو مكان مقدس، كما أنه يسرق بالمغافلة، بينما ضحاياه منشغلون عنه  بالعبادة.


ولكن أهم اسباب غيظ هؤلاء والذي يدفعهم للتفنن في ضربه بغلٍّ شديد هو سبب دنيوي وشخصي بحت، أنهم يضعون أنفسهم مكان الضحية، ويتخيلون معاناتهم في الرجوع لمنازلهم حفاة أو منتعلين (شبشباً) رث الهيئة.


وهكذا فإن إحساسهم بالتواجد ضمن جماعة يقوي شجاعتهم للعنف، وهو أمر طبيعي في نفسية أي تجمع بشري، فالحشود تتحرك كالقطيع عندما تشعر بقوتها.


حرامي الجِزم يناله الكثير من الأذى  لو سقط متلبساً في يد الجموع، فلن يقوموا بتسليمه لينال عقابه بالقانون، فالجموع لا تعرف لغة القانون بل لغة العقاب الفوري، ويسمح عقابها هذا باستمرار الحرامي في عمله بأمان بعد كل (علقة).


تعتمد مهارة هذا اللص إذن على:


1- استغلال الأماكن المقدسة. 2- استغفال  المؤمنين بينما هم في لحظات العبادة 3- سرعة انتقاء أفضل زوج من الأحذية. 4- الفرار السريع بعد إتمام العملية. 5- قدرة قوية على الإفلات وسرعة التخلص عندما تلاحقه الشكوك 6- استعطاف الناس إذا سقط لكي لا يسلموه لرجال القانون، معتمدا علي جيش من المبرراتية  سيحاولون أن ينددوا بفكرة ضياع مستقبله  في مقابل حذاء بسيط، ويؤكدون أن الرحمة تقتضي ضربه وتركه.


وهذا إذن هو وجه التشابه بين الإرهابي وحرامي الجزم، فالإرهابي أول أسلحة نجاحه هو استغلال المكان المقدس، واستخدام سيكولوجية المنبر، حيث يجلس شخص في مكان عال فوق الجميع ليتحدث في أي موضوع، محاطاً بآيات، وخشوع كامل، من كيفية تنظيف المؤخرة إلى الفيزياء النووية، دون أن يستطيع أحد أن يقاطعه، ولو كان كل ما يقوله محض هراء، فمقاطعة الخطيب ممنوعة وحرام، أما تركه يهذي في عقول الآلاف فحلال.. حلال ..حلال.


وثاني هذه الأسلحة هي استغفال المؤمنين وشل عقلك عن التفكير، عبر إلقاء هالة تقديس على خطابه، هذا التقديس يحاول منعك من التفكير أو الشك أو أنسنة الشخصيات التي تراها، فتجد الكل يقولون مثلا بلسانهم فقط الصحابة بشر، بينما يتعاملون معهم على أنهم أشخاص في أعلى مراتب القداسة.


يجب أن تشعر بانسحاق أمام السابقين وترى أنهم كانوا كائنات نورانية وليسوا بشراً، لتتضاءل قيمة نفسك في داخل نفسك، فتسمع بعدها وتطيع دون نقاش، وهكذا يمرر لك كل الأفكار الإرهابية تحت غطاء التعظيم والتبجيل، تتحول أنت أيضاً إلى كائن غير إنساني، كل صواب أو خطأ لا ينبع من ذاته بل من (الرأي الشرعي)، فلو كان الشرع قتلاً وذبحاً وتعذيباً وسبياً واغتصاباً فلا بأس، ولا توجد مشكلة طالما الدليل الشرعي موجود ومتاح.


فإذا نجح في إيصالك لهذه المرحلة يستخدم ثالث أسلحته ورابع أسلحته، وهو انتقاء الهدف الأهم  والأكثر قيمة للإضرار بالمجتمع، ثم مباغتته والفرار بسرعة بعد جريمته.


يظل الإرهابي بعدها هو ومن نظر لإرهابه ومن موله ومن ساعده جميعاً ينفون أي علاقة لهم بالإرهاب وهو سلاحهم الخامس، مع أن أي مراجعة لمحتوى ومضمون كلامهم وأنشطتهم يؤكد أنهم إرهابيون، لكنه يصمم على الإنكار لآخر لحظة معتمداً على قدرته على التأثير فيك عبر استخدام يقينه الزائف بالنفي لزعزعة يقينك الحقيقي بتورطه كأي (حرامي جزم)  يشك فيه من أمسكوا به، ويحاول مراوغتهم قبل الفرار.


فإذا فشلت تلك الجهود كلها  وظهر بوضوح أنه إرهابي، فهو يستخدم سلاحه الأخير وهو الاستعطاف، نعم الإرهابي مذنب، ولكن (اعتبره أخوك يا أخي) ( بلاش نضيع مستقبله) ( هو عمل كدة بسبب الفقر) (القمع هو اللي خلاه يبقى إرهابي) (لازم ندور له على فرصة عمل ) (شاب ومش عارف يتجوز) إلى آخر هذه الترهات المعتادة.


ومادمنا قد أوجدنا علاقة الإرهابي بحرامي الجِزم فعلينا أن نتوقع نهايته، وإذا كنا نتمنى النهاية القانونية التي يتم تسليمه فيها للشرطة لينال جزاءه، فإن توقعنا الطبيعي أن الإرهابي سينال عقابه بالضرب على يد من حاول إيذاءهم مع الفارق أن الضرب لا يكون بالأيدي بل بالرصاص.


سنكون دائماً سعداء عندما يكون لكل إرهابي علقة بالرصاص في انتظاره.