التوقيت السبت، 20 أبريل 2024
التوقيت 02:34 ص , بتوقيت القاهرة

بروفايل| محمد نجيب.."الرئيس الأول ونبوءة الملك الأخير"!

"العبارة الأخيرة التي قالها فاروق لي: ليس من السهل حكم مصر. وقتها كنت أتصور أننا سنواجه كل ما نواجهه من صعوبات الحكم باللجوء للشعب، لكنني الآن أدرك أن فاروق كان يعني شيئا آخر.. لا أتصور أن أحدًا من الذين حكموا مصر أدركوه، وهو أن الجماهير التي ترفع الحاكم إلى سابع سماء، هي التي تنزل به إلى سابع أرض، لكن لا أحد يتعلم الدرس".


كلمات كتبها قائد تحول إلى سجين بين جدران منزله المُحاصر بحراسة مشددة، بناء على قرار مجلس قيادة الثورة بفرض الإقامة الجبرية عليه، لإبعاده عن الحياة السياسية.


اللواء محمد نجيب، رئيس مصر الأول بعد الإطاحة بالعصر الملكي، قضى 30 عاما في معزل عما حوله، فقرر التفرغ للصلاة والقراءة وكتابة مذكراته، التي حملت عنوان "كنت رئيسا لمصر".



ولد نجيب في مدينة الخرطوم بالسودان في 19 فبراير 1901 لأب مصري وأم مصرية سودانية، تلقى تعليمه هناك ثم انتقل إلى القاهرة ليلتحق بالكلية الحربية عام 1917، شارك فى ثورة 1919، حاملا علم مصر على سلالم بيت الأمة بالمخالفة للأوامر العسكرية، ثم تدرج في المناصب بالجيش، عمل بالحرس الملكى وشارك فى حرب فلسطين، ما جعله يحصل على نجمة فؤاد العسكرية الأولى، إلى أن ترقى لرتبة لواء، وعندما شكل جمال عبد الناصر تنظيم الضباط الأحرار، عرض عليه أن يكون قائدا له، ووافق نجيب وتولى منصب رئيس الجمهورية 1953 بعد نجاح ثورة يوليو.



"السادة أعضاء مجلس قيادة الثورة.. بعد تقديم وافر الاحترام، يحزنني أن أعلن لأسباب لا يمكنني أن أذكرها الآن أنني لا يمكن أن أتحمل من الآن مسؤوليتي في الحكم بالصورة المناسبة التي ترتضيها المصالح القومية، ولذلك فإنني أطلب قبول استقالتي من المهام التي أشغلها" ..


بهذه العبارات قدم محمد نجيب استقالته في 22 فبراير 1954، وفي 25 فبراير أصدر مجلس القيادة بيان إقاله محمد نجيب، وادعى البيان أن محمد نجيب طلب سلطات أكبر من سلطات أعضاء المجلس، وأن يكون له حق الاعتراض علي قرارات المجلس، حتي ولو كانت هذه القرارات قد أخذت بالإجماع.


وفور صدور هذا البيان خرجت تظاهرات رافضة لاستقالة نجيب، واحتجت قيادات الجيش والصحف، وتداركا للموقف أصدرت قيادة الجيش بيانا في 27 فبراير جاء فيه: "حفاظا على وحدة الأمة يعلن مجلس قيادة الثورة عودة محمد نجيب رئيسا للجمهورية وقد وافق سيادته علي ذلك".. وعاد محمد نجيب إلى الحكم على أكتاف الجماهير.



ولم تنته محاولات المجلس للإطاحة به، إلى أن حدثت أزمة مارس، وزاد الخلاف بينه وبين المجلس حول بعض القرارات المتعلقة بتشكيل الأحزاب والانتخابات ومباشرة الحقوق السياسية، واتهمه المجلس بالتحالف مع حزب الوفد، وهو ما رفضه الشعب وخرج بمظاهرات ترفض الأحزاب والرجعية، كما اتهمه المجلس بالتعاون مع جماعة الإخوان.


وجاء عبد الحكيم عامر في نوفمبر 1954 ليبلغه بإعفائه من منصبه وفرض الإقامة الجبرية عليه في فيلاه بمنطقة المرج.



ورغم ذلك لم ينس نجيب عمله، الذى عشقه وأفنى فيه عمره، فبعد العدوان الثلاثى أرسل خطابا إلى عبد الناصر، قال فيه "أريد منك أن تسمح لى بأعز أمنية لي وهي المشاركة في أقدس واجب وهو الدفاع عن مصر، فاسمح لي بالتطوع جنديا عاديا في جبهة القتال باسم مستعار وتحت أي رقابة شئت، دون أن يعلم أحد بذلك غير المختصين، وإني أعدك بأثمن ما أملك، أعدك بشرفي أن أعود إلى معتقلي إذا بقيت حيا بعد انتهاء القتال.. وبذلك تغسلون كل ما لحق بنفسي من آلام. كما تسعدون العدد الكبير من الضباط والجنود المعينين لحراستي والمحرومون مثلي من شرف الاشتراك في القتال وتوفرون مبلغا كبيرا ينفق على هذه الحراسة"، لكن طلبه قوبل بالرفض.



تزوج نجيب بالسيدة زينب أحمد وأنجب ابنته سميحة، وبعد طلاقه تزوج بعائشة لبيب وأنجب منها 3 أبناء، وهم: فاروق، علي، يوسف، الذين عاشوا حياة صعبة حتى وفاتهم.



"قال لي السادات: أنت حر طليق!! لم أصدق نفسي هل أستطيع أن أخرج وأدخل بلا حراسة؟ هل أستطيع أن أتكلم في التلفون بلا تنصت؟ هل أستطيع أن أستقبل الناس بلا رقيب!".. ظل محمد نجيب حبيسا حتي إطلاق سراحه بقرار من الرئيس الراحل محمد انور السادات عام 1971.


ورحل اللواء محمد نجيب، الذي تحل اليوم ذكرى مولده، فى 28 أغسطس 1984، ليظل الغموض والجدل مرافقين له طوال حياته وحتى هذه اللحظة.


 ويختتم نجيب مذكراته قائلا:


"أصعب شيء على المرء أن يكتب أو يتحدث عن آلامه الخاصة.. 30 عاما قضيتها بين جدران  المعتقل، لا أعرف بماذا أصفها؟ هل هى ذكريات سيئة؟ هل هى ذكريات تنطبق عليها القاعدة القرآنية  الشريفة ( وعسى أن تكرهوا شيئاً وهو خير لكم ).. لا أعرف بالضبط.. كل ما أعرفه هو أننى أعطيت  لمصر كل ما أملك من حب وإخلاص ووفاء، فعلت المستحيل لينصلح حالها ولترفرف الديمقراطية إلى جانب علمها.. لقد كنت أريد الموت في هذه الفيلا.. فقد كان من الصعب أن أموت في مكان آخر غيرها بعد كل هذه السنوات من العشرة، ولكن ليس لي نصيب في تحقيق هذه الأمنية، وبذلك لا أكون قد اخترت المكان الذي أعيش فيه، ولا المكان الذي أموت فيه.. إن كل المحاولات التي جرت لينساني العالم قد ذهبت هباء".