التوقيت الجمعة، 29 مارس 2024
التوقيت 10:27 ص , بتوقيت القاهرة

من كربلاء إلى القاهرة.. رحلة رأس حفيد النبي

يحتفل المصريون في الثلاثاء الأخير من شهر ربيع آخر بـ"مولد الحسين"، وهو يعد من أكبر "الموالد" التي تقام في البلاد، من حيث المشاركين والحفاوة الإعلامية والدينية، لاعتباره أقرب شخصية إلى النبي محمد، موجودة في مصر، كما تحيي بعض الطوائف الإسلامية ذكرى استشهاده في العاشر من محرم كل عام.


الرأس في مصر


يؤمن المتصوفة المصريون أن جسد الحسين مدفونا في مكان مقتله في منطقة كربلاء، لكن رأسه جاءت إلى مصر، ومع أن هناك جدلا يُثار كل عام بسبب اعتراض السلفية وتشكيكهم في وجود الرأس، إلا أن العلماء الصوفية وأكثر الأزهرية يثبتون انتقال الرأس إلى القاهرة تاريخيا وأثريا.


فما قصة الرأس؟


في ختام معركة كربلاء، في العاشر من محرم عام 61 هـ، قتل الحسين بن علي، ومعه أكثر أهل بيته من إخوته وأولادهم، وأهل بيت النبوة وأنصارهم، في ثورة الحسين على الحاكم الأموي يزيد بن معاوية، بعد أن رفض الأول مبايعة الأخير، وقالها صراحة "إن مثلي لا يبايع مثله، وإِنِّي لا أرَى المَوتَ إلا سَعادةً، وَالحَياةَ مَع الظالمين إِلاَّ بَرَما".


في ختام المعركة، قُتل الحسين بعد أن أصيب بجراح شديدة، فسقط عن فرسه، فقطع رأسه شمر بن ذي الجوشن، وأرسل نساؤه وأطفاله إلى دمشق، ومعهم رأسه، فإلى أين ذهبت؟


هناك عدة روايات تاريخية حول مكان الرأس بعد أن وصلت الشام، بعضها مرتب على بعض، وكل طائفة من المسلمين أخذت بمحطة وتوقفت وأنكرت ما بعدها، وهذه هي المحطات:


كربلاء: الشيعة يرون أن الرأس دفنت مع جسد الحسين في كربلاء، لأنها عادت مع السيدة زينب إلى هناك، بعد 40 يوما من مقتله، أي يوم  20 صفر، وهو يوم الأربعين الذي يجدد فيه الشيعة حزنهم.


دمشق: وهو رأي آخر، ذكره الذهبي في تاريخ الإسلام، إن الأمويين ظلوا محتفظين بالرأس يتفاخرون به أمام الزائرين حتى أتى عمر بن عبدالعزيز، وقرر دفن الرأس وإكرامه، في دمشق.


عسقلان: أما المؤرخ المقريزي فأكد أنه بعد دخول الصليبيين إلى دمشق، واشتداد الحملات الصليبية، قرر الفاطميون أن يبعدوا رأس الحسين ويدفونها في مأمن منهم، وخاصة بعد تهديد بعض قادتهم بنبش القبر، فحملوها إلى عسقلان ودفنت هناك.


القاهرة: يروي المقريزي أن الفاطميين قرروا حمل الرأس من عسقلان إلى القاهرة، وبنوا له مشهدا كبيرا، وهو المشهد القائم الآن في حي الحسين  بالقاهرة.


المدينة: وهو الرأي الذي يسلم به السلفيون، لأنه رأي إمامهم ابن تيمية، حين سُئل عن موضع رأس الحسين، فأكد أن جميع المشاهد بالقاهرة وعسقلان والشام ليست صحيحة.


فكيف وصلت إلى القاهرة؟


حسب الروايات المرجحة أن الرأس في القاهرة، فإن مشهد الإتيان بها كان كما يلي:


يقول المؤرخ المقريزي في خططه: "نقلت رأس الحسين من عسقلان إلى القاهرة، يوم الأحد، ثامن جماد الآخر سنة 548 هـ، 31 أغسطس سنة 1153م، وكان الذي وصل بالرأس من هناك، والي عسقلان، الأمير سيف المملكة تميم، وحضر في القصرن يوم الثلاثاء 10 جماد الآخر، 2 سبتمبر سنة 1153م، ثم قدم بالرأس، مكنون عشاري، من عشاريات الخدمة، وأنُزل به إلى الحديقة، ثم حمل في السرداب إلى قصر الزمرد، ثم دفن في قبة الديلم بباب دهليز الخدمة.


واستكمل المقريزى أن الصالح طلائع بنى مسجدا للرأس، خارج باب زويلة من جهة الدرب الأحمر، وهو المعروف بجامع الصالح طلائع، فغسلها في المسجد المذكور على ألواح من خشب، يقال إنها لا زالت موجودة بهذا المسجد.


بين الفاطميين والمماليك


يرى أستاذ ورئيس قسم التاريخ والحضارة الإسلامية بجامعة الأزهر، عبدالمقصود باشا، أن أشهر أضرحة الحسين موجودة في كربلاء بالعراق والمسجد الحسيني بالقاهرة والمسجد الأموي بدمشق، لكنه يؤكد أن الثابت تاريخيا أن رأس الحسين وجدت في مصر، موضحا أنه هناك أبحاث عديدة حول تلك الحقيقة.


وأوضح باشا في حواره لقناة العربية عام 2005م، عندما ثارت أزمة بين الصوفية والسلفية بسبب الرأس، أن البعض حاول أن ينبش القبر في العصر المملوكي ليتأكد إن كان الرأس موجودا أم لا، فنزل علماء الدين والمتصوفة إلى المقام، وبعضهم تجرأ ونزل فكانت تقابله الرائحة الزكية الكريمة المنبعثة من القبر.


وقال باشا إن نقل الرأس الذي تم في العصر الفاطمي سار عبر مشاهد ورحلة مباركة، حيث رأت الدولة الفاطمية أن يكون رأس الإمام الحسين في القاهرة، لأنها مركز حكمها وليكون في حمايتها، وكأن الله جل في علاه أراد أن يحفظ الرأس الشريف من أي عبث قد يحدث لها في مكانها في عسقلان، خاصة لما تعرضت له فلسطين عبر التاريخ من غزوات وحروب نهاية بالاحتلال الإسرائيلي.


من نزلوا إلى الضريح


 جاء في كتاب "الشعراوي يبوح بأسراره الروحية"، لسعيد أبو العينين، أنه جاء في كتاب "العدل الشاهد في تحقيق المشاهد"، لمؤلفه عثمان مدوخ، عندما شرع الأمير عبدالرحمن كتخدا، في تجديد المشهد الحسيني، وتوسيع المسجد سنة 1175ه- 1861م، جرت حكاية غريبة، تقول: "إن الأمير كتخدا لما أراد توسيع المسجد الحسيني وتجديد بناء المشهد، قال البعض: إن المشهد لم يثبت فيه دفن، فأراد الأمير أن يتحقق من ذلك، فجاء بالشيخ الجوهري الشافعي والشيخ الملَّوي المالكي وكانا من كبار العلماء، وفي حضور جمع غفير من الناس، كشفوا المشهد، أي: الضريح، ونزل الشيخان إلى البرزخ وتحققا من كل شيء ثم خرجا وأخبرا الناس بكل ما شاهداه".


قال الشيخان: "وجدنا كرسي من الخشب الساج (الأبنوس) فوقه طشت من الذهب، وفوقه ستارة من الحرير الأخضر، تحتها كيس من الحرير الأخضر الرقيق، داخله الرأس الشريف، وحولها نصف أردب من الطيب الذي لا يفقد رائحته مع الزمن، فكبَّر الناس وهلَّلوا".