التوقيت الخميس، 25 أبريل 2024
التوقيت 10:04 ص , بتوقيت القاهرة

المصريون وخيارات المستقبل

إنها سُلطة شاخت في مواقعها وتجاوزتها الأحداث، هكذا تحدث الأستاذ هيكل في بداية التسعينات واصفا دولة مبارك، حيث ظنّ البعض وقتها أنه يتحدث عنه لكنه في الحقيقة كان يشير في إشارة من إشاراته الشفرية التي اعتدناها إلى خطر كبير حول دول تكلست مؤسساتها وتراجعت لياقتها إلى الحد الذي جعلها غير قادرة على القيام بنصيبها من إدراة دولة بحجم مصر.


الناس في بلادنا على مر تاريخهم القريب والبعيد، يبدون غير مهتمين بالمستقبل بقدر اهتمامهم بالماضي، سواء بإحياء أحقاده أو البكاء عليه في تقليد لتراث عربي قديم، لازلنا نحفظه دون أي تراث آخر له قيمة تساعدنا على الولوج نحو المستقبل.


يفضل الناس في مصر سب الحاضر والتباكي على الماضي والخوف من المستقبل، شعب معادلاته النفسية هكذا كيف يفلت من حاضره الكئيب أو يستشرف مستقبلا أفضل؟!


تراوحت دعاوى التغيير وخياراته في مصر دوما بين ثلاثة بدائل أو خيارات، الأول هو الإصلاح من داخل النظام بتوسيع حيز الكفاءة والخير والأمانة والإنجاز، على حساب الشر والخيانة وضعف الهمة والفشل، وفي عهد مبارك حاول البعض أن يراهن على هذا الخيار، فابتلعت آلة الفساد والاستبداد محاولاتهم، وسخرت منهم رموز ما يسمى بالحزب الوطني الحاكم وقتها، واصطدمت محاولات البعض من الرموز الشريفة داخل الحزب الوطني بمعادلات المصالح التي لم تنجح إرادتهم في التأثير فيها أو تقويم بوصلتها.


وسارت سفينة مبارك حتى اصطدمت بجفاف ماء النهر وازدحامه بمن اعترضوا طريقها، مصممين على أن يبتعد عن قيادتها في النهاية، بخيار يطيب للبعض أن يسميه ثورة، بينما يُفضل أخرون أن يسموها بفورة لم تكتمل بقيادة أو برنامج للوصول للحكم.


إذن فشل هذا الخيار مع دولة مبارك، فهل لازال قائما مع دولة السيسي، بمعنى هل بالإمكان أن يزاحم الخيرون الأكفاء المخلصون، الأشرار قليلي الكفاءة ممن ازدحمت بهم أروقة الحكم في كل عهد، هذا الخيار يصطدم بضعف روح القتال والمثابرة لدى الأخيار، ونفورهم من الاقتراب من باب السلطان مقارنة بمن أدمنوا التزلف والاختلاف الدائم إلى أبواب القصر وتشبيك أيديهم ومصالحهم صانعين أسوارا أخرى تحيط بالحاكم وبقصره.


أتصور أن البعض ممن شاركوا في 30 يونيو راهنوا على هذا الخيار، قبل أن يكتشفوا أن لحنهم ل ايطرب من في القصر، وأنه ربما اعتاد الألحان القديمة وأدمنها؛ لذا يبدو هذا الخيار وفق كل المؤشرات بعيدا حتى إشعار آخر، لن يأتي سوى من رأس النظام فهذا قدر هذه البلاد أن الماء ينساب من أعلى إلى أسفل دائما وليس العكس.


ما الحل إذن؟ هل هو في الثورة التي هي في تاريخ كل الأمم كلفتها باهظة، وقد لا تحتمل أمة كأمتنا بواقع اقتصادي واجتماعي وسياسي فضلا عما يجرى في الإقليم والعالم من فوضى، أن نضم إليها فوضى من صنع أيدينا، فالثورة في النهاية شكل بناء من أشكال الفوضى التي في الغالب تخرج عن السيطرة، ولا تؤدي أبدا إلى ما وضع أهداف، خصوصا إذا سبق التثوير التنوير كما فعلنا ونفعل دائما.


نداء الثورة في مصر يصطدم بمزاج شعبى عام كفر بتلك المفردة وعدها سيئة السمعة و لا تأتي بخير، سواء بحق أو بفعل مخطط تم لشيطنتها على نحو هادئ ومدروس، هذا فضلا عن أن هناك قوى متربصة تختبئ في انتظار تلك اللحظة لتجني الثمرة كما شهدنا من قبل، وتوجه السفينة إلى محيطات بعيدة لا يريدها الشعب ولا يرغبها، كما أن الثورة في تاريخ كل الأمم لم تفرز أبدا أفضل النتائج إلا بعد إمعان في القتل والتخريب، وتأملوا الثورة الفرنسية أو الروسية لتعرفوا كم دفعت تلك الشعوب ثمنا قبل أن تهتدى لحلول أقل كلفة بكثير كهذا الخيار الثالث.


الذي أظنه أفضل خيار عقلا وشرعا ومنطقا التغيير الهادئ المحسوب الذي يصنعه التدافع السياسي بين تيارات ثلاثة، اثنان منهم جربا نظام يوليو وما أنتجه وصولا للنظام الحالي، ونظام اليمين الديني وما أنتجه، يبقى الخيار الثالث في تيار سياسى جديد يقفز على الثنائية المقيتة تلك، ويفتح الباب لتيار وطني وسطي يعرف قدر الدين، ويدرك معنى الوطنية ويحرر المعنى الصحيح لعلاقة راشدة بينهما، منحيا الأيدلوجيا متفقا على المشترك على قاعدة إعادة بناء الدولة، وليس التنافس على حكمها الذى لم يأت بعد أوانه.