التوقيت الإثنين، 29 أبريل 2024
التوقيت 04:35 م , بتوقيت القاهرة

القاضي حسام مكاوي

هو واحد من القضاة الـ 56 الذين تجرى محاكمتهم والتنكيل بهم، لأنهم أصحاب رأي مخالف. 


فقد أصدروا بيانا ( من يُطلقون عليهم قضاة البيان)، يرفضون فيه ما حدث بعد ثورة 30-6. فتم تقديم بلاغات ضدهم لأنهم يعملون بالسياسة. والمفارقة الساخرة والمخزية أن من تقدموا ضدهم بالبلاغات متورطين بالعمل السياسي من "ساسهم لراسهم". ومع ذلك لم يتم التحقيق في البلاغات الكثيرة التي تم تقديمها ضدهم. السبب كما يمكنك أن تتوقع هو أنهم مؤيدون لما حدث بعد 30-6، وبشكل مباشر مؤيدون للرئيس السيسي، وما زالوا حتى الآن يمارسون هذا التأييد دون أن يحاسبهم أحد باعتباره عملا سياسيا. 


يُمكنك البحث على محرك البحث "جوجل" عن المستشار أحمد الزند رئيس نادي القضاة، الذي يشن حربا ضارية ضد شهداء مذبحة الدفاع الجوي، ويعتبرهم جزءا من مؤامرة كونية، ويعلن تأييده المُطلق للشرطة التي يعتبرها المظلوم رقم واحد في مصر .


من المهم أن أقول لك إن القاضي الجليل حسام مكاوي كان موجودا منذ اليوم الأول لثورة يناير، وكان أول قاضٍ يغامر بمستقبله وحياته، عندما كان أول قاض يُدلي بتصريحات مناصرة لثورة يناير من قلب ميدان التحرير، وفي ذات الوقت ضد نظام مبارك. وكما تعرف هذه كانت مخاطرة كبرى. 


أرجو ألا تصدق أن هؤلاء القضاة  "إخوان"، فحسام مكاوي ليس إخوانيا، بل على العكس تماما، يُمكنك تصنيفه- إذا أردت- على الأرضية الليبرالية. ثم أنهم حتى لو كانوا إخوان، فهذا لا يُبرر، على الإطلاق، العصف والتنكيل بهم. فأظنك ستوافقني على أننا لسنا ضد كل الإخوان، ولا ضد كل الإسلاميين، لكننا ضد من يدعم أو يُمارس الإرهاب، كما أننا يجب أن نكون ضد من يمارس عملا سياسيا بشكل سري أو مخالف للدستور والقانون. 


ثم دعني أقول لك ما أظنك تعرفه، وهو أن هناك قطاعا ليس قليلاً من المصريين، ليسوا مؤيدين للإخوان، ومؤيدين لثورة يناير وثورة 30-6 ، لكنهم يرفضون ما حدث بعد 3-7، وأظن أن كثيراً منهم كان يتمنى أن تتم انتخابات رئاسية مبكرة. أي يتم الإطاحة بشكل ديمقراطي بالرئيس الأسبق محمد مرسي والإخوان. ويعتقدون أن هذا كان ممكناً، ويعتقدون أن هذا كان الأفضل للبلد. ليس مهماً أن يكون رأيهم صوابا أو خطأً، فالأهم هو أن تعترف مثلي بحقهم وحق كل المصريين في أن يعتقدوا ما يشاءون من أفكار. 


ما علاقة مذبحة قضاة البيان بمذبحة الدفاع الجوي؟ 


العلاقة وطيدة،  فالهدف من الدفاع عنهم، هو الدفاع عن الاستقلال الحقيقي للقضاء. فأظنك ستوافقني أننا لو نملك قضاءً مستقلاً لاستطاع وقف نزيف دماء المصريين، لأنه يمكنه محاسبة القتلة. ولما استطاع النائب العام أن يلقي القبض على أصدقاء شهداء ألتراس "وايت نايتس"، ولا يوجه حتى استدعاء لأي من ضباط الشرطة وجنودها المسؤولين عن حماية الشهداء وليس قتلهم. وما استطاع إلقاء القبض على نائب رئيس حزب التحالف الشعبي الاشتراكي زهدي الشامي بتهمة قتل رفيقته شيماء الصباغ، ولا يوجه حتى استدعاء لرجال الداخلية المتهمين مثله. وما استطاع قاضي مناصبة متهم العداء علنا في وسائل الإعلام وإعطائه أقصى عقوبة. 


هل الدفاع عن قضاة البيان عمل سياسي؟ 
ليس مهما توجهات قضاة البيان، وليس مهما أن تكون مثلي ضد المشروع السياسي للإخوان أو أن تكون معهم. لكن المهم هو أن يكون لدينا قضاءً مستقلاً يحميني ويحميك، ويحمي أيا من كان من الظلم، ومن عصف السلطة الغاشمة، وإذا كنتَ اليوم مؤيداً وجزءًا من هذه السلطة، فمن الوارد غدا أن تكون معارضاً لها، وتحتاج إلى حصن القضاء المستقل العادل.


ماذا حدث مع قضاة البيان؟  
أولاً من حولهم إلى التفتيش القضائي، وهو تابع له، وزير العدل، وهو كما تعرف غير محايد، بل هو خصم سياسي، فهو مؤيد للسيسي ولذلك جاء وزيرا، وقضاة البيان ليسوا معارضين للسيسي كشخص أو حتى كوزير دفاع سابق، ولكنّهم يرفضون التداعيات السياسية لما حدث بعد ثورة 30-6 . فالتفتيش القضائي، الذي يراقب القضاة ولديه صلاحية معاقبتهم تملكه الحكومة وهذه كارثة.


لكن دعني أقول لك إن هذه ليست آخر الكوارث. فهناك تعمد بالتنكيل بهؤلاء القضاة  في إجراءات محاكمتهم، فتم إهدار حقهم في الدفاع عن أنفسهم وتقديم المذكرات والمستندات. 


وكما تعرف حق الدفاع عن المتهم حق دستوري، وانتهاك هذا الحق جريمة يعاقب عليها القانون. أضف إلى ذلك أن القاضي الذي تم ندبه للتحقيق لم تختاره الجمعية العمومية ولكن رئيس استئناف القاهرة، وهذا مخالف للقانون. 


كما تم منع صرف مستحقاتهم المالية لحين الفصل في الدعوى. ناهيك عن طعنهم في التحريات بأنها مزورة، فأحد القضاة المتهمين بانتمائهم للإخوان كان معارا للخارج قبل ثورة 30-6 .


لا أظنك تحتاج لمعرفة باقي الانتهاكات والتنكيل الذي تعرض له هؤلاء القضاة. وأظنك مثلي مطالب بالدفاع عنهم، فالهدف كما قلت لك ليس هؤلاء القضاة ولا حتى دعم آرائهم، ولكن الهدف الأسمى هو بناء قضاء مستقل يحميني ويحميك من التوحش والتغول، ويوقف نزف دماء المصريين في الشوارع.