التوقيت الجمعة، 26 أبريل 2024
التوقيت 04:10 ص , بتوقيت القاهرة

المعهد القومي للأورام.. " لازم نيجي الساعة 5 الصبح"

<p style="text-align: justify;">نظرات معاتبة متبادلة تنتطلق من أعين سيدتين ترتديان جلبابا منزليا ومعصوبتي الرأس، إحدهما متكئة على صندوق سيارة نصف نقل، وأخرى واضعة يدها على خدها على رصيف المعهد القومي للأورام تنتظر ذوييها.</p><p style="text-align: justify;">"بياخدوا بالعدد يا اختي" قالتها الأولى لتنذر رفيقتها الجديدة بخيبة أمل في الحصول على تذكرة دخول المركز، بعد أن تركها ذووها لجلب مستندات مطلوبة قد نسيتها، "إحنا هنا من الساعة 7 بس جينا نقدم الورق ملقتش البطاقة"، استأنفت الأولى عباراتها التأنيبية "ياااه كان زمانك كشفتي وخلصتي، مش هتلحقي، بقولك بالعدد".</p><p style="text-align: justify;">استهل ذلك المشهد رحلة "دوت مصر" لمحاولة الحصول على تذكرة دخول المعهد القومي للأورام لأول مرة، في تمام الساعة العاشرة صباحا، والتي بدأت أمام بوابة زجاجية لمبنى المعهد الرمادي اللون، تصعد إليها بعدة درجات، أمامها فردي شركة أمن خاصة، يتفحصان أوراق الدخول، ويرشدان الزائرون الجدد.</p><p style="text-align: justify;">حوار قصير  دار مع أحد أفراد الأمن مجازه بأن إمكانية الكشف الآن أصبحت مستحيلة، لكون المعهد لا يستقبل سوى 50 حالة يوميا، حتى وإن كانت الساعة العاشرة صباحا، إلا إذا كان المريض تابعا للتأمين الصحي أو يريد الكشف على نفقاته الخاصة، والتي يبلغ ثمن تذكرته 50 جنيها للمرة الأولى، على أن يتحمل المريض مستلزمات العلاج لاحقا.</p><p style="text-align: justify;">على الجانب الآخر من الطريق، يفترش مواطنون أعلنوا الهجرة من ديارهم إلى المعهد القومي للأورام، كورنيش النيل بمخيم مفتوح، منذ الساعات الأولى من الصباح الباكر، لينالوا حظا وافرا ويكونوا ضمن العدد "50"، وبجوار "فرشة الشاي" رجلان وامرأة في مظهر ريفي لفحت وجناتهم الشمس، ينتظران مريضهم الذي لم يُسمح له أن يصطحب سوى مرافق واحد، بعد أن رافقوه من الساعة السادسة صباحا من محافظة القليوبية.</p><p style="text-align: justify;">حاولت العائلة الصغيرة إرشادنا للخطوات السليمة للتمكن من الحصول على تذكرة المعهد لأول مرة بنجاح، قائلين "عشان تحجزي لازم تيجي بدري، علشان 50 واحد بس اللي بيدخل، ومرافق بس اللي بيدخل مع المريض، التذكرة بعشر جنيهات، وجوة المريض والمرافق بيستنوا لحد ما يتعمل ملف وياخده بطاقة تسهل بعد كدة دخولهم المركز، ويستنوا دورهم للكشف"، وإجابة على تساؤل تقدير الوقت لدخول المريض وخروجه في الزيارة الوحدة كان ردهم: "لا بقة الله أعم.. بس المعهد مش بيشتغل بعد الساعة اتنين".</p><p style="text-align: justify;">وبعد أن استشف المنتظرون فشل "دوت مصر" بالحصول على تذكرة دخول، تدخل أصحاب "الفرشة" المجاورة: "إسألي المجاني هيكون يوم إيه وإيه، أصل بتوع التأمين الصحي بيجوا يدخلوا في أي وقت".</p><p style="text-align: justify;">أعلى رصيف الكورنيش، جلست امرأة أربعينية على مقعد خشبي مهدد بالسقوط، ينساب من بين عينيها القلق، قائلة "إحنا كمان أول مرة نيجي، إحنا تبع التأمين فبالنسبة لنا مكنش بالحجز"، وأضافت مبررة أسباب قلقها "جوزي جوا من الساعة 8 ونص الصبح، وأختي دخلت معاه لإنه مينفعش إلا مرافق واحد، وأنا مش هقدر أستحمل".</p><p style="text-align: justify;">على الجانب الآخر من المقعد الخشبي نفسه، جلس صبي ممتلئ ذو بشرة بيضاء، يحكي معاناته، قائلًا: "والدي جوا، ودي رابع مرة نيجي علشان التحاليل والأشعة المطلوبة، ومستنيين قرار يتحجز، وكل مرة مبيخرجش قبل الساعة وحدة الضهر".</p><p style="text-align: justify;">بطانية برتقالية تغطي مربع من رصيف كورنيش النيل، تعلوها أكياس بقايا الطعام، ورجلان ترتسم على وجههما ملامح صعيدية حادة، يسردان لنا بعفوية قصة مكوثهما في ذلك المشهد: "إحنا جينا من المنيا لتاني مرة علشان التحليل، ومستنيين حد دخل من الساعة 7 الصبح ولسة مخرجش"، وعن فكرة وجود صعوبة في دخول المعهد نفى أحدهما قائلا: "محدش قالنا قبل كدة 50 واحد بس هما إللي يدخلوا، الصراحة الدخول هنا سهل، وعمومًا احنا بنيجي بدري".</p><p style="text-align: justify;">وبعبارات متشككة قال شاب عشريني: "الصعوبة في أول مرة جينا، بس دفعنا تذكرة عشرة جنيهات، ودلنا النهاردة بيها عادي، المشكلة في عمايل الملف جوة، وإنك تستني عند الشباك"، وعن المدة التي يقضيها المريض ومعه مرافق واحد، تابع قائلا "الناس بتطول جوا، انتي وظروفك بقة، احنا قاعدين هنا من 6 الصبح.. أهم حاجة إنك تيجي بدري".</p><p style="text-align: justify;">"قالولك خلصت التذكر؟!" كان استفسار رجل صعيدي جلس على السلالم الأولى لمبنى العيادات الخاصة بالمعهد القومي للأورام، وبعد تلقه عبارة بالإيجاب، تابع قائلا: "عمله معانا كدة عشية.. قالك خلص الحجز مشينا وبيتنا برة وجينا تاني يوم الصبح".</p><p style="text-align: justify;">وعلى رصيف المبنى، جلس رجل ستيني وحيدا،  يحمل ملف ابنته الذي لم ينته الموظفون من إعداده، حتى يتمكن من حجزها وتصحيح العملية التي تسببت لها في تدهور صحي بمستشفى خارجية، وبدأ يفرغ ما بجعبه من هم قائلا:"دول عايزينا نيجي نبات عالرصيف، لازم نيجي الساعة 5 الصبح".</p><p style="text-align: justify;">عرضت السيدة الأربعينية أن تساعدنا بالدخول إلى المعهد التي جلست أمام أبوابه، موضحة كيفية تمكنها من مساعدة أي مريض للدخول، لكونها تتردد على المعهد منذ أكثر من ثلاث سنوات لتلقي لمواجهة سرطان الدم والمخ، مؤكدة أنها يمكن أن تساعد "دوت مصر" في تسجيل مريضه -الوهمي- لكونها تآلفت مع العاملين بالداخل.</p>