التوقيت الثلاثاء، 23 أبريل 2024
التوقيت 03:04 م , بتوقيت القاهرة

الخيارات السياسية أم خيارات المقاطعة العبثية

أي عمل تقوم به مجموعة سياسية من المفروض أن يكون القيام به يحقق هدفًا من أهدافه سواء على المدى القصير أو الطويل.


المظاهرات عمومًا هي تعبير عن الرأي وليست في الأساس عملاً سياسياً ،ولكنّها تتحول إلى عمل سياسي عندما يكون المتظاهرون جزءًا من حركة سياسية أو جماعة ضغط تسعى لتحقيق هدف سياسي أو تعديل تشريعي من تظاهراتها، وليس فقط مظاهرة تفريغ شحنة سلبية إلى المجتمع.


كلما زاد تنظيم المجموعة التي خلف تلك المظاهرات، وكلما كانت أهدافها واضحة ومحددة وكلما كانت أقوى تأثيرا بالعدد أو بالميديا أو بالنفوذ إلخ، فإنها تستطيع تحقيق مكاسب أكبر ضمن أجندتها عبر الضغوط السياسية المختلفة ومن ضمنها بالطبع التظاهر.


لهذا السبب فإننا إذا حللنا مظاهرات الإخوان مثلا فهي تبدو منطقية للغاية، فهم مجموعة خارج السلطة وخارج المعادلة السياسية ككل، ويواجهون مشاكل تنظيمية وتمويلية ومشاكل متعلقة بكون قياداتهم متورطة في اتهامات قد تتسب في صدور أحكام قاسية ضدهم، ولديهم مشاكل في مواصلة نشر أفكارهم واكتساب عناصر جديدة، بالإضافة إلى نفور قطاع كبير من الناس منهم.


 وبالتالي فهم  يحاولون باستمرار عرقلة المسار السياسي وإفشاله لإثبات أن تواجدهم سياسياً مهم وضروري ولا يمكن حدوث استقرار سياسي في غيبتهم،  ويجب أن تتم مساومتهم على وقف العنف في مصر عموما أو في سيناء، وفي سبيل ذلك يقومون بكل ماهو ممكن من الوسائل العنيفة وغير العنيفة  والتحريض المستمر الخ.


ولكن ما يصعب فهمه في الحقيقة هو موقف عدد من الأحزاب الأخرى، فهم يملكون كل ما يجعلهم يحافظون على المسار السياسي، فالانتخابات على الأبواب والناخبون قد لا يرغبون في انتخاب مرشحي البرلمان المعروفين قبل 2011،  كما أنهم حتى بمنظور براجماتي مستفيدين من غياب الإخوان  بزيادة فرصهم، ناهيك عن أنهم هم  من عارض دستور الإخوان، وهم أنفسهم من كانوا يضغطون لإزاحة الإخوان بعد أن وصلت الأمور لطريق مسدود في يونيو 2013،  يكفيك هنا أن تراجع فقط بيانات جبهة الإنقاذ في الأيام الأخيرة قبل 3 يوليو 2013 أو حتي مواقفها الداعمة بعدها. 


إذن فالمفترض الآن أن تكون هذه الأحزاب السياسية هي الأحرص على استكمال المسار وإجراء الانتخابات و الفوز بعدد من المقاعد لتتشكل معادلة سياسية جديدة وشرعية برلمانية جديدة لهم من أصوات الناخبين تمكنهم من إجراء ضغط سياسي على أرض الواقع.


بالطبع ليس معنى ذلك أنه على تلك الأحزاب تأييد الرئيس والحكومة في كل شيء لحين نهاية الانتخابات، ولكن المنطقي أن تكون  اعتراضاتها الرئيسية الآن حول كل ما من شأنه تعكير إجراء انتخابات سليمة وآمنة، أي أن يكونوا بالأساس ضد عدم الاستقرار في الشارع وليس العكس، مع توفير قوتها وجهود ووقت أفرادها لدعم النشاط الترويجي والانتخابي لها، وبالطبع فإن هذا لا يمنع أن تعلن موقفها في أي قضية كما تشاء.


ولكن ما يجري هو أن هناك أحزاباً لا تزال تناقش فكرة ومبدأ دخول الانتخابات حتى الآن  وأخرى كالعادة تنتظر وقوع أي حادث لإعلان أن الطريقة الوحيدة للاحتجاج هي الانسحاب من الانتخابات.


حزب ظل أفراده  يصرخون على طريقة العريان أين البرلمان؟ فلما اجتمعت اللجنة العليا وأعلنت المواعيد قرر الحزب الاجتماع لدراسة موقفه من الانتخابات. فهل يوجد حزب جاد في دخول الانتخابات يقرر موقفه قبل شهرين من موعدها وهل فعلا لو قرر المشاركة فستين يوماً كافية للاستعداد؟


إن المنطق هنا يقول إنه إما أن تكون قد اتخذت قرارا مسبقا بعدم المشاركة أو أن هناك استعدادات قد تمت بالفعل والحزب في انتظار إعلان موعد، أما أن تنتظر الترتيبات الأخيرة لتقرر موقفا فهو مؤشرواضح على انعدام جديتك.


أما استخدام حادث هنا أو هناك كتبرير للانسحاب، فهو أمر لا علاقة له بالسياسة بل بطريقة الأطفال (المقموصين)، إذا كان لديك شك في نزاهة الإجراءات التي ستتخذ للمحاسبة على جريمة معينة، فأفضل ما تفعله هو أن تمتلك بالفعل فرصة لتكون في موقع تستطيع منه القيام بالمحاسبة وبالتشريع بشكل أفضل وهو بالتاكيد البرلمان، أما إذا تمحور الهدف حول الصراخ وادعاء النقاء فتلك قضية أخرى.


لاحظ أن هذا ما جرى من القوى الثورية في انتخابات البرلمان الماضي في نوفمبر 2011 عندما دعوا لمقاطعة الانتخابات رداً على أحداث محمد محمود، بينما ذهب ناخبو الإخوان و قوى الإسلام السياسي عموما إلى الصناديق وفازوا، والغريب أن الأحزاب السياسية المدنية لم تلم هذه الدعوات، بل  بعضها تضامن معها وأيدها رغم كونه مشتركا بمرشحيه.


ربما لأنه بالفعل لم يكن يملك فرصة للفوز فحاول التظاهر بإنه ينسحب لدعاوى مرتبطة بمزايدات أخلاقية، ولكن إذا فرضنا أنه كان بالفعل يملك فرصة ألم تكن كل الأزمة السياسية اللاحقة هي نتيجة لتلك المقاطعة لو كانت مؤثرة فعلا؟


بمعنى لو أن الإخوان لم يحصدوا أغلبية البرلمان ألم تكن النتيجة أن التأسيسية ستكون أكثر توازنا والدستور أكثر عقلانية ومتوافق عليه إلخ؟ أي أنه حتى بالمقياس الذي يتصوره بعض هؤلاء عن ضرورة إدماج قوى الإسلام السياسي في المعادلة، وأن الصراع  السياسي معهم ليس صراعاً صفرياً فإنه كان يفترض بهم أن يحثوا الجميع على المشاركة لا أن يتسببوا في زيادة تأزم الموقف السياسي الذي بالضروة يقود إلى عكس أفكارهم ومطالبهم سواء عبر انفراد الإسلاميين الكامل بالسلطة نتيجة تهميش القوى السياسية المدنية التي لم تحظ بتمثيل ملائم في البرلمان أو عبر إقصاء الإسلاميين الذي يعتبره هؤلاء غير ملائم سياسياً.


ولكن رغم أنهم قاموا بهذه التجربة من قبل وفشلت فهاهم يكررونها من جديد رغم امتلاكهم لفرص أفضل بكثير وهذا لا يعني إلا أنه ببساطة لا توجد خطة سياسية حقيقية لدى هؤلاء.


لاحظ مثلا أن الدكتور حسن نافعة دعا عشية انتخابات برلمان 2011 للمقاطعة في لقاء تلفزيوني مع معتز مطر بدعوى أن الانتخابات لن تنتج برلمان الثورة، لاحظ أنه كان عضوا في الجمعية الوطنية للتغيير، ثم لاحظ أنه تعامل مع ذلك البرلمان واعترف بشرعيته لاحقا.


لاحظ أيضا أن من دعوا لمقاطعة انتخابات الرئاسة لنفس السبب الغريب، عادوا بعد فوز مرسي ليتعاملوا معه باعتراف كامل به كرئيس، فمقاطعتهم فيما يبدو تعني فقط عدم الاعتراف بشرعية فوز المرشح غير الإخواني، أما إذا فاز الإخواني فهو رئيس شرعي والمقاطعة كانت تعبيرا فقط عن رفضنا لكلا المرشحن دون رفض النظام أوالعملية الانتخابية ككل، رفض النظام ككل لا حدث إلا لو أن الفائز غير إخواني ، ليس السبب في هذا أن هؤلاء القوم إخوان، بل السبب أن أي مرشح خارج ما يعتبرونه المنظومة التقليدية مفضل عندهم حتى ولو أن إرهابيا فيما يبدو.


العمل السياسي يتطلب تحمل المسؤولية لا التهرب منها باستمرار طلبا لنشاط احتجاجي يقوم على التذمر والرفض والتهييج لا غير، العمل السياسي يقوم على  خطط وأهداف وليس على الانطباعات والعواطف، أن أكبر أزماتنا الدائمة هي غياب السياسيين من المشهد لصالح المهيجين والفوضويين وهي معادلة نتمنى أن تتغير مع البرلمان المقبل.