التوقيت الجمعة، 26 أبريل 2024
التوقيت 02:20 ص , بتوقيت القاهرة

اليمن يواجه أخطر أزماته

<p>يراوح اليمن في ظل أزمات متلاحقة منذ العام 2011م وهي أزمات عجز السياسيون عن حل أي منها، وما تلبث أي أزمة أن تلد أخرى، وهكذا دواليك وصولا إلى الأزمة الحالية التي تُعدُّ أخطر الأزمات المتلاحقة على الإطلاق.</p><p>قدم الرئيس هادي استقالته من منصبة كرئيسٍ للجمهورية، وقدمها أيضا رئيس حكومته بحاح في الأسبوع الماضي؛ ليضعا اليمن ومكوناته السياسية أمام مفترق طريق، فإمّا مواجهة الحقيقة في أن الجميع مشتركون في الأخطاء وفي إعاقة توجه البلد للاستقرار، ومن ثم العمل الجاد والصادق على حل كل الإشكالات، والخروج من حالة تقاذف المسؤولية، وسيمكُن حينها الخروج بالبلد من هذه الأزمة ووضعه في المسار الصحيح، أو أن تستمر المكونات السياسية في ذات أسلوب الأداء السياسي المفرخ للأزمات، وهذه المرة لن تكون كسابقاتها فقد تضطرب الأمور في البلد تمامًا، وسيتجه البلد لمشهد جديد يُمكن توقع أنه سيكون الأسوأ.</p><p>يُمثل الرئيس هادي حجر الزاوية في وحدة البلد وفي العملية السياسية الجارية فيه منذ العام 2011م، ولسنا هنا بصدد توصيف كفاءة، وإنما بصدد التعبير عن حالة سياسية قائمة في البلد منذ ذلك التاريخ، ولا يستطيع أي من المكونات السياسية فيه من تجاوزها وإنتاج رئيس للبلد دون أن تتعرض وحدة البلد وعمليته السياسية لأضرار بالغة أمكن تحاشي الوقوع فيها الفترة الماضية.</p><p>في اليمن لا وجود لمؤسسة عسكرية واحدة ومتماسكة قادرة على أن تنتج رئاسة للبلد سواء في شكل رئيس أو في شكل مجلس عسكري، ولا وجود لأوعية ديمقراطية وسجل انتخابي سليم ومقبول يُمكن من خلالهما إنتاج رئيس عن طريق عملية انتخابية، ولا وجود لحالة توافق وثقة بين المكونات السياسية في البلد منعتها من الاتفاق على ما هو دون منصب رئيس الجمهورية، فضلا عن أن تتفق في هذا المنصب وتنتج رئيسا أو مجلسا رئاسيا يتولى إدارة البلد للمرحلة المُقبلة، كما لا يحظى أي مكون سياسي بشعبية طاغية تمكنه من أن ينقلب على غيره من المكونات وينتج رئيسا للبلد بصورة منفردة ويضع الجميع أمام واقع. </p><p>ومن هنا وَضعت استقالة الرئيس هادي البلد في ورطة حقيقية تكمُن خطورتها في سباق حاصل بين العمل السياسي لحلها وبين ردود أفعال الواقع تجاهها. </p><p>جاء تقديم الرئيس هادي لاستقالته ومعه أيضًا رئيس الحكومة على خلفية أزمة أعقبت أحداث الـ 21 من سبتمبر 2014م مباشرة عرفت " بأزمة السلم والشراكة"، وبدأت بتقاذف المسؤولية بين الرئيس هادي وبين مكون أنصار الله "الحوثيين" بشأن الالتزام ببنود اتفاق السلم والشراكة الموقع  عليه من جميع الأطراف السياسية في ذلك التاريخ، وتصاعدت حدتها بعد توقيف أحمد بن مبارك مدير مكتب رئيس الجمهورية، من قبل جماعة أنصار الله على خلفية مسألة مسودة الدستور وما تضمنته من مواد متعلقة بتقسيم البلد إلى ستة أقاليم،  ووصلت  إلى اقتحام أنصار الله لدار الرئاسة ومحاصرة الرئيس هادي  في منزله، والضغط عليه لانتزاع قرارات معينة، فضلّ الرئيس أن يُقدم استقالته على أن يُقدم عليها.</p><p>لم تتمكن المكونات السياسية منذ تعاطيها مع هذه الأزمة أن تتوصل إلى حل لها، بل أنها لم تبدأ بعد بالنظر إلى المشكلة بحقها من الجدية ومن مواجهة الحقيقة  كما هي والتعرض للأسباب التي أدت إلى استقالة الرئيس والحكومة، ولا زالت المكونات السياسية  تدور في دائرة البحث عن بدائل أو صيغ للرئاسة في البلد، وهو أمر لا يُمثل حلا للأزمة في ظل الملابسات الحاصلة في البلد والسابق ذكرها، وما تقوم به هو مزيد من إهدار الوقت في ظرفٍ يعد الزمن أحد أهم العوامل فيه وتزيد من تعقيد الأزمة أكثر. </p><p>الملفان الأكثر تعرضا للخطر إذا لم يتوصل السياسيون لحلٍ مبكر لهذه الأزمة هما ملفا القضية الجنوبية وملف العملية السياسية الجارية في البلد، فالجنوب الذي ينزع غير مكون فيه إلى الانفصال عن الشمال، سيدفع به الفشل أو التأخر في التوصل لحل لهذه الأزمة إلى تشكّل صيغة جامعة للمكونات الجنوبية، باعتبار أن ذلك بات أمرًا واقعًا وقد تصل إلى عزل الجنوب عن الشمال ما يجعل الحائل الوحيد دون الانفصال وقيام دولة في الجنوب هو الاعتراف الدولي بها الذي ليس في المتناول حاليا.</p><p> وفي حالة عزل الجنوب عن الشمال كواقع سيصبح العمل السياسي لحل القضية الجنوبية أعقد أكثر بكثير مما هو حاصل حاليا، وهو أمر سيترتب عليه حالة من اللاستقرار سيجد الجنوب نفسه في ظلها نتيجة التعقيدات التي ستمنع قيام  دولة مستقلة  هناك.</p><p>ملف العملية السياسية هو الآخر سيفقد الشريك الجنوبي فيه من جهة ومن جهة ثانية  ستفشل باقي المكونات من التوصل لصيغة تسمح باستمرار العمل السياسي كونها ستواجه بذات العقدة التي واجهتها مع الرئيس هادي والمتمثلة في التسليم  بهيمنة منفردة للدولة وتصرف الحكومة دون أي تدخلات أو إعاقة من أي طرف، وهو أمر لن يتأتى نتيجة حالة الهيمنة التي يبديها أنصار الله التي كانت هي أهم ما أوصلَ البلد لهذه الأزمة، وكذلك سلبية المكونات الأخرى وتهربها من تمكين أنصار الله من شراكة حقيقية دون لجوئهم لفرض ذلك بالهيمنة التي يُبدونها، وستكون النتيجة أيضًا حالة من اللاستقرار سيجد الشمال نفسه في ظلها.</p><p>أين ستتجه الأزمة اليمنية هو السؤال الذي لا يملك أحد الإجابة عليه نظرا للتعقيدات الكبيرة في المشهد اليمني ولعدم اتزان التصرفات السياسية التي تتم في البلد وعدم منهجيتها كذلك، ولكن يُمكن القول إنه لا وجود لحلٍ للأزمة الحاصلة إلا بإقناع الرئيس هادي بالعدول عن استقالته أو بالتوصل معه إلى أي حل آخر يكون هو أحد الداعمين له، أما غير ذلك فيظل المشهد اليمني مفتوحا على كل الاحتمالات بما فيها انزلاق البلد للأسوأ الذي نأمل أن لا تصل البلد إليه. </p><p> </p>