التوقيت الجمعة، 26 أبريل 2024
التوقيت 11:12 ص , بتوقيت القاهرة

الثورة الدينية بين الساسة والعلماء

تزامنت دعوة الرئيس السيسى للأزهر حول ضرورة إصلاح الخطاب الديني، والحاجة لثورة دينية حقيقية مع دعوة أخرى أطلقها شيخ الأزهر، على خلفية زيارة رئيس الوزراء العراقي حيدر العبادي لمصر بضرورة الحوار بين السنة والشيعة العرب، واستعداد الأزهر للبدء الفوري بإزالة الخلافات بين أطياف المجتمع العراقي والذهاب للتقريب بينهما والعمل على وحدة الصف.


بالطبع تبدو الدعوة جيدة جدا، وتعكس شعور الأزهر بالمسؤولية الأدبية واستغلال المكانة التي يحظى بها الأزهر في العالم الإسلامي، لكن هذه الدعوة المتفائلة تقفز على العديد من متغيرات الوضع السياسى في العراق واللاعبين في ساحته.


اقتصرت الدعوة على السنة والشيعة العرب، في إطار ما سمته ترتيب البيت الواحد، وهذا أمر جيد لكنه متأخر عشر سنوات على الأقل، فقد جرت تحت الجسر مياه ودخلت أطراف إقليميىة ودولية الملعب بحيث أصبحت إيران الظهير الشيعي لشيعة العراق لاعب سياسى وميداني، يكشف عن حضوره بالمال والسلاح سواء في الساحة العراقية، أو حتى الساحة السورية التي ذابت الحدود بينهما في إطار أمر واقع جديد اسمه تنظيم الدولة الإسلامية (داعش ).


لاشك أن الحوار العلمي بين الطرفين الذي يحرر القواعد الرئيسة لهذا الدين الواحد ويبقى على المشترك، وهو عظيم ينحى الفرعى وهو قليل وغير جوهرى على عكس ما يعتقد الكثيرون، لكن ما يشوب تلك الدعوة أنها اقتصرت على العنصر العربى بالحديث عن الشيعة والسنة العرب، فماذا عن السنة والشيعة من غير العرب ؟ ماذا عن تركيا التي تتهم بأنها ظهير للإرهاب السنى الذي تمثله داعش، أو إيران التي تتهم أيضا بأنها الظهير للإرهاب الشيعي، هل لازال قرار السنة في العراق عربيا أو قرار الشيعة في العراق عربيا، أم أن المكون التركي والإيراني حاضر بقوة ليس من الحصافة تجاهلها.


بطبيعة الحال التكفير والتطرف موجودان لدى الطرفين، ومن المهم أن تجتمع المراجع العلمية للسنة والشيعة وتخرج ببيان واحد يعزل مجموعات التطرف فكريا وفقهيا، لكن هل هذا كاف في مقاومة الظاهرة التي أصبحت تهدد وجود العالم الإسلامي كله، بحيث لن يبقى لا عالم سني ولا عالم شيعي ،لذلك أزعجني في دعوة الإمام الأكبر أنها وإن دعت للوحدة فقد انطلقت من أرضية تقسيمية بالحديث عن الأزهر باعتباره مرجعية أهل السنة والجماعة، والذي هو في تقديري مسمى سياسى وليس عقديا كما يعتقد البعض، فكل المذاهب الإسلامية في النهاية بدأت بخلاف سياسي، استدعى الفقه لتبريره وتكريسه ووضع الحدود بين أبناء الدين الواحد والأمة الواحدة.


لذا كنت أتمنى أن تخرج الدعوة من الأزهر موجهة لمنظمة المؤتمر الإسلامي الذي لا زال هو المظلة الباقية التي تتحدث عن أمة واحدة، بأن يرعى في جنباته مؤتمرين أحدهما يقوده الأزهر الواحد الذي يعبر عن مسلمى العالم بسنته وشيعته، كما كان في مرحلة زاهرة من تاريخه ساحة تتسع لكل المذاهب الإسلامية والمؤتمر الثانى يجمع كل دول العالم الإسلامي التي تستعيد الحد الأدنى من الحفاظ على وجود ووحدة تلك الأمة، التي ساهمت فتنة التكفير في فتح أبواب الاقتتال بين بنيها نصرة لدين زائف وعقيدة فاسدة، إن السياسة هي البوابة الصحيحة للقاء بين الأشقاء، وليس الحوار الديني بين علماء كل مذهب والذى سيتحول إلى حلقة تنضم لحلقات سجال ممتد بين الطرفين، يقطع ما بقي من أواصر المحبة بينهما، ويحاول كل فريق الانتصار لمذهبه والترويج لكونه الأصح والأجدر بالاتباع.


تأملوا معى أوروبا التي أنهكتها الخلافات بين الكاثوليك والبروتستانت، ودامت الحرب بين بنيها ثلاثين عاما حتى اهتدت إلى صيغ تعايش أنتجت في الأخير قارة موحدة مزدهرة سياسيا واقتصاديا واجتماعيا سوى من تهديد إرهابي كان بعض أبناء جلدتنا المسؤولون عنه .


هل نحن مضطرون دائما لتكرار الخطأ دون التعلم من أخطاء الآخرين، كل مقومات الوحدة لدينا تحولت إلى مقومات للفرقة والاقتتال، وكل مقومات الفرقة لديهم حولوها بفقه المصالح إلى مقومات للوحدة والتعاون فهل نفقه نحن الدرس.


لا أتصور أن نقطة البداية الصحيحة في التعاطي مع قضية وحدة الأمة وتغليب مصالحها تبدأ من الحوار الديني رغم أهميته، بل يجب أن يتزامن معها ويقودها الحوار السياسي الذي يستحضر لغة المصالح ويرفع واقع الأمة ويحدد ما هي المخاطر والفرص، بعدها يتعانق الساسة مع العلماء في إطلاق شعلة ثورة إصلاح دينى نحن بأمس الحاجة إليها.