التوقيت الأحد، 28 أبريل 2024
التوقيت 10:34 ص , بتوقيت القاهرة

الرسول لم يكن قتّالاً ولا ذباحًا

الرسول، صلى الله عليه وسلم، لم يتعرض لتشويه أكثر مما تعرض له من أتباعه، لقد أساءوا إليه أكثر مما أساء إليه مخالفوه، وحين وصفوه أنه ضحوك قتّال، وأنه جاء بالذبح، وأنه قطع الرقاب، كانت الأسئلة تمور في ذهني، كيف يكون ضحوكاً وقتالاً، رغم أنه ضرب أروع الأمثلة في العفو والصفح، ومواقفه مع أهله والمسلمين من حوله، بل ‏ومع خصومه من كفار قريش والمنافقين في المدينة دالة على اتصافه بالرحمة والرأفة ‏والإحسان، وحسبه موقفه يوم الفتح، وقوله لصناديد قريش: "اذهبوا ‏فأنتم الطلقاء".


لقد كانت سيرة النبي صلى الله عليه وسلم مع الأسرى هي الصفح، ورفضه اقتراح عمر بن الخطاب، رضي الله عنه، حينما طالبه بقتل أسرى مشركي مكة من أسرى بدر واستبشاعه الأمر وأخذه برأي "أبو بكر الصديق" بأخذ الفدية من القادر وتعليم غير القادر لعشرة من صبيان المدينة، يتضح منه مدى اتصافه بالرحمة.


أما عن قتله لـ600 تقريباً من يهود بني قريظة، فالأمر لا يُؤخذ على إطلاقه، وأنا أدين باعتقاد مفاده أنه أي فعل منسوب للنبي الكريم، خالف النص القرآنى، "وما أرسلناك إلا رحمة للعالمين" فهو مكذوب عليه.


وهناك قاعدة مهمة وهي أن هناك فرقًا بين الرسول الحاكم، والرسول النبي، فهناك كثير من التصرفات النبوية التي كانت تأتي في سياق أنه حاكم يتصرف كرجل للدولة، ولم تجيء كنبي.


ويحتج أتباع النبي من الجماعات الجهادية، قبل أن يحتج أعداء الإسلام، بما رواه عطية القرضي أن النبي قتل 700 من بني قريظة وأخذ الصالح بالطالح، وقتل بعضًا من نسائهم، وأمر عليّ بن أبي طالب بالكشف عن عانة الصبيان وقتل كل من أنبت، في جريمة حرب تاريخية.


وإن صحت الرواية رغم أنني أعتقد أنها موضوعة (ففي سندها نظر) فهي تحمل على محمل حسن، وذلك استناداً إلى ما روي في الصحيحين، فإن الذين قتلوا كانوا من 40 إلى 400 مقاتل، وقد بلغوا أي ليسوا أطفالاً، وكان الحكم بقتلهم له سبب وهو الخيانة العظمى، ومساعدة العدو على المسلمين، ولذلك فقد أخلى سبيل من أسلم، وعقوبة الخيانة العظمى في كل قوانين الدنيا هي الإعدام أو السجن المؤبد.


ويتهمون نبي الأمة أنه قتل في هذه الواقعة عددا من النساء، إلا أن الصحيح أنه حكم بالقتل على امرأة واحدة؛ لأنّها ألقت بـ"رحى" من فوق الحصن فقتلت به أحد المسلمين، فقتلت قصاصًا.


وكان بين المحكوم عليهم بالقتل رجل اسمه (الزبير بن باطا)، شفع له رجل من المسلمين يدعى: ثابت بن قيس، فلم يُقتل، وأُخلي سبيل زوجته وأولاده، وأعيدت إليه أمواله، هو و4 أسلموا من المقاتلة.


مشكلة بني قريظة أيضًا ليست بجديدة، وقد أثيرت بعد 4 قرون من حدوث الواقعة، رغم أن العصر الذي حدثت فيه القضية لم يستنكرها، وكانت قصتهم أنهم من يهود المدينة، عاهدوا النبى صلى الله عليه وسلم، على أن يحموا جانبهم، بمعنى أنهم فى طرف من أطراف المدينة، ولن يسمحوا بأن تأتي الجيوش الغازية من جهتهم، في غزوة الأحزاب، وجاء حُيىّ بن أخطب، ووسوس لهم للانقضاض على المسلمين، رغم أن النبي عهد إليهم بالمواطنة في المدينة، ولم يكونوا يدفعون الجزية، ولهم كامل حقوق المواطنة.


لكنهم قرروا أن يخونوا، ولما انتصر النبي، نظر في أمرهم، فطلبوا أن يحكم فيهم قاضيًا سعد بن معاذ، وكان حليفاً لهم، ورغم أن النبي حكم على يهود خيبر بالمغادرة، إلا أن سعد حكم على مقاتليهم وحيي بن أخطب بالقتل، فقال له النبي "لقد حكمت عليهم بحكم الله من فوق سبع سموات يا سعد"، وحدث تزوير ثقافى، بمعنى أنهم ادعوا أن النبي قتل الأطفال، لأن من كان دون الثامنة عشرة فى ذلك العصر كان يشارك فى اتخاذ القرار، ويخوض معارك، ويتزوج، والدليل قيادة أسامة بن زيد لجيش المدينة وعمره 17 عاماً وفيهم أبو بكر وعمر.


النبي لم يقتل يهود خيبر، ولا يهود بني قينقاع، بل صالحهم على أن يغادروا المدينة، فما دمتم أنكم أنتم قررتم أن تنفصلوا عن المواطنة وتضربوا وتهدموا هذه الدولة، انصرفوا لا تصلحون للمواطنة فيها، يعنى سحب جنسية، ترحيل، هذا الذي حصل لهم.


أما عن موضوع كشف العانة، وأن علي بن أبي طالب كان يفعل ذلك، للبحث عن البالغ كي يقتله، فهذا موضوع وغير صحيح، وهو محاولة لتشويه علي بن أبى طالب ممن كتبوا السيرة في عهد الأمويين.


والإسلام منع قتل النساء والصبيان، فعن ابن عمر رضي الله عنهما قال: (وجدت امرأة مقتولةً في بعض مغازي رسول الله، صلى الله عليه وسلم، فنهى رسول الله صلى الله عليه وسلم، عن قتل النساء والصبيان)، وشريعة الإسلام أمرت بالعدل مع كل أحد، وحرّمت الاعتداء ولو على الأعداء، قال تعالى: (ولا يجرمنكم شنآن قوم أن صدوكم عن المسجد الحرام أن تعتدوا).


من ينتقدون الغرب لرسمه رسومات مسيئة للنبي، عليهم أولاً أن يعرفوا أن الغرب لم يرسم عنا إلا ما رويناه في كتبنا، من أحاديث موضوعة، ولم يرَ الغرب منا إلا كل قبحٍ وتخلف وضربٍ للرقاب، وأكل للقلوب والأكباد، فعلينا أن نلوم أنفسنا قبل أن نلوم الآخرين ونصلح أنفسنا ولا ندفن رؤوسنا في الرمال.