التوقيت الثلاثاء، 07 مايو 2024
التوقيت 03:57 ص , بتوقيت القاهرة

كيف تمكن العلويون من حكم سوريا؟

يثير التفجيران اللذان وقعا في منطقة جبل محسن (العلوية) في طرابلس اللبنانية، وخلفا عشرات القتلى والجرحى، تساؤلات عن الأقلية العلوية في لبنان وسوريا، عن أصولها، ودورها، وتأثيرها في التاريخ السياسي السوري.


لم يكن العلويبن في سوريا أصحاب شأن سياسي إلا بعد دخول الاحتلال الفرنسي إلى البلاد، حيث بدأ توغلهم في الحياة العسكرية ثم السياسية، بعد أن أُجبرت السلطات العثمانية على تغيير سياستها تجاه تلك الأقلية، بعد منتصف القرن التاسع عشر ميلادي بسبب التدخل الأوروبي في الشؤون الداخلية التركية.



أصول الطائفة


"العلوية" أو "النصيرية" تسمية تعود في الأصل إلى "مذهب" أو "فرقة" من فرق الشيعة، وسبب التسمية نسبة إلى علي بن أبي طالب رضي الله عنه، والذي تعتقد الطائفة أن الخلافة يجب أن تنحصر فيه وذريته كغيرها من فرق الشيعة، وترجع نسبة الطائفة (النصيرية) إلى محمد بن نصير البكري النميري، الذي يعتبر مؤسسها، والذي خلفه على رئاسة الطائفة محمد بن جندب.


كان للعلويين مركزين أحدهما في بغداد، والآخر في اللاذقية، أما مركز بغداد فقد انتهى مع دخول المغول إليها، واستمر مركز اللاذقية، وفي عام 1097 إبان الحملة الصليبية، وقد قاتل الصليبيون العلويين في بادئ الأمر، ثم هادنوهم وتحالفوا مع بعض شيوخهم، وفي 1120، هزم الإسماعيليون والأكراد العلويين، وفي 1297 حاول الإسماعيليون والعلويون الاندماج إلا أن الاختلافات المذهبية حالت بين عملية الاندماج، ثم خضعوا لسلطه الدولة العثمانية على بلاد الشام منذ 1516، لكن ثارت بعض عشائرهم عليها، فأرسلت الدولة العثمانية إليهم حملات تأديبيه، وبسقوط الدولة العثمانية وتفعيل الانتداب الفرنسي على سورية ولبنان، وإذا كان بعض أبناء الطائفة قد تعاونوا مع الاستعمار الفرنسي، فعمل بعضهم في الجيش الفرنسي المحلي، وأعانه بعضهم في محاولته فصل الطائفة عن مجتمعاتها، من خلال مشاريع الحكم الذاتي ودولة العلويين، فإن كثير من أعلام وعلماء الطائفة قد رفضوا التعاون مع الاستعمار الفرنسي، وتصدوا لهذه المحاولات، فقد حاول الفرنسيون أن يجعلوا للمحاكم المذهبية العلوية تشريع خاص مباين للتشريع الإسلامي، لكن رفض القضاة العلويين ذلك وأعلنوا أنهم مسلمون وتشريعهم إسلامي جعفري.


الدولة العلوية


قسمت فرنسا سوريا لدويلات صغيرة، بناء على التنوع المذهبي والطائفي لشعبها، وكما في الجنوب، حيث أسست دولة الدروز، تم تأسيس دولة العلويين في الشمال الغربي منها، وسُمّيت دولة جبل العلويين، وقامت ما بين عامي 1920 و1936على الساحل السوري.


كان سكان تلك الدولة من العلويين في الجبل، ومن السنة في الساحل، ومن المسيحيين كذلك وقليل من الإسماعيلية، وفي 29 سبتمبر من العام 1923، تم إعلان تلك الدولة، واختيرت عاصمة لها مدينة اللاذقية، وكان عدد سكانها في ذلك الوقت 278 ألف نسمة، وحكمها إقطاعيون من آل الكنج، وفي 5 ديسمبر 1936 تم ضمها نهائيا إلى سوريا، بعد اتفاق وُقّع في باريس، رغم اعتراضات وجَهها بعض كبار وجهاء العلويين، أجابت عليها فرنسا بأن العلويين ليسوا ناضجين كفاية لتأسيس دولتهم.


وتشير دراسة لنجاتي ألكان، إلى أن اسم "العلويين" مقبولا بعد الحرب العالمية الأولى مع دولة "العلويين" قصيرة الأجل التي تأسست تحت الانتداب الفرنسي كمنطقة تخضع لحكم شبه ذاتي، ولاحقا كجزء من الاتحاد السوري، وكما ذكر سابقا أن العلويين أصبحوا طائفة مهيمنة بفضل الفرنسيين الذين حاولوا مواجهة الهيمنة السنية في سوريا، وتشير نتائج البحث هنا إلى أن العلويين كانوا قد جُهزوا لهذا الدور مع التوتر الذي ساد بين العثمانيين والقوى الغربية.



قبضة الحكم


يتجمع معظم العلويين في سلسلة الجبال الممتدة من عكار في شمال لبنان إلى جبال طوروس جنوب تركيا، مرورا بجبال اللاذقية أو جبال العلويين، ويتوزع بعضهم في ريف حماة وحمص، ولواء اسكندرون وكيليكيا في تركيا.


جرى صعود العلويين الذين يحكمون سوريا منذ 1970، على مدى 50 عاما، حيث كانوا في 1920 أقلية محرومة كما ذكرنا أعلاه، وبحلول 1970 كانت السلطة السياسية في سوريا في قبضتهم، حدث هذا التحول عبر ثلاث مراحل: "1920- 1946 وهي مرحلة الانتداب الفرنسي، وهي المرحلة محل البحث، و1946- 1963 وهي سنوات السلطة السنية، و1963- 1970 وهي فترة التوحد العلوي.


كان العلويون مؤيدين للفرنسيين حتى قبل الانتداب، لأنهم عارضوا الملك فيصل، الحاكم العربي السني لسوريا من 1918 حتى 1920، والذي كان يُخشى من هيمنته، في 1919 قاموا بثورة ضده بالاستعانة بالأسلحة الفرنسية، آملين في دمار الإمبراطورية العثمانية، وأبلغوا الفرنسيين رغبتهم في اتحاد للنصيريين تحت الحماية الفرنسية، ورغم ذلك تمردوا على الفرنسيين بعدها بعامين، بقيادة صالح العلي، كانت الثورة ضد تحالف أعدائهم الإسماعيليين (وهم طائفة إسلامية خارجة أيضا مع الفرنسيين) بعدما ضمنت فرنسا الحكم الذاتي للعلويين، عرض هؤلاء دعمهم لها، كان العلويون هم أكثر من استفادوا من الحكم الفرنسي بعد الحرب العالمية الأولى، وكان التعاون مع الفرنسيين يعني هروبهم من هيمنة الحاكمين السنة، وهكذا تأسست دولة اللاذقية في تموز/يوليو 1922.


النسيج العلوي


بعد عام 1970 قادت مؤسستان محوريتان إلى صعود العلويين، الأولى كانت القوات المسلحة والثانية حزب البعث القومي العلماني، وكلاهما شهد حضورا كثيفا للعلويين في الجيش لأنه أتاح لهم ولأقليات أخرى وللسنة الريفيين فرصة الحراك لأعلى.


أما حزب البعث فقد راق للعلويين وللأقليات الفقيرة الريفية المشابهة؛ نظرا لأيديولوجيته العلمانية الاشتراكية.


جذب حزب البعث منذ بدايته أبناء المهاجرين من المناطق الريفية الذين ذهبوا إلى دمشق من أجل التعليم، وقد شكلوا أغلبية أعضاء الحزب هناك، وفي مدن كحلب واللاذقية، كان زكي الأرسوزي أحد مؤسسي الحزب ذاته علويا ودفع بالكثير من رفاقه للانضمام للحزب، أتاحت اشتراكية حزب البعث التي حُددت بوضوح خصوصا بعد الستينات فرصا اقتصادية لفقراء العلويين وجمعت العلمانية، رغم وجودها النظري فقط، جماعات مختلفة تحت مظلة الحزب بينما لم يول اهتمام كبير للاختلافات الدينية والطائفية.


ومن أبرز الشخصيات العلوية، صالح العلي، والرئيس السابق حافظ الأسد، وابنه الرئيس الحالي بشار الأسد، إضافة إلى عدد من الكتاب والمفكرين، كالشاعر أدونيس، والشاعر بدوي الجبل، والشاعر سليمان العيسى، والشاعر والمسرحي ممدوح عدوان، وسعد الله ونوس، وغيرهم.