التوقيت الثلاثاء، 16 أبريل 2024
التوقيت 12:31 م , بتوقيت القاهرة

تدهور شبكة الصرف الصحى يضعف الاقتصاد ويكلف الدولة مليارات الجنيهات

لم تعد مشكلة الصرف الصحى فى مصر، مجرد خدمة ناقصة يجب توفيرها للمواطنين، بل أصبحت من أهم المشكلات التى تواجه الحكومة، لأنها لم تعد تخص المدن الكبرى، بل أصبحت أكثر ضرورة فى القرى، ففى المدن الكبرى تدهورت حالة شبكة الصرف فى كل المدن تقريبا بدءا من القاهرة، وفى الريف زادت المشكلة لأن القرى لا يوجد بها أصلا شبكة صرف صحى، وزاد الوضع سوءا مع كبر حجم القرى وتوابعها وارتفاع عدد السكان بها.


وأصبحت مشكلة الصرف الصحى من كبرى التحديات التى تواجه الاقتصاد المصرى لارتباطها المباشر بالحياة اليومية للمواطنين، وما يترتب عن غياب شبكات الصرف الصحى من تدهور للأوضاع الصحية للمواطنين، وبالتالى فإن حل مشكلة الصرف الصحى سيؤدى إلى تخصيص موازنة أقل لمعالجة المشاكل الصحية على المدى الطويل.


ولا تعد مشكلة الصرف الصحى مشكلة اجتماعية فحسب، بل لها أيضاً انعكاساتها الاقتصادية مثل تدنى إنتاجية العمال لسوء الأحوال الصحية، وكذلك انخفاض الإنتاج الزراعى من جراء تلوث الترع والمصارف، هذا بالإضافة إلى إمكانية استغلال مياه الصرف الصحي المعالجة في الأغراض الزراعية (المحاصيل العلفية وزراعات الزينة).


وأكد تقرير للمركز المصرى للدراسات الاقتصادية أنه مشكلة الصرف الصحي في مصر لا تنحصر على ارتفاع نسبة القرى التى لا توجد بها شبكة للمجاري العامة والتي وصلت وفقاً لتقديرات الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء عام 2015 إلى ما يقرب من 74.3% من القرى في مصر، بل أيضاً تعانى القرى المصرية من سوء الخدمة فى حالة توفرها فى صورة الانسداد المتكرر لشبكات الصرف الصحى.


بالرغم من أن الحكومة المصرية تولى اهتماما كبيراً لمعالجة مشكلة الصرف الصحى، وهو ما انعكس فى إعداد الاستراتيجية القومية للصرف الصحى بالقرى عام  2017، بحجم استثمارات يقدر بحوالي 198 مليار جنيه (أسعار 2017)، إلا أننا يجب أن نلحظ أن المدى الزمني المقترح لتنفيذ الاستراتيجية طويل مقارنة بأهمية المشكلة على النحو السالف ذكره، حيث إنه من المقترح أن يتم تنفيذ الاستراتيجية حتى عام 2032، ومن ناحية أخرى نجد (الكلام للمركز المصري للدراسات الاقتصادية) أن التنفيذ الفعلى  للاستراتيجية مرهون بتوفر الموارد المالية اللازمة، وبالتالي فقد يكون من المفيد تنفيذ مشروع قومي للقضاء على مشكلة الصرف الصحي في مصر بتضافر جميع الجهود ومصادر التمويل على غرار المشروع القومي للقضاء على فيروس سي بما يسمح بالقضاء على مشكلة الصرف الصحي في أقل فترة زمنية ممكنة.


وتقوم الاستراتيجية على المشاركة الفعالة للقطاع الخاص والمجتمع المدني وهو توجه مطلوب وضرورى، إلا إنه يجب التأكيد على أن الأصل هو أن إقامة شبكات الصرف الصحي هى مسئولية الحكومة في المقام الأول، هذا بالإضافة إلى أهمية الدور الرقابى للحكومة فى متابعة أداء القطاع الخاص وهو ما يتطلب سن التشريعات الملائمة فيما يتعلق بالموصفات القياسية لشبكات الصرف الصحى، وكذلك مواصفات المياه الناتجة من محطات الصرف الصحى، وتعليمات التخلص من الرواسب الناتجة عن عمليات المعالجة، وكذلك التأكيد على فاعلية آليات الرقابة المٌطبقة، كما يجب التأكيد على أهمية دور المجتمع المدنى فى الرقابة على جودة أداء منظومة الصرف الصحى بصفة عامة.


كما أن جودة خدمات الصرف الصحي المقدمة للمواطنين لا ترتبط فقط بمرحلة الإنشاء إنما ترتبط أيضاً بالتشغيل والصيانة، ولذا من المهم أن يتم وضع نظام التسعير بما يضمن تغطية تكاليف التشغيل وصيانة الآلات وفى نفس الوقت مرعاة البعد الاجتماعى.


وتعتمد مصر على نظام تسعير لخدمات الصرف الصحي كنسبة ثابتة من تعريفة المياه وتقدر وفقاً لقرار رئيس الوزراء 1730 لعام 2017 بـ 63% بالنسبة للصرف المنزلي و92% بالنسبة للصرف غير المنزلى، هذا بالإضافة إلى تحصيل 2.5 جنيه فى حالة الاستخدام المنزلى و 5 جنيهات في حالة الاستخدام غير المنزلى يتم تخصيصها لأغراض استدامة الخدمة، ويتميز هذا النظام بسهولة إدارته، إلا إن المعايير التى تم على أساسها وضع هذه النسب غير واضحة وكذلك إلى أى مدى سوف تحقق المبالغ التي سيتم تحصيلها الأهداف المرجوة منها وخاصة فى ظل أنه سيتم توزيع مقابل استدامة الخدمة مناصفة بين المياه والصرف الصحى.


وأخيراً لابد من التأكيد على أهمية التعامل مع المشكلات التنفيذية المرتبطة باستكمال شبكة الصرف الصحى والتي من بينها على سبيل المثال إحجام المواطنين عن تركيب الوصلات المنزلية نتيجة تكلفة تركيب الوصلات إلى المنازل والتى تصل في بعض التقديرات إلى 1000 جنيه وهي تكلفة مرتفعة وخاصة فى القرى التى ترتفع معدلات الفقر بها، هذا بالإضافة إلى بعض المشكلات الأخرى مثل تلك المرتبطة بتخصيص الأراضى وتسليمها لإنشاء محطات الصرف الصحى والمعالجة.