التوقيت الخميس، 28 مارس 2024
التوقيت 10:23 م , بتوقيت القاهرة

استراتيجية النشر الحائرة فى وزارة الثقافة..فضيلة التنسيق الغائبة بين مسؤولي الوزارة

في الوقت الذي صدرت فيه أجزاء "الكوميديا الإلهية" لهوميروس، ترجمة حسن عثمان، عن هيئة الكتاب ضمن إصدارات مكتبة الأسرة منذ بضعة أعوام، أعادت هيئة قصور الثقافة طبع "الكوميديا" بأجزائها الثلاث، هذا العام في دورة معرض القاهرة الدولي للكتاب المنتهية مؤخرا.


وعلى الرغم من الفائدة الكبرى التي عمت المكتبة المصرية بإعادة طبع هذه الأعمال الكبرى، إلا أن طابع التكرار شاب عمل قطاعات النشر بوزارة الثقافة، وهي "المجلس الأعلى للثقافة" الذي نشر أعمالا ضمن سلسلة الكتاب الأول، وكذلك مطبوعات منح التفرغ، ويجاوره المركز القومي للترجمة، المعني بكل تأكيد بترجمة الأعمال الأدبية والقصصية والشعرية وكذلك الملاحم، والكتب الاقتصادية والسياسية والتاريخية، وغيرها من الأعمال، يما يجعلنا نفتح ملف استراتيجية النشر الحائرة فى وزارة الثقافة  وغياب التنسيق بين مسؤولي النشر   وهو ما حدا بوزيرة الثقافة إيناس عبد الدايم أن تصف هذه القطاعات بالجزر المنعزلة.


الكوميديا طبعة قصور الثقافة


وفي كورنيش النيل برملة بولاق توجد الهيئة المصرية العامة للكتاب بصفتها الناشر الرسمي الأول للدولة، التي تنشر سلاسل أدبية متعددة، إضافة إلى مجلات أدبية، ومنها "إبداع" و"عالم الكتاب" ومجلة الرواية" وأعمالا شعرية وقصصية وروائية، كما أن هيئة الكتاب هي المعنية بمشروع مكتبة الأسرة، وبجوار هيئة الكتاب هناك دار الكتب والوثائق القومية، والتي تنشر أيضا أعمالا مهمة بعضها تاريخي، والآخر وثيق الصلة للمخطوطات والوثائق، ومن إصدارات دار الكتب كتاب "صفحات من تاريخ الوطن" للمؤرخ الراحل رؤوف عباس، وكذلك كتاب "الزخرفة المنسوجة في الأقمشة الفاطمية".


الهيئة المصرية العامة للكتاب


ومع ما يبدو أنه فائدة كبرى، بتكرار نشر عناوين من قبيل "الكوميديا الإلهية" وإتاحتها للقراء، أو لمن فاته فرصة اقتناء الأجزاء الثلاث حينما صدرت في طبعة مكتبة الأسرة، إلا أن الناظر لنمط العمل بأكمله، يشعر أن قطاعات النشر في وزارة الثقافة تنافس بعضها بعضا، ففي قصور الثقافة نشط مشروع ضمن سلسلة آفاق عالمية التي ترأسها الشاعر رفعت سلام، في إصدار 100 كتاب مترجما من كلاسيكيات الأدب الأجنبي، هذه العناوين تلقفها القراء بلهفة أكيدة، لأنها إصدارات مهمة، لكن لماذا لم يتح المركز القومي للترجمة هذه الإصدارات بجانب ما يتيحه من إصدارات مهمة وكبيرة؟.


إصدارات قصور الثقافة


إيناس عبد الدايم: قطاعات النشر بالوزارة جزر منعزلة


 


ندوة الدكتورة إيناس عبد الدايم بدار الكتب


في حوارها مع الزميل طارق الطاهر بأخبار الأدب عددها الصادر أول من أمس الجمعة، قالت الوزيرة إن هناك أنشطة تتكرر بذات المضمون في وزارة الثقافة، منها قضية النشر. من الأمور التي تطرقت الوزيرة إليها في حوارها، أنها كانت تستغرب أثناء رئاستها دار الأوبرا تكرار عناوين يتم نشرها في قطاعات الوزارة، مما يعني أنها جزر منعزلة، تشير الوزيرة إلى لجنة عليا للنشر، تعمل على التنسيق بين القطاعات المختلفة، تشدد الوزيرة في حوارها إلى أنها ليست ضد أن تنشر هيئات الوزارة المختلفة، لكن بما يتماشى مع فلسفة كل هيئة.


الكلمات السابقة تعكس حقيقة انفراد كل قطاع يمارس النشر داخل الوزارة بقرار إصدار الكتاب المترجم، دون الرجوع للهيئات الزميلة في الوزارة، أو التنسيق معها، وآخر هذه الأمثلة ما ذكرناه في مستهل الموضوع من تكرار نشر أجزاء الكوميديا الإلهية، بدلا من إصدار كتاب جديد من كلاسيكيات الأدب العالمي، أو حتى العربي.


 


سهير المصادفة: هيئة الكتاب الناشر الرسمي للدولة..وأرحب بإيقاف نشر الترجمات


سهير المصافة


أشادت رئيس الإدارة المركزية للنشر بالهيئة المصرية العامة للكتاب، بمقترح الوزيرة إيناس عبد الدايم، مشددة على أن قطاعات الوزارة تعمل فعلا في جزر منعزلة.


تقول سهير المصادفة لـدوت مصر: المفروض أن يجتمع كل المسؤولين عن النشر في وزارة الثقافة مرة واحدة شهريا ليطرح كل منهم خطته عن الأعمال المقبلة التي سيقدمها، التنسيق غائب بيننا، وأدعوهم إلى أن ننسق سويا، أنا لا أعرف ماذا سيطبع المركز القومي للترجمة، وكي أتجنب أن يقوم زملائي بنشر ما أنشره، أضع على صفحتي في "الفيسبوك" أغلفة الكتب المنتظر صدورها عن سلسلة الجوائز، وغيرها من سلاسل النشر بهيئة الكتاب قبل صدورها فعلا بفترة طويلة.


لا تقول سهير المصادفة أن هناك تنافس بين قطاعات النشر بالوزارة، لكنها تسميه "كسل" في التنسيق، وكذلك غياب البناء الهيكلي لكيفية الأداء، تقول: أنا لحقت كتاب في مطابع الهيئة، قبل نشره، فوجئت بصدوره في قصور الثقافة، صاحبه تقدم به للهيئة، ثم تقدم به للنشر في هيئة الكتاب، تدين سهير المصادفة غياب قاعدة المعلومات والبيانات التي تفيد المسؤولين أثناء وضعهم خطة النشر.


اسألها: هل ترحبين بإلغاء نشر الأعمال المترجمة في الهيئة وجعلها قاصرة على المركز القومي للترجمة؟


ترحب المصادفة، وتقول: إذا كان هذا سيسهل التنسيق فأنا لا أمانع، أنا الناشر الرسمي الدولي للهيئة، هيئة الكتاب مهمتها وفلسفتها نشر الكتاب، لكن مثلا هيئة قصور الثقافة، لماذا تنشر كتبا، بينما مهمتها الرئيسية هي الوصول بالمنتج الثقافي إلى المواطنين في المحافظات المختلفة، المجلس الأعلى للثقافة..لماذا ينشر كتبا، وهو من يضع استراتيجيات وزارة الثقافة، لماذا لا نلتزم بأهداف كل مؤسسة التي قامت من أجلها.


تدعو سهير المصادفة كل قطاع بالوزارة أن يسأل نفسه: لماذا أنشر..؟ مشددة على ضرورة تكشيل لجنة عليا للنشر في كل قطاعات وزارة الثقافة، على أن تكون أولى مهامها مناقشة استراتيجيات النشر في المؤسسات المختلفة.


جرجس شكري


 


جرجس شكري : نحن لا نكرر..ولا نتنافس..بل نتكامل


يقول الأمين العام للنشر بالهيئة العامة لقصور الثقافة، جرجس شكري لدوت مصر أنه يؤيد تفعيل اللجنة العليا للنشر، وهي لجنة قائمة فعلا بالوزارة، لكنها لم تجتمع منذ فترة، لافتا إلى أن دعوة الوزيرة في حوارها إلى إعادة تفعيل هذه اللجنة، لأنها لم تجتمع منذ عام.


يدافع جرجس شكري الذي هو أيضا عضو باللجنة العليا في مشروع مكتبة الأسرة، عن سبب نشر الكوميديا الإلهية في قصور الثقافة، بعد نشرها في مكتبة الأسرة منذ أعوام بقوله: الكوميديا الإلهية التي تم نشرها في مكتبة الأسرة، نفدت، ولم نفكر في إعادة نشرها بقصور الثقافة، إلا ونحن على يقين من نفادها تماما.


يقول جرجس شكري أن هناك بعض الأعمال التي تكون مطلوبة، مشددا على أنه ضد التكرار لكن هناك استثناء، فالجمهور تدافع لشراء الكوميديا الإلهية في معرض الكتاب، وهو ما أكد أنه كان لدينا حق في إعادة نشرها بقصور الثقافة.


الكوميديا طبعة قصور الثقافة


وعن سلسلة المائة كتاب التي كانت تصدرها قصور الثقافة خلال رئاسة رفعت سلام لسلسلة آفاق عالمية، يقول جرجس شكري: هذا كان مشروع يخص الأستاذ رفعت لكنه كان ينضوي أسفل سلسلة آفاق عالمية، وعادت السلسلة إلى نشر الأعمال المترجمة الكلاسيكية، بسعر مدعوم، في جميع أنحاء مصر، هذا يختلف قطعا عن عمل قطاعات النشر الأخرى بالوزارة.


 


يشدد الأمين العام للنشر بقصور الثقافة على أنه لا يتشابه نهائيا مع سلسلة الجوائز التي تطبع أعمالا مترجمة في هيئة الكتاب، مؤكدا أنه يختار الأعمال المترجمة الكلاسيكية، مثل "أغنية الغريب" وهي الأصوات الفرانكفونية لكتاب مصريين يكتبون بلغات أخرى، من ترجمة بشير السباعي، وكذلك "الأنفس الميتة" لجوجول. يضيف جرجس شكري: هذه أعمال لا تتشابه مطلقا مع سلسلة الجوائز.


وعن التعاون مع قطاعات النشر الأخرى بالوزارة يقول شكري: عندما توليت مهام عملي كأمين عام النشر في قصور الثقافة، قلت أن قطاعات الوزارة تتكامل وتتعاون، ولا تتنافس، وأبرمت فعلا بروتوكول تعاون مع هيئة الكتاب للتوزيع والطباعة، وهذا قطعا يمنع التكرار ونشر الأعمال التي يقدموها، كيف أكرر نشر أعمال، وأنا فعلا أنشر عندهم وبوزع معاهم؟


أسأله: وماذا عن القومي للترجمة..؟ ألا ترى أنك وهيئة الكتاب تمارسان مهمة هو يمارسها، وهي نشر الكتب المترجمة سواء كانت كلاسيكية أو حديثة؟


المركز القومي للترجمة


يقول شكري: طلبت من الدكتور أنور مغيث رئيس المركز القومي للترجمة أكثر من مرة، بحضور الدكتور أنور إبراهيم رئيس سلسلة آفاق عالمية، تفعيل بروتوكول لنشر الكتب المترجمة التي يملك المركز حقوقها، بالتعاون مع قصور الثقافة، ووضع لوجو المركز والقصور معا على غلاف الكتاب، على أن نقدمها بسعر مدعوم مخفض، أقل من أسعار المركز القومي للترجمة. يشدد أمين عام النشر بقصور الثقافة على أن سلسلة آفاق الترجمة هو مشروع مدعم، والقومي للترجمة بمقدوره توفير الحقوق التي ينشرها، لكن هذا البروتوكل لم يتم.


ما يدلل على نجاح قصور الثقافة في مشروع نشر الكتب، نفاد معظم الإصدارات التي نشرتها الهيئة، يشدد جرجس شكري على أن مخازنه لا تحوي إلا كميات الكتب التي استبقاها من الإصدارات الجديدة للتوزيع بعد معرض الكتاب.


يدعو شكري إلى تفعيل دور لجنة النشر العليا، مؤكدا أنها فكرة عملية وعظيمة، لأنه سيجمع المسؤولين عن النشر في قطاعات الوزارة وهو ما يمنع التكرار، ويتيح التكامل، مدللا على أن هيئة قصور الثقافة لا تكرر ما يفعله الآخرون، هو إلغاء سلسلة آفاق عربية التي كانت تعني بنشر الكتب العربية، بالتشابه مع سلسلة الإبداع العربي في هيئة الكتاب. يقول جرجس شكري لدوت مصر: استبدلنا سلسلة آفاق عربية، بسلسلة روائع الأدب، التي تنشر روائع الأدب العربي، مثل أعمال سعدي يوسف، وسعيد الكفراوي، دليل آخر على أنه لا تكرار فيما تنشره قصور الثقافة، إيقاف سلسلة الأعمال الكاملة بقصور الثقافة، بعدما تشابهت وسلسلة بنفس المسمى في هيئة الكتاب.


هبة شريف


الحل في المكتبات العامة وليس في النشر الحكومي


وجهة نظر ثالثة ومغايرة ترفض النشر الحكومي، تطرحها الناقدة الدكتورة هبة شريف، التي ترى أن دور النشر الحكومية لا يجب أن تنشر كتبا، بل يجب أن تفتح المزيد من المكتبات العامة في كل حي، وفي كل مدينة وقرية، على أن توفر هذه المكتبات كتب من كل دور النشر الخاصة التي تنشر في مصر وخارجها، تقول هبة شريف لدوت مصر: هذا أفضل كثيرا من أن تنشر الدولة كتبا بأسعار رخيصة، لأنها في النهاية ستنشر كتبا لمجموعة معينة من المؤلفين، وهذه الكتب لن تصل إلى كل الناس، إلا بإتاحة المكتبات العامة في كل مدينة وفي كل قرية.


توضح هبة شريف فكرتها أكثر، في مقال سابق لها بأخبار الأدب تناولت فيه ذات القضية، ذهبت فيه إلى أن دور النشر الحكومية لا تتعامل مع الكتاب على أنه سلعة ثقافية لابد من الاجتهاد بالإعلان عنه، والإنفاق والاستثمار كذلك في تسويقه وبيعه، فتبدأ الدولة بعد قليل في اتهام دور النشر الحكومية بالخسارة، ويحاول المثقفون الدفاع عنها، بأنها تقدم خدمة ثقافية لأنها تبيع الكتب بأثمان زهيدة، لكن هذا مغاير للواقع – وفقا لهبة شريف- لأنه ليس كل الناس في كل وقت وكل مكان يحصلون على الكتب التي يدفعون ثمنها من ضرائبهم ومن أصول بلدهم، فمن يسكن بعيدا عن المركز القومي للترجمة الذي يبيع كتبه في منافذه بالقاهرة، لا يحصل على إصداراته، وعليه أن يشد الرحال إلى القاهرة منفقا أضعاف مضاعفة للحصول على الخدمة الثقافية، التي يدعي مسؤولو وزارة الثقافة أنها تقدمها منخفضة التكاليف.


اقرأ أيضا:


ماذا تعني توصية مجلس النواب بزيادة مخصصات وزارة الثقافة ؟