التوقيت الثلاثاء، 30 أبريل 2024
التوقيت 05:04 ص , بتوقيت القاهرة

ماري آننج.. أميرة علم الحفريات

بنت نجار، بريطانية، وهي أهم مكتشف لحفريات الزواحف البحرية، في القرن التاسع عشر، قدمت صورة لما كانت عليه الحياة البحرية في العصر الجوراسي، وساهمت في تطور علم الحفريات كفرع من فروع علم الجيولوجيا.



ميلادها


ولدت "ماري آننج" في 21 مايو عام 1799م، للأب "ريتشارد" والأم "ماري"، في "لايم ريجيس"، بمنطقة دورست على الساحل الجنوبي الغربي لإنجلترا، المنطقة التي كانت جزءا من قاع البحر خلال العصر الجوراسي (قبل 140- 200 مليون سنة)، حيث تحجرت أعداد هائلة من الكائنات البحرية، فصارت منطقة غنية بالحفريات.


وعندما صارت منتجعا سياحيا صيفيا، في أواخر القرن الثامن عشر، استفاد الأب، الذي كان نجارا، من جمع وتجارة الحفريات للسائحين، وشاركته الأم، وماري، وأخوها "جوزيف".



طفولة بائسة


تلقت "ماري" تعليما محدودا في مدرسة ملحقة بالكنيسة، وفي طفولتها، تعرضت للموت، عندما ضربت عاصفة برق شديدة شجرة كانت تحتمي بها مع أربعة آخرين، لكنها كانت الوحيدة التي نجت من الموت بمعجزة.


 عرفت "ماري" الكثير عن الحفريات، من أبيها، الذي شاركته رحلات البحث عن الحفريات، وفي فترة لاحقة، درست أصول علمي الجيولوجيا والتشريح.


كانت "ماري" في الـ11 من عمرها، عندما مات الأب، وترك الأسرة مدينة بمبلغ كبير، قدمت الكنيسة معونة شهرية صغيرة للأسرة، فاضطرت الأسرة لاعتبار جمع وتجارة الحفريات، مهنة ومصدرا رئيسيا للدخل.



الحفريات كمهنة


في أواخر عام 1811م، اكتشف الأخ رأسا لأحد الزواحف البحرية، ظنه في البداية رأسا لتمساح، وبفضل ماري تم الكشف عن الحفرية التي كانت هيكلا عظميا كاملا، بطول عشرة أمتار، وجسم طويل، وذيل، وأطراف قصيرة.


وبيعت الحفرية لتاجر بمبلغ 23 جنيها، لتجد طريقها إلى متحف التاريخ الطبيعي في لندن، وأطلق العلماء علي هذا الكائن- فيما بعد- اسم" الإكثيوصورات".


كان اكتشاف "الإكثيوصورات" كشفا هاما للعلم، لكنه لم يحل الأزمة المالية للأسرة، لكن ماري، التي تعرف المنطقة جيدا، تطورت مهاراتها بصورة كبيرة، وصارت خبيرة في توقع وجود الحفريات في مناطق محددة، وطرق استخراجها.



وفي عام 1823م، وجدت حفرية كاملة، بطول 9 أمتار، وعنق طويل، وذيل قصير، ورأس صغيرة، وأربعة من الزعانف تشبه المجاديف، ورغم أنها كانت حفرية نادرة، بيعت بمبلغ 100 جنية فقط، وأدى اكتشافها إلى معرفة جنس جديد من الزواحف البحرية، سمى فيما بعد بـ "البلصورات".


بعدها بدأت ماري تلمع كجامع حفريات محترف، وافتتحت محلا لبيع الحفريات جذب إليه الزوار، من بريطانيا وخارجها، كما تطور حسها التجاري فصارت تاجرا ذكيا، ومع كل كشف جديد، كان ينعقد المزاد، وعلى سبيل المثال، تم بيع الحفرية الثانية الكاملة للـ"بلصورات"، لمتحف التاريخ  الطبيعي بمبلغ 100 جنيها.



تعاونت "ماري" مع علماء كبار، داخل وخارج بريطانيا، منهم، "وليام باكلاند"، و"تشارلز ليل"، عالم الجيولوجيا الموسوعي، وأحد ملهمي تشارلز داروين في علم البيولوجيا، وهنري بيتش، أول رئيس لهيئة المساحة الجيولوجية في بريطانيا، والفرنسي جورج كوفييه، والألماني لودفيج ليشارد، والسويسري "لويس أجاسيز"، الذين اعتبروها، مصدرا موثوقا للمعلومات والحفريات.



في عام 1828م، حققت "ماري" اكتشافين هامين، فوجدت جراب وحقيبة الحبر لنوع من اللافقاريات البحرية "البليمنوسيبيا"، كما وجدت أول حفرية لأحد الزواحف المجنحة المنقرضة خارج ألمانيا، وجلب هذان الكشفان اهتماما وشهرة عريضة في بريطانيا بكاملها، وفى العام التالي اضطرت لأول مرة لمغادرة "لايم ريجيس" إلى لندن، لحضور حفل تكريم أقيم لها.


بعدها، اكتشفت "ماري" حفرية هامة لنوع من الأسماك، اعتبر فيما بعد حلقة الوصل التطورية بين أسماك الأشعة وأسماك القرش، كما اكتشفت حفريات لنوع آخر من "البلصورات" سمى بعدها "بلصورات ماكروسيفالوس".


اعتراف وتقدير


في عام 1838م، طلبت الجمعية البريطانية لتقدم العلوم، من الحكومة دعما ماليا لـ "ماري"، تقديرا لمساهمتها، فخصصت لها الحكومة منحة سنوية مقدارها 25 جنيها، وفى وقت لاحق منحتها الجمعية الجيولوجية في لندن عضويتها الفخرية.



عانت "ماري" في سنواتها الأخيرة من أزمات مالية وصحية مستمرة، برغم زيادة  قيمة المنحة المخصصة لها، ورغم اختيارها عضوا فخريا في مجلس أمناء متحف مقاطعة دورست.


لم تتزوج "ماري"، وماتت بسبب سرطان الثدي، في 9 مارس 1847م، قبل أن تكمل عامها الـ 48، وبموتها خسرت الجيولوجيا، وبريطانيا، والبشرية، خسارة كبيرة.



بعد موتها، نصبت الجمعية الجيولوجية لوحا تذكاريا من الزجاج الملون، رسمت علية صورة لها، وفى أواخر القرن الماضي، وأقيم متحف للحفريات في المنزل الذى عاشت فيه، حفاظا على إرثها، وتخليدا لذكراها.


وحتى الآن، لا تزال حفرياتها قائمة في متاحف العالم، تقدم مادة علمية ثرية، عن الكائنات البحرية في العصور القديمة، ومسارات تطورها، ويبقى إرثها -معلما- عبر العصور، وكأنها تحولت –هي- إلى حفرية تحكي لنا فصلا بديعا من فصول الحياة الطبيعية.



كتب عنها عدة كتب، منها" حياة في الصخور لـ" نايجل كلارك"، و"ماري آننج وتنين البحر" لـ"جيانين أتكنز"، وكتب عنها الأديب البريطاني العظيم "تشارلز ديكنز"، في مقال نشر عام 1865م: "لقد حققت ابنة النجار مكانة رفيعة لنفسها، واستحقت أن تنالها ".