التوقيت الثلاثاء، 12 أغسطس 2025
التوقيت 07:15 م , بتوقيت القاهرة

تاريخ الضوء.. شعاع النور الذي يلاحقه العلماء

في البدء كانت الشمس، مصدر الأرض الأساسي من الضوء، وبقدر قدم الشمس، بقدر ما شغل النور والضوء مخيلة الإنسان، للدرجة التي وصلت إلى الاعتقاد في الضوء كمقدس يدخل في عناصر خلق الكون، كما عبدته بعض الشعوب في صورة نار مقدسة تشع ضوئها ودفئها، وقد كان الإغريق القدماء أول من حاولوا الوصول إلى بعض النظريات حول الضوء.

وإن كانت الإسهامات الحقيقية في اكتشاف طبيعة الضوء قد بدأت في القرن الحادي عشر، على يد العالم العربي "الحسن بن الهيثم"، الذي اهتدى إلى طبيعة الضوء ووظائفه وحالة القمر وقوس قزح والمرايا ذات القطع المتكافئ والمرايا الكروية والكسوف والخسوف والظلال، وأفاد علمه حول البصريات الكثير من العلماء الأوربيين في العصور التي تليه.

وصحح "ابن الهيثم" الكثير من المفاهيم القديمة السائدة منذ نظريات أرسطو وبطليموس وإقليدس، ليشار إليه باسم "أبو البصريات الحديثة"، كما وضع أسس المنهج التجريبي العلمي كما نعرفه اليوم، وقد كانت أولى إسهاماته فيما يخص الضوء تصحيحه المفهوم الخاطئ القديم المرتبط بسقوط الضوء من العين على الأجسام لرؤيتها، والتي أيدها إقليدس، واستبدل بها النظرية الصحيحة حول انعكاس الضوء من الأجسام إلى العين فتسبب رؤيتها.


 


سباق علمي وراء الضوء


كان العالم الإنجليزي "إسحاق نيوتن" أول من نفى عن الضوء نقائه وقداسته، عندما حلله بالمنشور الزجاجي إلى ألوان الطيف السبعة، في عام 1666، ليبدأ البحث وراء الضوء يكتسب كثيرا من التعقيد، منذ نهاية القرن السابع عشر الميلادي، عندما قدم الفيزيائي والفلكي الهولندي "كريستيان هيجنز" نظرية تشرح طبيعية الضوء كظاهرة موجية، في عام 1690، وبعد تقديم هيجنز لنظريته، قدم نيوتن نظرية منافسة ترى الضوء كجسيمات متناهية الصغر تطلقها الأجسام المشعة للضوء، وبالجمع بين نظريته الجسيمية وقوانين الميكانيكا الخاصة به، تمكن نيوتن من تفسير العديد من الظواهر البصرية.
 


وطوال الـ100 عام التالية، سيفضل العلماء نظرية نيوتن الجسيمية حول طبيعة الضوء عن النظرية الموجية لهيجنز، فعلى الأرجح، فرضت هيبة نيوتن ومكانته العلمية نفسها في ظل عدم وجود تجارب كافية للمقارنة المتعمقة بين النظريتين.
 


في النهاية، كان علينا الانتظار حتى عام 1801، عندما قدم العالم الإنجليزي "توماس يونج" بمشاركة الفيزيائي الفرنسي "أوجستان فرينل" تجاربهم المهمة على حيود وتداخل الضوء، والتي لا يمكن تفسيرها سوى على أساس النظرية الموجية، وبذلك استعادت النظرية الموجية لهيجنز مكانتها، وأصبحت الغالبة على تفسير طبيعة الضوء، خلال القرن التاسع عشر.
 


تلقت النظرية الموجية دعم إضافي من النظرية الكهرومغناطيسية، التي قدمها الفيزيائي الأسكتلندي "جيمس كليرك ماكسويل"، في عام 1864، والتي أوضحت أن الحقول الكهربية والمغناطيسية تنتشر معا بسرعة الضوء، وبذلك أصبح واضحا أن الضوء المرئي هو شكل من أشكال الإشعاع الكهرومغناطيسي، وأنه لا يشكل سوى جزء صغير للغاية من الطيف الكهرومغناطيسي، وتأكدت نظرية ماكسويل تجريبيا مع اكتشاف موجات الراديو على يد الفيزيائي الألماني "هاينريش هيرتز"، في عام 1886.


 


النظرية الحديثة حول طبيعة الضوء


مع قبول النظرية الكهرومغناطيسية للضوء، بقيت مشكلتان رئيسيتان، أولها كان الأثير المضيء luminiferous ether، التي افترضها العلماء كوسط ناقل لموجات الضوء، تماما كالماء أو الهواء الناقل للموجات الصوتية، وكان اعتقاد العلماء أن الأثير هو الوسط الذي يملأ الفراغ، أي موجود في كل مكان، مثل الهواء الذي يحيط بنا، بالإضافة إلى أن الأثير يجب أن يوجد في كل الكون ليبرر حركة الضوء في الفضاء، وقد فشلت كل التجارب التي حاولت تقديم دليل على وجود الأثير، مثل تجارب ميكلسون ومورلي، بين عامي 1881 و1887، ومع نشر نظرية النسبية الخاصة لألبرت أينشتاين، في عام 1905، تبين عدم أهمية الأثير لنظرية الكهرومغناطيسية، لتستبدل الفكرة برمتها في الفيزياء الحديثة بنظرية النسبية وميكانيكا الكم.
 


المشكلة الرئيسية الأخرى، كان تفسير مختلف ظواهر الضوء، مثل التأثير الكهروضوئي، أي انبعاث الإلكترونات من الأجسام الصلبة والسائلة والغازية عند امتصاص الطاقة من الضوء، ومرة أخرى قدم أينشتاين حلا لها، في عام 1905 أيضا، فقد مدد أينشتاين من نظرية الكم أو الكوانتم للإشعاع الحراري، التي قدمها ماكس بلانك في عام 1900، لتغطي الاهتزازات، ليس فقط من مصدر الإشعاع، ولكن أيضا للإشعاع نفسه، وقد أشار أينشتاين إلى أن الضوء، مثل غيره من أشكال الإشعاع الكهرومغناطيسي، ينتقل في صورة حزم صغيرة من الطاقة تسمى بالفوتونات، وأن طاقة كل فوتون تتناسب طرديا مع تردده.


 


الضوء صانع الحياة


بمجرد أن وضع الإنسان يديه على بعض حقائق الضوء، اشتعلت سلسلة طويلة من الابتكار والتطوير في مجال علوم البصريات والضوء، ظهر أثرها الواضح على الطب وتقنيات الرؤية والإبصار وعلوم الحياة بشكل عام.
 


في الطب، كان للتقدم في تقنيات الضوء الفضل في ثورة الصناعات الطبية، كالتصوير والآشعة الطبية وعمليات المناظير وتشخيص الأمراض بالأجهزة التي تعتمد على استخدام الضوء، فعلي سبيل المثال، لا تخرج أجهزة الأشعة المقطعية والرنين المغناطيسي والموجات فوق الصوتية والأشعة السينية (أشعة X) عن كونها تطبيقات متقدمة تستفيد من خواص الضوء، وحتى الليزر، الذي اُكتشف قبل 50 عاما، وأصبح يشكل تقنية حاسمة في علاج الأمراض الجلدية والعيون والأسنان والأورام، هو مجرد ضوء مركز عالي الطاقة.
 


وفي علوم الحياة، كالفيزياء والفلك والكيمياء وعلوم الأرض، فقد كان لتقنيات الضوء والبصريات المتقدمة أهمية كبيرة في استكشاف حياتنا وفهم البيئة المحيطة بنا، بداية من اختراع التلسكويات الفضائية والميكروسكوبات المكبرة والنظارات الطبية والكاميرات عالية الدقة والألياف الضوئية الناقلة للبيانات، وغيرها.