التوقيت الجمعة، 02 مايو 2025
التوقيت 07:52 م , بتوقيت القاهرة

الحسن بن الهيثم.. أبو البصريات الحديثة الذي تحتفل به الأمم المتحدة

يحتل الحسن بن الهيثم موقعه كواحد من أهم علماء الفيزياء الذين أنجبتهم الأرض العربية، بل تتعدى أستاذيته حدودها، ليعتبر أستاذا لعلماء الفيزياء الأوروبيين في مطلع العصور الوسطى، بشهادتهم أنفسهم، لذلك لم يكن غريبا أن تختار منظمة الأمم المتحدة إنجازاته، لتكون محورا لاحتفالها بالسنة الدولية للضوء 2015، فتكرم عالما عربيا قديرا، كانت دراسة سلوك الضوء والبصريات همّه الأول، والتي أظهر فيها تفوقا على من جاءوا بعده، طوال سبعة قرون تقريبا، حتى مطلع القرن السابع عشر، عبر أكثر من 200 مخطوطة وكتاب في مختلف المجالات التي عالجها ابن الهيثم.


 



 


نشأته


حكايات متضاربة تصف نشأة ابن الهيثم وحياته، بداية من أصوله التي اختلف حولها المؤرخون ما بين العربية والفارسية، وإن رجحوا أصوله العربية في نهاية الأمر، وآخرها استدعاء الخليفة الفاطمي الحاكم بأمر الله له للحضور إلى مقر الخلافة في مصر، لتنفيذ مشروع لتنظيم مياه النيل، وقد اعتذر ابن الهيثم لعدم قدرته على تنفيذ أفكار الخليفة، بعد معاينته للنيل في جنوب مصر، لأن الحاكم بأمر الله اشتهر بقوانينه الغريبة التي توصف كثيرا بالجنون، فقد خاف ابن الهيثم على حياته، فتظاهر بالجنون، ليتم تحديد إقامته في منزله، منذ عام 1011 حتى وفاة الخليفة في 1021، وتوفي ابن الهيثم في القاهرة عام 1040م.


في عام 965 م، شهدت البصرة مولد أبي علي الحسن بن الحسن بن الهيثم، وقد بدأ الطفل الصغير في تلقي العلم مبكرا، واستغرقته الكتب العلمية، ليقدم إسهامات كبيرة في الرياضيات والبصريات والفيزياء والفلك والطب، وليصحح الكثير من المفاهيم القديمة السائدة منذ نظريات أرسطو وبطليموس وإقليدس، ليشار إليه باسم "أبو البصريات الحديثة"، كما وضع أسس المنهج التجريبي العلمي كما نعرفه اليوم.


 



 


أعماله في الضوء والبصريات


يعتبر كتاب "المناظر"، أهم أعمال الحسن بن الهيثم، على الرغم من تأثره بعض الشيء بأعمال بطليموس حول البصريات في القرن الثاني الميلادي، فقد ضم كتاب ابن الهيثم النموذج الصحيح لمفهوم الرؤية، وصحح المفهوم الخاطئ القديم المرتبط سقوط الضوء من العين على الأجسام لرؤيتها، والتي أيدها إقليدس، واستبدل بها النظرية الصحيحة حول انعكاس الضوء من الأجسام إلى العين فتسبب رؤيتها، كما كان ابن الهيثم أول من قدم تشريحا مفصلا للعين البشرية وطبيعة تكوينها وعملها، ويجمع الكتاب بين التجربة والتفكير الرياضي المنطقي والسببية، ويضم القوانين الكاملة لانعكاس الضوء، وتحقيق مفصل عن انكسار الضوء، بما فيها تجارب لزوايا سقوطه وانحرافه.


في عام 1020، قدم ابن الهيثم وصفا للكاميرا المظلمة، حينما تنعكس صورة حقيقية للشيء داخل صندوق مظلم، يمكن رؤية الصورة من داخله أو عكسها على سطح خارج الصندوق لرؤيتها عليه، وقد قيل إن ابن الهيثم كان أول من صنع تلك الكاميرا قديمًا، وأنه استخدم المرايا لجعل الصورة المعروضة معدولة، وهو ما مهد لاختراع الكاميرا وآلة التصوير، بينما يقال إن ابن الهيثم نفى اختراعه لها، وإن أجرى التجارب البصرية عليها.


 



 


وعلى الرغم من قدم معرفة القدرات التكبيرية للكرات الزجاجية أو بعض المجوهرات والكرات الشفافة المملوءة بالماء، جاء أول حديث علمى عن العدسات المكبرة وعملها، على يد ابن الهيثم، في القرن الـ 11 الميلادي، كما أورد في كتابه "المناظر" معادلة من الدرجة الرابعة حول انعكاس الضوء على المرايا الكروية، ما زالت تعرف باسم "مسألة ابن الهيثم"، وصحح من الفهم السابق لعمل العدسات، وقد كان لكتابه "المناظر" تأثير كبير على أوروبا، بعد ترجمته إلى اللاتينية في عام 1572، حيث فتح الباب أمام علماء آخرين للحديث عن القدرات التكبيرية للزجاج، طوال القرنين التاليين، في حين يمكن القول إن أعمال ابن الهيثم عن العدسات المكبرة هي أساس صناعة العدسات، التي بدأت بشكل تجاري واسع في إيطاليا، في القرن الـ 13 الميلادي.


وامتد تأثير ابن الهيثم إلى مرحلة صنع الميكروسكوبات المكبرة والتلسكوبات المقربة وغيرها من آلات الرؤية والإبصار، بسبب ما قدمه من تفسيرات مهمة حول طبيعة عملها وتحقيق قدرتها.


 



 


أعماله في الفلك


يأتي كتاب "تكوين العالم" على رأس قائمة أعمال ابن الهيثم في علم الفلك، وعلى الرغم من انتقاداته الموجهة لبطليموس، تقبل بن الهيثم نظرية بطليموس حول كون الأرض مركز الكون، وقدّم وصفا تفصيليا للمجالات السماوية، وكان له تأثير على علماء فلك مثل جورج فون بيورباخ في أوروبا العصور الوسطى وعصر النهضة.


وفي كتاب "المناظر"، كان ابن الهيثم أول من اكتشف أن المجالات السماوية لا تتكون من أجسام صلبة، كما اكتشف أن الفضاء أقل كثافة من الهواء، وهو ما أثبته بعد ذلك العالم البولندي ويتلو، وكان لهذا تأثير كبير على أعمال كوبرنيكس وتيخو براهي في علم الفلك، وقد تركت أعماله أثرا كبيرا، ليس فقط على مفكري القرن الـ 13 الميلادي، مثل روجر باكون، الذي تأثر بابن الهيثم عندما وضع قوانين المنهج العلمي، ولكن امتد تأثيره إلى العلماء الأوروبيين اللاحقين، مثل جورج بيورباخ (1423 – 1461)، ويوهانس كبلر (1571 – 1630)، وغيرهم.


 



 


أعماله في الرياضيات


قدم ابن الهيثم حلولا للعديد من المسائل الرياضية، ووضع نظاما للقطع المخروطي ونظرية الأعداد، التي تعتبر من أقدم أعمال الهندسة التحليلية، وربط بين الجبر والهندسة، وهو ما استفاد منه رينيه ديكارت في تطوير الهندسة التحليلية، وإسحاق نيوتن في التفاضل والتكامل.


في كتابه "حل شكوك في كتاب إقليدس"، بحث ابن الهيثم بعض حالات براهين إقليدس حول نظرية الأعداد، التي تنص على وجود عدد لا نهائي من الأعداد الأولية، وقدم براهين بديلة، واستبدل بعض البراهين غير المباشرة بأخرى مباشرة.


 


أعماله في علوم الأرض


في كتابه "ميزان الحكمة"، شرح ابن الهيثم كيف يشتت ويبعثر الغلاف الجوي للأرض ضوء الشمس، واستخدم ضوء الشفق، الذي يظهر في جهة الغرب بعد غروب الشمس، كوسيلة لحساب ارتفاع الغلاف الجوي.


 


أعماله في علم النفس


في علم النفس والموسيقى، كان لابن الهيثم مخطوطة حول تأثير الأنغام على نفسية الحيوانات، وهي أقدم مخطوطة في هذا المجال، وقد ضرب أمثلة بخصوص كيفية تأثيرها على سلوك الحيوان ونفسيته، وأجرى تجاربه على الطيور والخيول والزواحف.