منيرة المهدية.. "السلطانة" التي قتلها "كيد النسا"

منيرة المهدية
عمرو شاهين
السبت، 11 مارس 2017 06:19 م

تقف على خشبة مسرح عزيز عيد، لتمثل وتغني لأول مرة، تقدم شخصية فتى يدعى "حسن" لتصبح بذلك أول امرأة مصرية تقف على خشبة مسرح في التاريخ، ولكن حتى أكثر الحضور تفاؤلا بالموهبة المنطلقة والصوت الجيد لم يتوقع أن تتحول الفتاة التي تؤدي دور حسن إلى سلطانة الطرب التي اهتز من أجلها " شنبات" رجال الدولة، لم يتوقع أحد أن يتحول اسم "منيرة المهدية" إلى ماركة مسجلة في تاريخ الغناء المصري.
الطريق إلى العرش
البداية من قرية المهدية بمركز هيها بمحافظة الشرقية، زكية حسن منصور في 16 مايو عام 1885، توفي والدها صغيرا فأصبحت في كنف ورعاية أختها؟، والتي أودعتها مدارس الراهبات بالإسكندرية، ولكن سرعان ما عادت منيرة للزقازيق حيث احترفت الغناء في أحد المقاهي الشعبية، ليشاهدها المعلم "محمد فرج" ليعرض عليها أن تغني وترقص في مقهاه في القاهرة.
في القاهرة أولى خطوات منيرة المهدية نحو كرسي السلطنة، العام 1905، تسيطر العوالم على "كار" الغناء والرقص، بينما تحاول الفتاة الشرقاوية الصغيرة أن تجد لنفسها مكانا بينهن، 10 أعوام أو يزيد ظلت الفتاة التي تحولت من زكية لمنيرة وأخذت اسم قريتها لتصبح منيرة المهدية، تغني في المقاهي، حتى نجحت في الانضمام لفرقة عزيز عيد.
في الفرقة كانت أعجوبة الزمن أن يشاهد المتفرج المصري فتاة على المسرح، فقد اعتاد أن يشاهد فتيان يقدمن أدوار النساء دائما، هذه أول مرة تقف فتاة على المسرح ولكن الغريب ان الفتاة هنا تقف على المسرح لتقدم دور فتى، سرعان ما لمع نجم منيرة المهدية لدرجة انها كانت تشرط أن يكتب اسمها في دعاية الفرقة وبجواره لقب "الممثلة الأولى".
بعدها كونت منيرة فرقتها الخاصة وانشأت ملهى ليلى أسمته "نزهة النفوس" والذي تحول في أيام معدودة إلى قبلة كل أصحاب الفكر والثقافة والسياسة والمال في مصر، فجمعت منيرة المهدية في ملهاها الدولة المصرية بكل اشكالها وقوتها، ويبدو ان قوة شخصية منيرة المهدية كانت السبب الأول والرئيسي في نجاحها، وقدرتها على فتن من حولها جعلها ترتقي بسرعة البرق لتصبح سلطانة الطرب، فتبعد كل منافسيها.
منيرة المهدية تعاملت مع نوابغ تلك الفترة من شعراء وملحنين، وعلى رأسهم سيد درويش والشيخ سلامة حجازي والشيخ زكريا أحمد والشيخ أبو العلا محمد، والموسيقار محمد عبدالوهاب والموسيقار محمد القصبجي، والموسيقار صبري النجريدي وغيرهم، ولكن مثلما جاءت السلطانة من الدلتا، جاء الخطر من الدلتا أيضا، خطر يهدد بزوال عرشها للأبد.
النزول عن العرش
من طماي الزهيرة أتت تلك الفتاة وقبيلتها بقيادة والدها، لتسمع القاهرة صوتها، في البداية لم تهتز السلطانة للفتاة التي تقف على المسرح تغني وهي ترتدي جلباب وعقال، وأكن منيرة نست انها أيضا بدأت على المسرح في ملابس فتى، رويدا رويدا تكسب أم كلثوم الفتاة أرضا بعد أخرى، تصبح حديث الجميع، يصبح لها "فرقة" تستولي على اهتمام القصبجي والنجريدي، بينما يموت الشيخ أبو العلا محمد، وتخطف الفتاة الصغيرة ألحان الشيخ زكريا احمد.
لم يبق الكثير من ملحني السلطانة بجوارها، الأغلب تحول عنها للقادمة الجديدة، حتى وصلت شهرة أم كلثوم للحد الذي شعرت معه السلطانة بالخطر، فعرشها الذهبي تحت التهديد، والخطر هنا مزدوج، خطر الزمن والذوق الذي يتغير، وخطر الفتاة التي استطاعت ان ترضى الاذواق وتسرق الأذهان والاسماع بصوتها، للك لجاءت منيرة للحيلة الخالدة "كيد النسا".
ألقت السلطانة بشباكها حول ناقد مسرحي وصحفي شاب، يدعى محمد عبدالمجيد حلمي، وكان يرأس تحرير جريدة المسرح ذائعة الصيت وقتها، وبالفعل يقع عبدالمجيد حلمي في غرام السلطانة، ومن لا يفعل إذا القت الفتنة شباكها حوله، اصبح عدد مجلة المسرح مخصص فيها مقال يكتبه حلمي بنفسه لذم ام كلثوم، حتى وصل الامر لسب ام كلثوم في شرفها وإشاعة انها تعرضت لحادثة اغتصاب في صباها اثناء إقامتها في طماي.
ولولا تدخل عدد من الحكماء في الأمر وعلى رأسهم الشيخ أمين المهدي، كان والد ام كلثوم قد حل مضارب قبيلته في القاهرة وحمل "الست" وعاد بها للقرية ترعى الدجاج والبط، وحرمنا من نعمة صوتها.
بعدها حاولت منيرة التي أصبح هناك شك في كونها السلطانة الانه، وأصبح عرشها خارج عن سيطرتها، ان تعيد الكرة مع الصحفي فكري اباظة ولكن ام كلثوم كانت أكثر فطنة فعقدت صداقة مع فكري اباظة وجعلته أحد أهم مستشاريها وخاصة في مجال الصحافة، إضافة ان الجفاء التي عاملت به السلطانة لضحيتها الأولى محمد عبدالمجيد حلمي، جعله يقع فريسة المرض، ومع رفضها لزيارته، ووفاته بعدها، استل جميع اصدقاءه الصحفيين والكتاب أقلامهم وهاجموا السلطانة بضراوة لينزلوها عن العرش لتصبح او سلطانة تقهرها الصحافة وتخرجها من منصبها.
بعدما قدمت للسينما فيلم يتيم عام 1935 بعنوان الغندورة، اعتزلت منيرة المهدية الفن، بعد زواجها، وظلت بعيدة عن الوسط الفني حتى عام 1948، حينما قررت ان تعود للفن من جديد، ولكن السلطنة كانت ولت، ليس من الفن فحسب بل من البلاد بأكملها، ولم يعد يحكم مصر سلطان بل يحكمها ملك، ولم تعد ام كلثوم سلطانة بل أصبحت كوكب الشرق، حفلة وحيدة قدمتها السلطانة السابقة منيرة المهدية، قبل ان تقرر الاعتزال النهائي، بل إنها أصبحت من معجبات ام كلثوم، فكانت تسهر ليلة كل خميس تستمع لحفلة الست في الإذاعة، حتى توفها الله في 11 مارس عام 1965.
لا يفوتك