التوقيت الثلاثاء، 12 أغسطس 2025
التوقيت 07:20 م , بتوقيت القاهرة

"تقعقع في البيداء غير مزركل".. إنجليزي دا يا مرسي

كتبت- ناهد سميروطلال رسلان:

هل وقعت عيناك أو سمعت من شخص يوما هذه الكلمات "أَلَمٌ أَلَمَّ أَلَمْ أُلِمَّ بِدَائِهِ.. إِنْ آنَ آنٌ آنَ آنُ أَوَانِهِ"؟.. هذا بيت من أبيات أبي الطيب المتنبي وهو من أصعب ما قال في الشعر، وإذا صعب عليك تفسيره فهذا معناه ببساطة: (أَلَمٌ) (أَلَمَّ) (أَلَمْ) (أُلِمْ) (بِدَائِه)، بمعنى: (وجعُ) (أحاط بي) (لم) (أعلم) (بمرضه)، أما (إنْ) (آَنَّ) (آنٌ) (آنَ) (آنُ) (شِفَائِه)، فمعناه: (إذا) (توجع) (صاحب الألم) (حان) (وقت) (شفائه).

هذا المثال السابق وغيره الكثير دفع قطاعا عريضا من النقاد أو حتى غير المتخصصين في اللغة يرى أن "العربية" بالفعل قد تكون من أصعب اللغات، لأنها بحر من الكلمات والمعاني، لذلك نعرض في السطور التالية بعضا مما قيل في الشعر قد نكون سمعناه من قبل ولكن هو غريب في معناه ويصعب فهمه.

يقول المتنبي في بيت آخر:

عِشِ أبْقِ اُسمُ سُدْ قُدْ جُدْ مُرِ اُنْهَ رِ فِ اُسْرِ نَلْ
غظِ اُرْمِ صِبِ اُحْمِ اُغْزُ اُسْبِ رُعْ زِعْ دِ لِ اُثْنِ نُلْ

وقبل أن تقرأ شرح هذا البيت لا تنس أن تترحم على المتنبي:

عش: من العيش، عش في نعمة سالمة، حتى تفني أعداءك، وأبق: من البقاء، وأبق في عزّ مؤبد، حتى تحيىَ أولياءك، واسم: من السموّ، أي أعل على كلّ الملوك بالقهر والغلبة، وسُد: من السيادة، وسُد أهل زمانك بالكرم والفضل والشجاعة، وجد: من الجود، وجُد بعطائك على أوليائك، وقُد: من قَوْد الخيل، وقُد الجيش إلى أعدائك، ومر: من الأمر، ومُر مسموعاً أمرك، وأنه: من النهى، وأنه غير مخالف نهيك، ورِ: من الورى، وهو داء في الجوف، يقال: وَرَاه اللّه، وفِ: من الوفاء،وفِ لأوليائك بإحسانك إليهم، وبنعمك عليهم، وأسر: من سرى يسرى، وأسرِ إلى أعدائك بجيوشك لتستأصلهم، ونِل: من النيل، وهو العطاء، ونل ما تبغيه بسعدك، وإقدامك وتأييدك، لأنك مؤيَّد بالنصر، وغظ: من الغيظ، وغِظ بظهورك من يحسدك، وأرم: من الرمي، وأرم ببأسك من يخالفك، وصب من تعتمده برميك، وصب: من صاب السهم الهدف يصيبه صيبا، أي أصِب رئاتِهم بإيجاعك لهم، وأحم: من الحماية، وأحم ذمارك، بهيبتك وببأسك، واغز: من الغزو، وأسب: من السَّبي، وأسب بجيوشك حريم أعدائك، ورع: من الروع، وهو الإفزاع، وزع: من وزعته، إذا كففته، وزع: أي كفّ بوقائعك مسلطهم، ودِ: من الدية، أحمل الديات متفضّلاً على تبعك وحشمك، ولِ: من الولاية، ولِ الأمصار مشكوراً في ولايتك، وأثن: من ثنيته، وأثن الأعداء عنها بحمايتك، ونل: من نلته أنوله، إذا أعطيته.



وروي أن الخليفة العباسي الأمين قال ذات مرة لأبي نواس: "هل تصنع شعرا لا قافية له؟ فأجاب أبو نواس: نعم، وارتجل على الفور، قائلا:

ولقد قلت للمليحة قولي.. من بعيد لمن يحبك (...) إشارة إلى قبلة
فأشارت بمعصم ثم قالت.. من بعيد خلاف قولي (...) إشارة لا
فتنفست ساعة ثم إني.. قلت للبغـل عند ذلك (...) إشارة أمش

علما بأن القوافي في هذه الأبيات صوتية، ولكنها لا تكتب وهذا الأمر يعد من عجائب أبي نواس، وتعد هذه القصيدة أيضا من القصائد الغريبة التي لا يفهم معاني كلماتها:

تدفق في البطحاء بعد تبهطلِ.. وقعقع في البيداء غير مزركلِ
وصار بأركان العقيش مقرنصا.. وهام بكل القارطات بشنكلِ
يقول وما بال البحاط مقرطما.. ويسعى دواما بين هك وهنكلِ‎
إن الشلايخ فى الهجايص.. حيثما تهيهع المتهيهع المتجبل
مدعشر بالقحطلين تحشرمت.. شرابتاه فخر كالخربعسلي
وما بال البحاط مقرطما.. يسعى دواما بين هك وهنكلِ‎
إذا أقبل البعراط طاح بهمةٍ.. وإن أقرط المحطوش ناء بكلكلِ
يكاد على فرط الحطيف يبقبق.. و يضرب ما بين الهماط وكندلِ‎
فيا أيها البغقوش لست بقاعد.. لا أنت في كل البحيص بطنبل

إضافة إلى هذه الأبيات الغريبة، مثال آخر على شعر الأقلاب، هذه الأبيات مدح قبل قلبها:

حلموا فما ساءَت لهم شيم.. سمحوا فما شحّت لهم مننُ
سلموا فلا زلّت لهم قدمُ.. رشدوا فلا ضلّت لهم سننُ

ومن طرائف الشعر أيضا قصيدة مدح لنوفل بن دارم، إذا اكتفيت بقراءة الشطر الأول من كل بيت فيها، فإن القصيدة تنقلب رأس على عقب وتتحول من المدح إلى الذم، تقول أبياتها:

إذا أتيت نوفل بن دارم.. أمير مخزوم وسيف هاشم
وجدته أظلم كل ظالم.. علي الدنانير أو الدراهم
وأبخل الأعراب والأعجام.. بعرضه وسره المكاتم.

أما إذا قُرئت كقصيدة ذم فتبدو كالآتي:

إذا أتيت نوفل بن دارم.. وجدته أظلم كل ظالم
وأبخل الأعراب والأعجام.. ولا يراعي جانب المكارم

أما تلك القصيدة فهي تحمل بعضا من الغرابة، وهي عجيبة تحمل معنى المدح وبتغيير حرف يتحول المعنى إلى الذم وتقول كلماتها:

أيا كاتبا طاب فيك الرجاء وطابت مساعيك و(الطاء) خاء
كتبت الرواية و(الراء) غين وكان الثنا منك و(الثاء) خاء
بليغ كما قيل و(الغين) دال خبير نعم أنت و(الراء) ثاء
جميل بلا شك و(الجيم) عين كريم بفعلك و(الميم) هاء
كتبت سطورك و (اللام) قاف بفهم سليم بغير انتـــهاء
عظيم المبادئ و(الظــاء) قاف سليم العبارة و(الميم) طاء
أميـر الصحافة و(الحـاء) لام سفير الثقافة و(الراء) هاء
يحل بمثلك عصر الســـــــلام فيحيا به الجيل و(السين) ظاء
وتسعى دؤوباً لنشر السطور بأرض الفضيلة و(الطاء) فاء
تذاع الكرامة في محفل حواك وصحبك و(الذال) باء
وكم ترفع الرأس و(الراء) كاف وتمسـي على الجمر و(الجيم) خاء
إلى غاية لك و(الصاد) شين تطيل لصهواتك الامتطاء
فيا كاتباً سار و(التاء) ذال و يا ناقدا طار و(النون) حاء
مدحت الغواني و(الغين) زاي ورمت فضائل و(اللام ) حاء
وشدت قصــــور الفضيلة عمرا فصارت بفضلك و(الصاد) باء
وخط مدادك دون رياء جميــــع المقالات و(الراء) حـــاء
كأن حروفك و (الصاد) ميم تجـــــــلي لنا كيف صوت الحياء
فســــــــبقك للخيــر من غير (قاف) وحربك للسوء من غير(راء)
سبتـك الحضارة و(الضــاد) قاف بظل الستارة و(التاء) فاء
فمارست مذ صرت تلعب دورا فنون الإدارة و(الدال) ثاء
وجئت تطل بشتى الوصايا وأغنى التجارب و(النون) باء
سلكت رؤى الدرب و(الدال) غيـن وصنت عرى الدين و(الصاد) خاء
فقف عند حدك إنا نثرنا لكشــف الخبايا حروف (الهجاء).

ومن القصائد التي تبدو غير مفهومة لعدم وجود "تشكيل" على كلماتها، ما يتسبب في عدم فهم معانيها، هذه القصيدة التي كتبها شاعر يدعى صلاح أبو غريب:

هـل الهـلال وهـامــل الـدمـع مدرار = لا هـل واهــمـل ماطـره، كلـهلل هـل

عـلى مـود مـلـك الله ولا صــــــــار = له، والـمـهـا مـالـه، ولا رسـم ما كـل

صـور وصـار المـلح والدل والكــار = لا رام لــه حــال ولا الـمــال لــه حــل

لـو صاح صالح طالعه سـاع ما دار = اود عـلى صــدره على الـمسـك عمّل

سامح محمد لا رأى روس الاسطار = وحــسـامـه الـصـارم لراع الهوى سل

ولا رد كود اهلا وسـهلا لـه كـــرار = والـحــلـم هـو.. والـعـلـم دلـه ولا دل

اسـالـه و مـا درى الـود مــا صــار = و لا و لا لــه.. كـــم دور لـــهـم عــل

أول صدور مواصله والهوى صـار = لـمـا الــدهــر رده عـلـى حــالـــه اوّل

مـا صح عله والرعـد مـا وسـم دار = والحال حال الحول والحـمـل مـا حـل

ولـولا حلاها حلهـا روس الأكـــوار = ما حل لـه دل ولو هــو.. حــل ما دل

عسا عسـى مـا كمل الــدار.. للدار = عاد الرحا دوره على روس الأوحال

وصلوا على طه عدد رمـل الاوعــار = او ما كسا سهــل الـوطا للسما طل.

ولعل بعضنا يعرف الموقف الذي حدث مع الأصمعي وأبو جعفر المنصور حينما عرض الأخير جائزة لمن يسمعه قصيدة شعر لم يسمعها من قبل وكان أبو جعفر يحفظ أية قصيدة من مرة واحدة وله خادمة تحفظها من مرتين وخادم يحفظها من ثلاث مرات... شاهد القصيدة التي حيرت المنصور وخادميه ونال بسببها الأصمعي وزن ما كتب عليه القصيدة ذهبا وكان قطعة كبيرة من الحجر.