الإسكندرية.. مصرية أم يونانية؟


كتبت- غادة قدري:
الإسكندرية.. تلك المدينة الكوزموبوليتانية. تعدّ من أهم محطات عبور الجاليات الأجنبية، خاصة اليونانية، التي تربط بينها وبين السكندريين علاقة من نوع خاص، ربما لتشابه الطقس والجغرافيا، والملامح أيضا.
تواجد اليونانيون في الإسكندرية، منذ مطلع القرن العشرين، وبلغ عددهم 37 ألف نسمة عام 1882، و56 ألف نسمة عام 1917. ثم تقلصت أعدادهم بسبب سياسة التأميم في عهد الرئيس الراحل جمال عبد الناصر، وهاجر معظم أفراد الجالية، إلى اليونان والبرازيل وكندا وأمريكا وأستراليا، لكنهم تركوا بالإسكندرية، بعضا من عاداتهم وتاريخهم وخلفوا وراءهم الكثير. اخترنا بعضا من المعالم، التي تركها أبناء هذه الجالية في الإسكندرية لنحكي عنها:
صالون لامبيس
يقبع صالون "لامبيس" للحلاقة في قلب مدينة الإسكندرية، تم تأسيسه قبل أكثر من 70 عاما، على يد الخواجة اليوناني خرالامبو لابيدس، الذي اشتهر باسم لامبيس على اسم المحل. ظل المحل يعمل بإدارة الخواجة عشرات السنين، حتى قرر لامبيس أن يغادر مصر، بعدما بلغ الستين من عمره، والرجوع إلى اليونان، خاصة أن معظم الجالية اليونانية هاجرت للخارج، وتركت الإسكندرية. كان ذلك في عام 1957 وباع المحل بـ200 جنيه، وكان رقما كبيرا وقتها، والمحل مازال يعمل في الحلاقة حتى الآن.
بيت كفافيس
هو مقر منزل الشاعر اليوناني العظيم "قسطنطين كفافيس" أو " كونستانتينوس بترو كفافيس". تم تحويله إلى متحف منذ سنوات، يضم مقتنيات الشاعر اليوناني، ويعود تاريخ العمارة التي سكن فيها كفافيس إلى عام 1890، وتقع خلف دار الأوبرا في الحي اليوناني، وسط الإسكندرية.
امتلك المنزل بعد كفافيس، مساعده "سونجوبلو"، الذي باعه فيما بعد لأحد اليونانيين، الذي قام بتحويله إلى "بنسيون" واستغل اسم الشاعر للترويج له.
وباع سونجوبلو، مقتنيات كفافيّس إلى المتحف الثقافي في أثنيا. لكن بعض أصدقاء الشاعر من الجالية اليونانية والتي مازالت موجودة، استردوا ما تبقى من مقتنياته مثل دواوين أشعاره ومذكراته ورسائله الخطية، وبعض المتعلقات الشخصية، وأسطوانات موسيقية وجهاز "جرامفون"، وصور نادرة له مع الشيخ سيد درويش.
وقبل فترة قام أحد أثرياء اليونان في الإسكندرية، بالاشتراك مع القنصلية والمستشار الثقافي، بشراء بيت كفافيس، وتحويله إلى متحف، يضم المقتنيات المستردة للشاعر اليوناني الكبير.
مقابر اليونانيين
على أرض الشاطبي بالإسكندرية، ما تزال مقابر الجالية اليونانية التي عاشت بمصر، ودفنت جثامين أشهر الشخصيات اليونانية على أرض الإسكندرية، أبرزها الشاعر قسطنطين كفافيس، و"كورسي كاهو"، الذي بنى المستشفى اليوناني، قبل أن يتحول إلى مستشفى جمال عبد الناصر، وقبر "أنطونياديس"، مؤسس حديقة أنطونياديس، وتعتبر حاليا أبرز المتنزهات بالإسكندرية، وكذلك قبر رجل الأعمال اليوناني الشهير آنذاك "أسطاسي"، وتم تسمية أحد شوارع الإسكندرية باسمه.
بار الشيخ علي
أسسه شريكان يونانيان مع ثالث فرنسي عام 1900، اسم البار الأصلي "كاب دور"، واشتهر باسم "بار الشيخ علي"، بعد أن اشتراه مصري، وكان يغلقه يوم الجمعة.
حي الإبراهيمية
حي الإبراهيمية من أهم أحياء اليونان في الإسكندرية، ومازال أغلبهم ممن بقوا في الإسكندرية يعيشون فيه، وأطلق اليونان على حي الإبراهيمية "كوكينيا" أي "الحي الأحمر"، وهو نفس اسم الحي المماثل في اليونان، الخاص بالطبقة العاملة.
كان حي الإبراهيمية معقلا للطبقة المتوسطة من اليونانيين. كان أغلبها فيلات إيطاليين وأرمن، تفوح منها رائحة نبات الدفنباخيا "وِدن الفيل" والفل والياسمين، وروائح مميزة، لكن حاليا تهدمت الفيلات وبنيت مكانها عمارات ضخمة.
شارع لاجيتيه
لاجيتيه يعني "البهجة"، وضم الشارع مسرح "لونا بارك" وسينما "لاجيتيه"، وأيضا مطعم "باناجوس" اليوناني الشهير.
النادي اليوناني
أحد معالم الإبراهيمية، كان ناديا وجمعية منذ عام 1906، ومقره في فيلا بشارع الأمير إبراهيم، بين حيي الإبراهيمية وكامب شيزار، لكن ذلك المقر تهدم إبان الحرب العالمية الثانية. وبعدها انتقل النادي إلى مقره الحالي. وكانت الجمعية اليونانية تشرف اجتماعيا على النوادي اليونانية بالإسكندرية.
سوق شيديا
أشهر أسواق الإسكندرية، ومعروفة بتنوعه. وذكرت المؤلفة السويسرية إستر هارتمان، السوق في كتابها "حياتي في مصر - مذكرات فتاة سويسرية عاشت في الإسكندرية"، في الفترة ما بين (1934 - 1950)، قائلة: كنا نعيش في الإسكندرية في أربعينيات القرن العشرين، وكنت أذهب كثيرا إلى سوق الإبراهيمية "سوق شيديا حالي". وفي حي السوق كان يسكن مواطنون من بلدان البحر المتوسط، في منازل تتكون من طابق أو اثنين. وكان من بين هؤلاء ـ بالإضافة إلى المصريين - اليهود والشوام "السوريون واللبنانيون"، واليونانيون والمالطيون والأرمن والإيطاليون.
المتحف القومي بشارع فؤاد
كان في الأصل فيلا لتاجر الأخشاب اليوناني "باسيلي"، الفيلا مبنية على الطراز الإيطالي الحديث، وظلت كذلك حتى عام 1954، ثم بيع للسفارة الأمريكية، ثم اشتراه المجلس الأعلى للآثار عام 1996. يضم مجموعة رائعة من الآثار الغارقة، التي تم انتشالها من مياه البحر المتوسط، وحوالي 1800 قطعة أثرية، تشمل جميع العصور بدءا من الدولة القديمة وحتى العصر الحديث، ويكمل المجموعة التي يحتويها المتحف اليوناني.
مطعم إيليت
يقع في شارع صفية زغلول بالإسكندرية، قرب ميدان محطة الرمل، وهو أحد أشهر مقاهي الجالية اليونانية في خمسينيات القرن الماضي، ومازال محتفظا بسمته وطابعه التاريخي.
يتميز بكونه أكثر من مجرد مقهى أو كافيتريا، فهو متحف فني وثقافي، يقصده الفنانون والكتاب والمشاهير. "إيليت" كان ملكا لمدام "كريستينا كوستانتينو"، إحدى أشهر اليونانيين، الذين أقاموا بالاسكندرية، ويدير المطعم حاليا ابنها ألخيس ماسيوس، ويقال إنها كانت إحدى ملهمات الشاعر المعروف كفافيس، خلال سنواته الأخيرة.
مطاعم وكافيتريات أخرى يمتلكها اليونانيون مازالت موجودة:
"سانتا لوتشيا" بشارع صفية زغلول، يملكه الخواجة "ينّي"، والذي أنشيء بداية القرن العشرين.
حلواني "بودرو" بشارع سعد زغلول في محطة الرمل. وتملكه "لوكيا بيرليس" عن والدها، الذي امتلكه عن جدها جورج ديمتري بيرليس، سنة 1909.
"تريانون"، أسسه "بيرليس" مع عائلتي "قسطنطينيدس" و"بيريكوس" سنة 1935، تحت فندق "متروبول" بمحطة الرمل.
حلواني "ديليس"، أسسه "كليوفولوس موستاكاس"، في مواجهة الكورنيش بمحطة الرمل.
مطعم "أثينيوس"، أسسه "كوستانتينوس أثينيوس" عام 1900، واشتراه المصري "نصار".
مقهى ومطعم "بسترودس" شارع فؤاد، أسسه اليوناني بسترودس وزوجته سنه 1920.
مقهى البن البرازيلي بشارع شريف بالمنشية، أسسه الخواجة سيدارس سنه 1928.
"خاموس" في الإبراهيمية، و"سبورتنج"، أسسه الخواجة "ديمتري خاموس" سنة 1900، وتوارثه ابنه "نيكولا"، وزوجته "ألكسندرا"، وابنهما "ديمتري".
مطعم "كالا" بفندق سان ستيفانو، ومطعم "زيفريون" للأسماك على شاطئ البحر بمنطقة أبو قير. يمتلك المطعم الخواجة "بيركليس"، الذي ورثه عن والده.