التوقيت الخميس، 25 أبريل 2024
التوقيت 09:26 ص , بتوقيت القاهرة

بين الحقيقة والأسطورة.. نحكي قصة "عروس النيل" (فيديو)

كتبت- ياسمين المساوي:

في مصر القديمة، كان الفراعنة يقدسون النيل باعتباره مصدرا للحياة وللخير، لذلك رمزوا له بالإله "حابي"، وتخيلوه على هيئة رجل لديه جسم قوي، وفي أوقات أخرى، أطلقوا عليه اسم الإله "أوزوريس"، وكانوا يعتقدون أن فيضان النيل على أرض مصر كل عام هو سبب الزرع الأخضر.

وكان الإله "حابي" بحسب التاريخ الفرعوني، متقلب المزاج، فتارة يأتي بمنسوب مناسب من المياه، وتارة يأتي بفيضان يغرق الأراضي والبيوت، أو تجف المياه نهائيا ويقل منسوبها فيموت الناس من الجوع والعطش، لذلك كان المصريون القدماء يتوددون له حتى يرضى عنهم ويعطيهم المنسوب المناسب من المياه، وذلك عن طريق تقديمهم لبعض الهدايا والذبائح من قرابين للاحتفال بوفائه، ومن هنا جاءت فكرة "عروس النيل".



عيد وفاء النيل وأسطورة العروسة

"وفاء النيل" يدل على أن النيل قد وفى بالمياه الملائمة لاحتياجات المصريين، وهو أحد الأعياد لدى القدماء الذي يقيمون له مراسم احتفالية خاصة منذ 7 آلاف سنة على ضفاف النيل، وتقول الأسطورة أن القدماء كانوا يلقون بعروس جميلة في النيل ليشبعوا رغبته في الحصول على جميلة البنات، فيعتدل في فيضانه، وهناك بعض الأقاويل أنهم كانوا يلقون بعروس خشبية كأحد المراسم.
وفي بعض الأقاويل الأخرى، أن العروس المُلقاة تظهر مرة أخرى، وقد تحول نصفها الأسفل إلى سمكة حيث أن النيل لا يلتهم عرائسه بل يحولهن إلى أسماك ليعيشن في أعماقه.

عروس النيل في العصور الوسطى

المصريون احتفلوا بعيد وفاء النيل في العصور الوسطى احتفالا كبيرا، وقد كتب عنه مؤرخون تلك الفترة كثير، وفي عهد الدولة المملوكية، شهدت مصر ازدهار ثقافي، شمل حركة تأريخ ليست مسبوقة ولم تتكرر بعدها، وحسبما قال المؤرخ "ابن إياس" من أشهر مؤرخي العصر المملوكي، في كتابه "بدائع الزهور في وقائع الدهور" واصفا ليلة من ليالي القاهرة المملوكية المحتفلة بالنيل، عندما خرجت فيها سفينة سلطان مصر، عائمة من بولاق وهي متزينة بالورود والأعلام، وقد أستقبلها الأمراء عند مقياس فيضان النيل بالطبل والمزامير.

وتذكر الكاتبة الدكتور نعمات أحمد فؤاد في كتابها "القاهرة في حياتي"، أن إلقاء عروس حقيقية في النيل لم يأتِ سوى في عهد المماليك، حيث جاءوا بالفتيات المدربات على السباحة ليلقوا بأنفسهن في النيل ويسبحن حتى الشاطئ في كرنفال الاحتفال، قائلة: "إن حكاية عروس النيل ليس لها أساس تاريخي، ولم ترد غير القصة التي ذكرها "بلوتراك"، والتي تنص على أن "ايجيبتوس" ملك مصر، أراد البعد عن الكوارث التي حلت بالبلاد، فأشار إليه الكهنة بأن يلقي بابنته في النيل، وفعل ذلك، وعندما حزن عليها ألقى هو الآخر بنفسه في النيل ليلقى نفس مصير ابنته من الموت".

العصر الإسلامي

حافظ المصريون على تقاليدهم من ناحية منسوب المياه وفيضان النيل وعيد وفائه، ولكن قد أدخلوا عليه بعض التعديلات التي اتفقت مع الديانة الإسلامية، وجاء في كتاب "الأعلاق النفيسة" للكاتب "ابن رسته"، وهو كاتب جغرافي عاش في النصف الثاني من القرن الثالث الهجري، التاسع الميلادي، كان المسئولون عن مقياس النيل يراقبون زيادة منسوب المياه بشكل دائم ومستمر، فإذا وفى وفاض وسد احتياجاتهم، لذهبوا إلى مسجد الجامع عمرو بن العاص، يحملون الزهور فرحا، ويعلنون وفاء النيل، ويشكرون الله على نعمه التي يرسلها دائما، بل وكانوا ينشدون أناشيد خاصة من أجل هذا اليوم.

الفاطميون والعثمانيون

حظيت الاحتفالات التي تقام في "العهد الفاطمي" بعيد الوفاء باهتمام كبير، وكان هناك موكبان في هذه الاحتفالات، أحدهما لقياس منسوب المياه، والثاني لكسر الخليج، وتستمر لمدة 3 أو 4 أيام، وكانت الدولة بأكملها تشارك فيه، من فنانين وموسيقيين ومعلمين وتجاريين وكل طوائف الشعب.

وفي "العهد العثماني" كان يتجمع عند منطقة ساحل بولاق أسطول من المركبات الكبيرة التي عرفت باسم "العقبة"، وكان مزينة بالأعلام والورود، ويذهبون بها إلى السد عند مقياس الروضة، فيضربون السد بفؤوسهم لينهار وتفيض المياه.

حجر رشيد

بعد فك شامبليون الفرنسي، رموز حجر رشيد، بدأ الباحثون في تلك الفترة دراسة التاريخ المصري القديم، وكان الباحث الفرنسي "بول لانجيه" قد قرر أن يتفرغ لدراسة أسطورة "عروس النيل"، الذي أكتشف من خلال أبحاثه ودراسته، أن المصريين القدماء لم يلقوا أبدا عروس حية في النيل.

بينما كان يحتفل المصريون بإلقاء سمكة من نوع يسمى "الأطم"، وهذا النوع من السمك قريب الشبه بالإنسان، ويصفه علماء البحار بأنه "إنسان البحر"، وتتميز أنثاه بأن لها شعرا كثيفا فوق ظهرها، وفي أحد الروايات أطلقوا عليها أم الشعور، ولها ما يشبه أرداف المرأة ووجهها، فيما كان القدماء يزينون تلك السمكة بالورود والألوان المبهجة، ويلبسونها بعض الإكسسوارات.

أحمد شوقي

لم يكن الشعر بعيدا عن نقل تراث أسطورة "عروس النيل"، وقد قال الشاعر أحمد شوقي عنها:

ونجيبة بين الطفولة والصبا .. عذراء تشربها القلوب وتعلقُ
كان الزفاف إليكِ غاية حظها .. والحظ إن بلغ النهاية مُبقُ
لاقيت أعراسا ولاقت مأتما .. كالشيخ ينعم بالفتاة وتزهق

محمد منير وعروسة النيل

ولم يقتصر ذكر اسم عروسة النيل على الأبحاث والتاريخ والاكتشافات الأثرية والأساطير فقط، بل أيضا خاضت الفن، فغني الفنان النوبي "محمد منير" أغنية "يا عروسة النيل" والتي قال في مقدمتها: يا عروسة النيل ياللي حتة من السما .. ياللي صورتك جوا قلبي ملحمة، وكانت الفتاة الحسناء الهيفاء متكاملة الأوصاف يصفونها دائما بـ"عروسة النيل"، ولكن في تلك الأغنية كان يغني منير لمصر ويصفها بعروسة النيل.

عروسة النيل وبتاع الجاز

فيما حاكت السينما المصرية أيضا أسطورة عروسة النيل عند الفراعنة من خلال الفيلم السينمائي "عروس النيل" من بطولة الفنانة لبنى عبد العزيز، والتي قامت بدور "هاميس" آخر عروس نيل، والفنان رشدي أباظة، الذي جسد دور مهندس بترول ينقب عن الجاز ويزعج "مومياوات الفراعنة، فتظهر له "هاميس" لتناديه دائما بـ"بتاع الجاز" الجملة الأشهر في الفيلم.

عباس العقاد

ومن جانبه ذكر الكاتب والروائي الراحل، عباس محمود العقاد، في كتابه "عبقرية عمر"، ما يفيد بأن رواية عروس النيل قد تكون خيالية لكنها عاشت في وجدان مصر وتناولها الأدباء والشعراء والفنانين والسينما، ومازالت كتب كثيرة ترددها كواقع.