التوقيت الأحد، 19 مايو 2024
التوقيت 06:26 م , بتوقيت القاهرة

أحمد شافعي: لا أنفي تأثير الترجمة والسجائر على كتاباتي (حوار)

حوار- محب جميل:

الترجمة لها بريقها الخاص، تمنحك تأشيرة مفتوحة لبدان العالم، لا حدود مع الترجمة سوى للنهايات المفتوحة، أحمد شافعي أحد المترجمين الذين منحوا الترجمة بُعدا آخرا، جعل من النصوص أكثر سلاسة مع الحفاظ على الدقة، دؤوب يتابع كل ما يحدث حوله بمهارة محقق.

صدرت له العديد من الأعمال الأدبية منها ديوان "وقصائد أخرى" مع دار النهضة بيروت في عام 2009، وديوان "طريق جانبي ينتهي بنافورة"، ورواية "رحلة سوسو" مع الهيئة العامة لقصور الثقافة، ورواية "الخالق" عام 2014، كما ترجم إلى العربية عددا من الكتب الشعرية، ومئات القصائد الأمريكية التي نُشرت في مختلف الصحف العربية، وكان شافعي يعيش في سلطنة عمان من قبل، لكنه حاليا يقيم في مصر.

- يبدو أن ترجمة الشعر لها جاذبية خاصة، فبعد أن ترجمت "تشارليز سيميك"، "بيللي كولينز"، وغيرهم من الشعر الأمريكي، هل مازلت هناك أزمة تتعلق بترجمة الشعر من لغته الأم؟

برغم سنوات طويلة في الترجمة، بدأت بترجمة الشعر، واستمرت فيها ترجمة الشعر حاضرة برغم الكثير من المقالات مثلا، أو القصص، أو حتى الروايات أحيانا، لكنني طوال هذه السنوات لا أترجم في الغالب إلا ما يروق لي كقارئ للشعر، وأنا، حتى في قراءتي بالعربية، أُفضل مثلا صلاح جاهين على فؤاد حداد، والأول بلا شك أيسر على الترجمة من الأخير الذي لابد سيضيع أكثر شعره في الترجمة، فاهتمام حداد السطحي باللغة يجعل كثيرا من جمال شعره يتبدد قطعا عند ترجمته.

لا أعتقد أن هناك أزمة في "ترجمة" الشعر، ترجمة كثير من الشعر تبقى ممكنة وضرورية، ربما الأزمة في "نشر" الشعر المترجم، والشعر عموما، ولكنها ليست أزمة مزعجة بالنسبة لي، فأنا أعتقد أن ما أترجمه يصل إلى مستحقيه بطريقة أو أخرى.

- قمت بالتعاون مع ماهر شفيق فريد في ترجمة مختارات لقصائد أفرو-أمريكية، فلماذا هذا الاهتمام بالشعر الأمريكي؟

لم يكن تعاونا بقدر ما كان درسا، ماهر شفيق فريد مترجم فذ وناقد وأكاديمي وكاتب كبير، وتجربة مراجعته لكتابي من شعر ليوسل كليفتن وسيرتها كانت مفيدة أشد ما تكون الإفادة، خصوصا وأنني كنت وقتها، ولا أزال إلى الآن، بحاجة إلى هذه العين الخبيرة المحبة تقوم ما يعوج مني.

أما عن الشعر الأفروأمريكي فأتذكر أنني وقت أن تعرفت عليه للمرة الأولى شعرت كمن عثر على كنز، وخطر لي وقتها أنني عثرت على مشروع عمري في الترجمة. كنت في الثالثة والعشرين، فلقي غضب الأفروأمريكيين صدى في نفسي، ووجدت نفسي في خندق واحد مع قضيتهم العادلة ضد العنصرية والتمييز على أساس اللون.

فكان أن ترجمت مختارات من شعرهم صدرت بعنوان "وجه أمريكا الأسود.. وجه أمريكا الجميل" وتأمل العنوان القاطع، وربما غير الناضج أيضا، ثم ترجمت مختارات من ليوسيل كليفتن وسيرة لها، وأوشكت أن أنتهي من مختارات لشاعر أفرو-أمريكي آخر، لولا أن تعرفت بتشارلز سيميك، وبقصيدة النثر الأمريكية، وانفتحت أمامي مغارة أخرى أشد ثراء وتنوعا، ونسيت نفسي.

- هل دفعك الفضول لترجمة مختارات لأديبة نوبل "آليس مونرو" بعد فوزها بالجائزة، أم كان هناك ترتيب سابق لترجمتها؟

لم يكن هناك ترتيب مسبق لترجمتها، كنت أعرفها طبعا، وربما كنت قرأت لها شيئا من قبل، خاصة وأن لها قصصا كثيرة في إحدى أحب المجلات الأمريكية إليّ، ذي نيويوركر، وبعد فوزها بنوبل كان عليَّ وقد كنت أعمل وقتها في ملحق ثقافي صحفي أن أقدم هذه الخدمة للقراء، وأتيح لهم شيئا من قصص كاتبة باتت بين عشية وضحاها ملء السمع والبصر. لكن القراءة المتعمقة لمونرو جعلتني أفتتن بسردها وبعالمها، فمضيت أترجم قصة بعد قصة حتى اكتملت لدي أربع قصص طوال لها، وبمبادرة من الصديقة كرم يوسف بات عندي كتاب من أليس مونرو هو فعلا من أحب كتبي إلي.

-هل يُمكن القول إن اختيار بطل ياباني الجنسية "هاتوري ماساناري" لمتن رواية الخالق، جاء نتيجة تأثرك بالترجمة؟

لا أستطيع أن أنفي تأثير الترجمة على مشروعي الكتابي، ولا تأثير تدخين السجائر، ولا تأثير قراءتي لميكي في طفولتي، صحيح أنني لا أعرف حدود هذه التأثيرات، ولكن لابد أنها قائمة، الترجمة طبعا، بما أنها قراءة عميقة للغاية، لابد أن يكون لها تأثير كبير على تكويني ككاتب، أو حتى تأثير أساسي، لكن، هل بسبب الترجمة بالذات كان بطل روايتي يابانيا؟ لا أظن، هذه شروط اللعبة الروائية في تصوري، هكذا استقامت لي اللعبة، بأن يكون البطل يابانيا، وفي روايتي الأولى "رحلة سوسو"، استقامت اللعبة بأن تكون البطلة فتاة مصرية، يمكن أن أقول إن الترجمة وسعت انتماءاتي إلى خارج الحدود الجغرافية للغة العربية، وهذا ما أحمده لها بالقطع.

- قراءاتك المختلفة وعروض الكتب التي تقدمها تشير إلى وجود هاجس بناء اللغة بشكلٍ مُحكَم لديك، هل هذا صحيح؟

في الأسابيع القليلة الأخيرة، أعيش في وسط لغوي غريب، مع قرابة ثلاثين كاتبا من ثلاثين بلدا مختلفا، كلنا نتحدث إنجليزية من نوع ما، ونقرأ بها لبعضنا البعض، وفي الأسابيع الأخيرة أيضا وجدت نفسي مرغما في مرات كثيرة على عمل ما ظللت أرفضه طول عمري، وهو أن أترجم نفسي بنفسي إلى الإنجليزية.

طالما كنت أجيب من يسألني عن سر عزوفي عن ترجمة الأدب العربي إلى الإنجليزية بإجابة بسيطة: ولماذا أقدم لهم هذه الخدمة؟ إذا كانوا في الغرب يريدون قراءتنا فليتعلموا لغتنا مثلما نتعلم لغتهم، ثم ليبحثوا في أدبنا عما يروق لهم، ثم ليعملوا على ترجمته، وهذه هي الطريقة المثلى للترجمة، هذا على الأقل ما فعلناه نحن ونفعله، وما فعلوه هم مع الشعر الفارسي القديم، والصيني، والياباني وغيره.

تجربة ترجمة نفسي إلى الإنجليزية جعلتني أتأكد مرة أخرى أن اللغة ليست شيئا ثانويا أبدا في فن كتابي كالشعر أو الرواية، وأن تاريخ كل مفردة وحاضرها وعلاقاتها بإخوتها الكلمات مسألة شديدة الأهمية في كتابة الأدب، كل مرة وأنا أحاول وضع قصيدة لي في لغة جديدة، أكتشف أنني أريد أن أعيد كتابتها بهذه اللغة الغريبة بدلا من أن أترجمها. أشعر أنني أريد أن أقدم لها ما يؤنس وحشتها في هذه الأرض الجديدة ولا أجد.

أنت حين تفتح كتابا لا تصادف إلا لغة في حقيقة الأمر، فإذا لم يكن الكاتب على علاقة خاصة بلغته، فمن الصعب فعلا أن يجد القارئ لديه ما يستحق القراءة، والعلاقة مع اللغة يمكن أن تكون أي شيء، يمكن حتى أن تكون علاقة عداء، أستطيع أن أتصور كاتبا يعادي مستوى ما من مستويات لغته. ولكن من يتدنى باللغة إلى درجة "الوسيط" أو الأداة، يخسر كثيرا من أدبية أدبه.

- يبدو أن كتاباتك مشغولة بفكرة الخلق والإنسان الأول واليوتوبيا، إلى أي مدى أثرت تلك الكتابات في أعمالك؟

كل إنسان هو الإنسان الأول، وكل حياة هي مبرر للحلم باليوتوبيا، ولا أعتقد أن لدي ما أقوله هنا أكثر من ذلك.

- كتبت في أحد مقالاتك أن الشعر فقد كل شيء، وكانت ثورة الاتصالات وابلا عليه، هل مازالت عند رأيك؟

لا أتذكر بصدق إن كنت قلت ذلك، ولا أتصور أن يفقد "الشعر" كل شيء، ولكنني أنظر حولي فأرى كثيرا من الشعر الرديء، الرديء ببراعة، المبتكر في رداءته، المدهش فيها، ثم أغض بصري، وأقرأ الشعر الجيد، وهو كثير، وموجود، مكتوب من آلاف السنين، ومكتوب قبل دقيقة، لكن على قارئ الشعر الحريص على مصلحته أن يؤمِّن نفسه جيدا، وألا يعرض نفسه للشعر الرديء، لأن تأثير الشعر الرديء كثيرا ما يكون أشد على النفس من تأثير الشعر الجيد، أعني أن ضرر الشعر الرديء قد لا يستطيع الشعر الجيد أن يعالجه، ربما الحجامة أنفع، ربما الإقامة لفترة في مصحة، شيء من هذا القبيل.