التوقيت الثلاثاء، 01 يوليو 2025
التوقيت 06:08 م , بتوقيت القاهرة

بين المطرقة والسندان


في زمنٍ غابر كان الزواج سهلًا وبديهيًا ووظيفة أساسية. لم يكن سؤال "هي الناس بتتجوز ليه" مطروحًا أصلًا.

 وكان الزواج قرارًا أبويًا. يقرر الأب أن يزوج ابنه لأنه "بقى راجل". ولم يكن للبنت من بعد بلوغها دورًا سوى انتظار "العَدَل".. مع الوقت أصبح هناك هامش أكبر من الحرية للأبناء.. كأن يختار الابن عروسه من بين كثيرات اخترهن أبيه. أو أن تُسأل الابنة في رأيها قبل أن يقرر والدها تزويجها.

 ثم تطوَّر الزمن أكثر ولم يعد للأباء اليد العليا في زيجات الأبناء، وإن استمر دورهم المحوري في "الزن"!
يأتي حق الاختيار دائمًا برفاهية التفكير. فلا اختيار بلا تفكير منطقي (أو حتى غير منطقي). ومع التفكير وهامش الحرية فقد قرار الزواج الكثير من بديهيته كما فقد أبويته، وأصبحت إجابة "إحنا بنتجوز ليه" ضرورية لعملية الاختيار.

إذن لماذا نتزوج؟

تختلف الإجابة باختلاف الشخص وتتنوع الأسباب باختلاف الظروف. لكن بصفة عامة يتزوج الناس لإشباع حاجات أزلية لا تتغير في جوهرها مهما تغير الزمن.

الحاجة لتكوين أسرة، والحاجة للنمو الاجتماعي، والحاجة للانتماء، والحاجات الاقتصادية، والحاجة للأمان العاطفي، والحاجات الجنسية كلها حاجات أزلية تأتي في قلب إجابة سؤال لماذا نتزوج.

لكن أزلية الحاجات لا تعني أزلية طريقة الإشباع. كانت إجابة الأباء لهذه الحاجات هي الزواج لكن رأى الأبناء أنه بالإمكان إشباع معظم هذه الحاجات بطريق غير الزواج أو على الأقل تأجيل قراره.

كان الأب يفكر في تزويج إبنه الذي أصبح "رجلًا" مادام الابن قادرًا على كسب قوت يومه. لم يعد كسب قوت اليوم كافيًا للوصول لمرحلة "بقى راجل".

 يُؤَجل زواج الابن في هذا الزمان لاعتبارات عديدة، لكن مهما تأجل القرار وتحايل الابن لإشباع حاجاته المختلفة بغير طريق الزواج تظل الرغبة في إكمال صورة "الرجل" الاجتماعية دافعًا كافيًا للابن للبحث عن عروس. وإن تقاعس يبدأ الأب والأم في حثه على الزواج حتى تكتمل صورته الإجتماعية "كرجل" بالزوجة والأبناء.

على الجانب الآخر لم تعد وظيفة البنت انتظار "العَدَل" كما كان الحال من قبل. لم يعطي هامش الحرية والتفكير البنت الحق في رفض العريس فقط، بل أعطاها الحق في اختياره وتقرير مصيرها.

 يُؤَجل زواج الابنة كما يُؤَجل زواج الابن.. لكن على عكس الابن الذي يُؤجل زواجه لاعتبارات عمله للوصول لمرحلة "بقى راجل". تصل البنت لمرحلة "بقت عروسة" بمجرد البلوغ. ويصبح تأجيل زواجها معاكسًا لبديهية فكرة الزواج الأبوية. فالبنت في فكرة الزواج الأبوية "مالهاش غير بيتها وجوزها". تُقبل فكرة التأجيل لعدة أسباب منها تأمين مستقبل الابنة بالتعليم والعمل.

بإكتمال خطة التأمين بالعلم والعمل يبدأ "الزن" المقدس من أجل الموافقة على العريس.

ومع بدء "الزن" تواجه "العروس" عدة تحديات من أجل اتخاذ القرار. التحدي الأول هو ميراث تقاليد نظام الزواج الأبوي. فالعروس كما العريس لديها احتياجات مختلفة يُلبيها الزواج. لكن على عكس العريس لا يتوقع منها مجتمع الأباء أن تُصرح برغبتها في الزواج. فدور العروس هو فقط الموافقة. لكن إن صرحت برغبة في الزواج فهي"قليلة الأدب" و"بترخص نفسها". وإن لم تقبل بأي "عريس" فهي "بتتعزز" ومصيرها "تبور".

ينتظر نظام الزواج الأبوي من العروس، رغم اختلاف الزمان والظروف، أن تتصرف مثلما تصرَّفت جدات الجدات. أن تسكت كعلامة على رضاها عمن اختاره لها أباها.

التحدي الثاني هو ميراث الحرب من أجل الحرية. حاربت النساء جدة بعد جدة وأمًا بعد أم من أجل حق تقرير المصير والخروج من تحت عباءة "ظل الرجل". أصبح ممكنًا للبنت أن تعمل وتتعلم وأن تعيش دون قيد التبعية لرجل. لا تعارض الحرب من أجل الحرية فكرة الزواج، بل فقط تُنكر أولويته.

 في نظر الحرب من أجل الحرية الزواج ليس مهمًا وعلى المرأة تأجيله والتحايل لإشباع حاجتها المختلفة مثلها مثل الرجل حتى تحين اللحظة المناسبة وتجد الشخص الملائم.

 وعندما تحين اللحظة المناسبة تجد "البنت" نفسها مجددًا مابين مطرقة التقاليد التي لن تسمح لها بالتصريح في رغبتها في الزواج ولا تقبل سعيها إليه، وبين سندان ميراث الحرية الثقيل الذي يدفع ببديهية الزواج لآخر قائمة الأولويات.

لم يعد الزواج سهلًا .. ولا بديهيًا!