التوقيت الأحد، 06 يوليو 2025
التوقيت 04:46 م , بتوقيت القاهرة

أخدته الجلالة!

سؤال ملح جدا: لماذا تأخذ كثير من الإعلاميين الجلالة فيصولون ويجولون ويخطئون و"يلخبطون" في برامجهم على الهواء، حيث لا رجعة وقد انطلقت كلماتهم وسجلت عليهم؟ لا أعني أحدا بعينه لأن السواد الأعظم منهم ومنهن تأخذهم وتأخذهن الجلالة، ثم نعاني نحن من جراء ذلك.


في فيلم (إشاعة حب) للراحل القدير يوسف وهبي – وهو بالنسبة لي ممثل كوميدي من الطراز الأول، وأفضل بكثير في أدوار الكوميديا من أدوار الدراما الجادة والتراجيديا المصطنعة – كان في مشهد شهير يكذب على كل أهل البيت، ويمثل عليهم الصدمة: آه قلبي قلبي!! وبينما صعدوا جميعا إلى الدور العلوي ظل هو منتشيا بدوره وأكمل التمثيل فقال له عمر الشريف الذي يعلم أن الأمر كله كذب في كذب: خلاص يا عمي مشيوا.. فرد يوسف وهبي: معلش يا ابني أصل خدتني الجلالة.


هذه هي (خدتني الجلالة) بالضبط التي تحدث مع الاعلاميين.. فبمجرد أن يصير للواحد منهم بعض جمهور من المشاهدين، ويجلس أمام الكاميرات وهو عالم بأن خلف الشاشات من يراه ويتابعه، تاخده الجلالة.. فيشرع منطلقا بحماسة غير منضبطة وتفلت منه الكلمات انفلاتا فلا يميز في خضم نشوة الآداء التمثيلي ما إذا كانت كلماته صحيحة أم لا.


الأمر عينه يحدث لغير الإعلاميين.. بل أكاد أجزم أنه قد يحدث لأي من وجد جمهورا يستمع إليه.. فقد تحدث لدى الوعاظ الدينيين، أو الأساتذة الجامعيين، أو المعلمات والمعلمين.. وقد تأخذ كل هؤلاء الجلالة، فينسون الرسالة.. وبدلا من التركيز على هدف الكلام، ورسالة المتكلم، ومحتوى ما يصل إلى السامعين؛ تتحول الكلمات إلى آداة للإبهار والاستحواذ على انتباه الجمهور إلى أقصى حد وأطول وقت ممكن.


وغالبا ما تكون تلك الحالة من (الجلالة) إشباعا للنفس البشرية المسكينة التي عندما تثق كثيرا في قدراتها، يعتقد صاحبها أنه كسر حاجز الخوف من الكلام وصار أعلى من الخطأ.. وينسى لو كان إعلاميا أن هناك سماعة في أذنه، وآخرون يحاولون أن يهمسوا له بأن تمهل قليلا.. ويتجاهل إذا كان واعظا أو أستاذا أو معلما أوراق تحضيره وكتب إيمانه أو علمه الذي تحتم عليه رسالته أن يلتزم بمحتواها.. وهنا يكمن الخطر الأكبر: أن تقودك ثقتك الزائدة في نفسك لأن تعلو بذاتك فوق رسالتك.. وتترك نفسك للجلالة تأخذك.


إذا كنت قد وصلت لتلك الحالة: تذكر مشهد يوسف وهبي بعدما تركه الجميع.. تذكر أنك إذا استمرت الجلالة تأخذك مرة بعد مرة سينفض جمهورك من حولك.. فهم قد أتوا ليسمعوا محتوى، لا ليشاهدوا آداء.. وإذا تفضّل منهم قليلون فثق أنهم جمهور ضعيف الثقافة وصغير العقل.. وحتى هؤلاء لن يدوم انبهارهم بك وبآدائك طويلا.


أرجوكم لا تأخذكم الجلالة!!!