حب الرِدّة


"خدي اللي يحبك وماتخديش اللي تحبيه"
هكذا تختتم أنثى نصف حكيمة جلسة فضفضة للتسرية عن صديقة فقدت حبيبها للتو. تصبح النصيحة شعارًا للحياة العاطفية لهذه الصديقة الملتاعة، ومع أول طارق يعرض "حبه" تتجاهل حقيقة مشاعرها وتحّكم "عقلها" الذي تسيطر عليه النصيحة. تنجح علاقتها "العقلانية" في البداية وتستمر فترة قبل أن تكتشف أن حبه وحده لا يكفي وأن ما ظنته طريقة مضمونة "للحياة السعيدة" لم يكن إلا U-Turn للتعاسة.
النهاية التعيسة لهذه العلاقة "العقلانية" تنبع من أنها لم تكن عقلانية بالأساس! فالأنثى نصف الحكيمة ضللت صديقتها في محاولتها لتضميد جراحها. فمشكلة الصديقة لم تكن في أنها أحبت من لم يحبها بالأساس، فالصديقة فقدت حبيبا بالفعل. مشكلة الصديقة هي أنها فقدت الحب، ولهذا الفقد تبعات. ففقدان الحب يسبب مشاعر من الأسى والإحباط ويؤثر على ثقة الشخص بنفسه، وقد يتسبب في بعض الأعراض الجسدية لدى البعض. هذه المشاعر ربما تسكنها علاقة مع من يحبك ولا تحبينه، ولكن المسكنات لا تعالج الداء أبدًا. والداء، في حالتنا، هو مرحلة الإرتداد.
في المقال السابق كنا قد ذكرنا مقدمة عن العلاقات الارتدادية، وقاربنا بين مرحلة الارتداد وحالة أثار الإفراط في تناول الشراب (Hangover) . فالحب سكر وفقدانه يسبب حالة من الألم والتشوش. يعالج البعض هذه المرحلة – سواء بوعي أو غير وعي – بالمزيد من الحب على طريقة أبو نواس والخمر. وعلى طريقة أبو نواس والخمر ينجح الحب الجديد في معالجة آثار الحب القديم حتى يتكشف للشخص أن ما ظنه علاجًا لم يزد من دائه إلا سوءًا.
فمثلًا العلاقات تحت شعار "خدي اللي تحبيه"، والعلاقات مش أشخاص لم نكن لنفكر فيهم لولا إحباطنا وانعدام ثقتنا بأنفسنا، والأشياء التي نصبح على استعداد لفعلها أو تقبلها نتيجة "لخبراتنا" في العلاقة السابقة، كلها نماذج للعلاقات الارتدادية التي تنشأ تحت وطأة فقد الحب. هذه العلاقات قد تنجح لفترة ولكنّها في الأغلب تؤدي للمزيد من الجراح. ولتجنب هذا المصير يجب التعامل مع مرحلة الارتداد والعلاقات الارتدادية بوعي.
وللتعامل بوعي يجب إدراك حقيقتين حول مرحلة الارتداد. الحقيقة الأولى: إنها لا يمكن تجنبها. تخيل نفسك زُنْبُرُك، يتسبب فقدان الحب في انضغاطك بشكل ما، مرحلة الارتداد هي مرحلة التخلص من الضغط والعودة لحالتك الطبيعية. والحقيقة الثانية: إنها غير محددة بفترة زمنية. يعتمد طول أو قصر فترة الارتداد على شكل إنهاء العلاقة. بعض العلاقات تنتهي ولا تترك الكثير من الأسئلة المعلقة وبعضها لا ينتهي رغم أنه نظريًا منتهي. العلاقة ذات "الذيول" تتسبب في مرحلة ارتداد أطول من العلاقة ذات الخاتمة الواضحة Closure.
إدراك الحقيقتين السابقتين عن مرحلة الارتداد يسهل التعامل بوعي مع العلاقات الارتدادية. فالعلاقة الارتدادية دائمًا ما يحكمها شبح الماضي. حبيبك السابق هو دائمًا الحاضر الغائب. تذكره بكثرة لشريكك، وتذكر "نذالته" وحجم الألم الذي سببه لك. وتنشغل بمقارنته بشريكك ولا تنفك أن تشعر بالحنين للعلاقة السابقة. في العلاقة الارتدادية أنت تبحث عن الانتقام، أو شخص لإثارة غيرة حبيبك السابق، أو شخص ليشعرك بأنك مرغوب ومحبوب.
في العلاقة الارتدادية أنت تبحث عن مُسكن للألم، لا يمكنك أن تجزم يقينًا بحقيقة مشاعرك تجاه شريكك، يمكن للعلاقة أن يسودها الاندفاع أو الفتور أو أن تتنقل بين الاندفاع والفتور بلا أسباب ظاهرة.
في العلاقة الارتدادية أنت "الغرقان المتعلق بالقشاية". والوعي بهذه التفصيلة تحديدًا هو باب التعامل مع العلاقات الارتدادية.
ففي حين أن العلاقات الارتدادية، النابعة كرد فعل غير واع للألم، غالبًا ما تؤدي للمزيد من الألم. لكن العلاقات الارتدادية النابعة من وعي بطبيعة المرحلة وطبيعة العلاقة قد تساعد على العودة لحالة ما قبل الانضغاط. فتبادل الإعجاب والاهتمام (وربما الرغبة) مع شخص ما، يعيد الحياة لما ذبل من الروح بعد فقد الحب. لكن هذه الحياة مؤقتة ولا تغني عن فترة "الحداد" اللازمة للتعافي من آثار التجربة واستخلاص دروسها و"العفو" عن النفس من جراء ما صنعت بنفسها.
ولحين انتهاء فترة "الحداد" وحتى لا تتحول (تتحولي) لماكينة لكسر القلوب يجب اتباع سياسة الإفصاح الكامل عن الموقف من الماضي. والإفصاح تحديدًا ليس عن "الحب اللي مات" ولكن عن "الكراهية اللي صاحية وبتلعب". ففقط عندما تموت الكراهية يمكن للحب أن يولد.