قالوا عن قانون السيسي بشأن منع مطبوعات تتعرض للأديان
أثار مؤخرا قرار الرئيس عبدالفتاح السيسي بتفويض رئيس الوزراء، إبراهيم محلب، بمنع تداول مطبوعات تتعرض للأديان، حفيظة المثقفين، وأصحاب الرأي والناشرين، خوفا من تعرض أعمال فنية، وكتب للمنع والمصادرة، ومن عقوبات تتنافى مع مناخ الحرية الذي يكفله الدستور الجديد.
وكان الرئيس السيسي قد أصدر أمس الأول، القرار رقم 16 لسنة 2015 بتفويض إبراهيم محلب، رئيس الوزراء، في مباشرة اختصاصات رئيس الجمهورية الواردة فى المادتين 9، 10 من المرسوم بقانون رقم 20 لسنة 1936، وفقا للمنشور بالجريدة الرسمية، والمادة 9 فى القانون المشار إليه، تنص على: "يجوز محافظة على النظام العام أن تمنع مطبوعات صادرة في الخارج من الدخول والتداول في مصر، ويكون هذا المنع بقرار خاص من مجلس الوزراء، ويترتب على ذلك منع إعادة طبع هذه المطبوعات ونشرها وتداولها فى داخل البلاد". كما تنص المادة 10 من القانون ذاته على أنه يجوز لمجلس الوزراء أن يمنع أيضا من التداول في مصر المطبوعات المثيرة للشهوات، وكذلك المطبوعات التي تتعرض للأديان تعرضا من شأنه تكدير السلم العام.
تباينت ردود أفعال المثقفين وتوقعاتهم، وتوجه "دوت مصر" لسؤال بعضهم عن توقيت قرار السيسي الذي يثير مخاوف، خاصة مع اقتراب موعد معرض الكتاب الدولي المقرر يوم 28 الجاري.
محمود الغيطاني، روائي مثير للجدل، يوصف بعض النقاد كتاباته بأنها تندرج تحت ما يسمى الأدب الإيروتيكي، وينوي الغيطاني نشر كتاب في القريب عن "صناعة البورنو"، سألناه عن وقع القرار خاصة وأن كتاباته المثيرة للجدل قد لا تجد سبيلا للتداول في مصر.
الغيطاني قال إن هذا القرار المتناقض والغريب من الرئيس السيسي، والذي يدعو إلى تفعيل قانون ميت منذ عام 1936، لا يتم العمل به، هو تناقض غير مفهوم من رئيس كان يدعو منذ أيام قليلة في مشيخة الأزهر إلى تجديد الفكر الديني، والدعوة إلى إنهاء التشدد والتعصب.
وأضاف الغيطاني أن الرجل هنا يتحدث عن المطبوعات التي تتناول الفكر الديني، بالإضافة إلى ما تسميه المادة القانونية المطبوعات المثيرة للشهوات، وهنا ستكون هناك كارثة حقيقية في تناول هذا الأمر.
أزمة نصر حامد أبو زيد
وتساءل الغيطاني عن هوية الذي يستطيع الحكم على أي مطبوعة تتناول الفكر الديني، مشيرا إلى أننا لا نستطيع نسيان الكيفية التي تم بها تناول ما كتبه الراحل الدكتور نصر حامد أبو زيد، ومن ثم تكفيره من عبد الصبور شاهين وغيره، رغم أن شاهين كان أكاديميا لا يمكن له الخلط في التفكير الديني، ولكن رغم هذا أساء الظن بنصر حامد أبو زيد، واتهمه بالإساءة للدين الإسلامي، ومن ثم صودرت كتبه.
وتوقع الغيطاني أن تكون هناك هجمة شرسة على جميع الكتب التي تتعرض للفكر الديني.
أما بالنسبة للمطبوعات المثيرة للشهوات، أوضح الغيطاني بأنه أمر مثير للسخرية بالفعل، لأنه في الحقيقة ليس هناك ما يمكن أن نطلق عليه هذا التوصيف، وإذا ما انسقنا خلف هذا التوصيف سيتم مصادرة الأدب العربي التراثي كله قبل مصادرة غيره من الأعمال الروائية الحديثة، فألف ليلة وليلة، وكتاب الأغاني لأبي الفرج الأصفهاني، وكتب السيوطي الأربعة، وديوان أبي نواس، وغيرهم من كتب التراث من الممكن أن تقع تحت طائلة هذا القانون.
الأدب الإيروتيكي
وقال: "أن جميع الروايات الإيروتيكية من الممكن مصادرتها بناء على هذا الكلام، وبالتأكيد رواياتي التي كتبتها أنا، وهو الأمر الذي يجعلني واثقا أن كتابي الذي أكتبه الآن حول تاريخ صناعة البورنو، لابد سيتم منعه بالتأكيد بمجرد صدوره استنادا إلى هذه المادة القانونية".
مضيفا أن الأمر الخطير بالفعل في تفعيل هذه المادة القانونية السقيمة، هو أن الرئيس يود تفعيلها الآن مع اقتراب موعد معرض القاهرة الدولي للكتاب، وهو الأمر الذي سيؤدي إلى كارثة حقيقية ومنع الآلاف من الكتب التي تأتي بها دور النشر العربية المشتركة في المعرض.
ويعتقد الغيطاني أن هذا القانون سيكون بمثابة كارثة حقيقية لجميع من يكتب في جميع المجالات، كما أنه دعوة صريحة لتكريس الفكر الأصولي والتدخل في كل أنواع الحريات، وتكميم لجميع الأفواه بلا استثناء.
من جانبه أوضح القاص والصحفي طه عبدالمنعم، أن القانون موجود بالفعل لدى رئيس هيئة الرقابة في وزارة الثقافة وليس بقانون جديد، لكن قرار الرئيس السيسي مؤخرا بنقل اختصاصاته لرئيس الوزراء من شأنه أن يوسع من صلاحيات رئيس الوزراء، في حين أنه ليس هناك برلمان، وكان من المفترض انتظار البرلمان لمناقشة نقل تلك الاختصاصات، ويبقى السؤال لماذا يعطي اختصاصات لمحلب؟.
خطوات للخلف
وأضاف عبدالمنعم على المستوى الأدبي مازلنا نحارب ونقوم بعمل جبهات من أجل إلغاء الرقابة، لكن مع هذا القرار نعود خطوات للخلف، خاصة وأن الوضع الثقافي الآن سيئ، سواء في السينما أو الفن التشكيلي.
وقال: "بالنسبة لنا فإن القرار ليس غريبا، فقد سبق وقف عرض فيلم "حلاوة روح" ومنع بعض الأفلام العالمية من العرض، القرار يتسبب في مزيد من الإحباط خاصة وأن توقيت القرار يأتي قبل معرض الكتاب بعشرة أيام. في الوقت الذي كنا نستمع لأن بعض معارض الكتب في بعض الدول العربية تمنع الكتب، وكنا نفخر بأننا لا نمنع".
عبدالمنعم أكد أن القرار سينفذ، على الرغم من تعارضه مع مواد أخرى في الدستور تتعلق بحرية الرأي والتعبير.
وعن معيار الحكم على مطبوعة بأنها تتعرض للدين بالسوء أو تثير الشهوات قال عبدالمنعم، الباب دائما مفتوح للتأويلات في المؤلفات، والقرار سيهدم كل شيء.
على صعيد متصل، أصيب الروائي هيدرا جرجس بدهشة لأنه لا يعرف حقيقة القانون على حد قوله، وبعد أن أطلعناه على نص المادتين من القانون، أجاب يبدو أنه قديم من العهد الليبرالي قبل ثورة 1952، ولم يستخدمه أحد باعتباره قانون، لافتا أنه لا يعرف كيف تؤخذ قرارات السيسي.
واستطرد جرجس قائلا: "لا يمكن تقييد التفكير والإبداع، والفن بقوانين لأن حرية الإبداع والتعبير خاضعة لقوانين فنية وفكرية ومعرفية، ولا يمكن منع ومصادرة أي كتاب أو فيلم لمجرد الاشتباه في مغزاه".
وأشار جرجس إلى أن محلب فعل ذلك قبل فترة، حينما منع عرض فيلم"حلاوة روح" لكن القضاء أعاد عرض الفيلم بحكم قضائي.
الأفكار حرة
وذكر جرجس، لو اعتبرنا أن هناك ما يروج لفكر هدام فلا يمكن الرد عليه بالقمع، لأن المنع يساهم في انتشاره كـنوع من "البروبجاندا"، وذكر مثالا رواية آيات شيطانية لسلمان رشدي، وقال جرجس أن أفضل طريقة لمحاربة الفكر الهدام أن تكون بالفكر وليس المنع والمصادرة والاعتقال، فالأفكار لابد أن تترك حرة، ولابد أن يكون هناك نقاش وتلاقح بين الأفكار، ووصف جرجس الأفكار بأن لها أجنحة وتطير خاصة في العصر الحالي، مع وجود الإنترنت ووسائل التواصل الاجتماعي، وقال أن الإبداع الجيد يكتب له البقاء، أما الغير جيد فإنه يقتل نفسه بنفسه ويتلاشى من تلقاء نفسه.
وبخصوص القانون قال سليم عزوز، الكاتب الصحفي ورئيس تحرير صحيفة الأحرار، أن قرار التفويض استند للمادة 9 و10 من المرسوم بقانون 20 لسنة 36 والقانون صادر من الملك فاروق ملك مصر، ولم يصدر من البرلمان وقتها، وهذا يعني أن هناك خطأ قديم تسبب في المشكلة الحالية، وفي سنة 1983 فوض رئيس الدولة وزير الإعلام في اختصاصاته، بشأن قانون المطبوعات وبسبب إلغاء منصب وزير الإعلام ربما جاء التفويض من هنا.
وأكد نجاد البرعي محامي وناشط حقوقي لـ"دوت مصر" أن القانون قديم ومفعّل وستنقل اختصاصاته فقط لرئيس الوزراء.