4 شخصيات حملوا راية الإلحاد في التاريخ الإسلامي


إعداد- محمد عبد الحليم:
وافق وزير الأوقاف، الدكتور محمد مختار جمعة، على الخطة التي عرضها مدير عام بحوث الدعوة، الشيخ أحمد تركي وأعدها مجموعة من علماء الوزارة وخبراء الطب النفسي وعلم الاجتماع، لمواجهة انتشار الفكر الإلحادي، متضمنة جمع ودراسة شبهات الملحدين وتفنيدها والرد عليها، والتدريب على أيدي أساتذة متخصصين في علم النفس والاجتماع والعقيدة الإسلامية.
تاريخ الإلحاد
في منتصف أربعينات القرن الماضي، نشر المفكر الدكتور عبدالرحمن بدوي كتابا بعنوان "من تاريخ الإلحاد في الإسلام" من تأليفه وترجمته، ناقش فيه الإلحاد باعتباره ظاهرة قديمة، وحاول تأصيلها من خلال شخصيات أسست مذاهب عقلية استندت عليها أفكار الملحدين فيما بعد.. سنعرض هذه الشخصيات مثلما عرضها الكاتب وحللها من وجهة نظره.
البداية زندقة
ظهر الإلحاد، بحسب الكاتب، في ديار الإسلام نتيجة عوالم عدة، منها الانتقام الشعوبي من جانب المغلوبين وما يستتبعه من تعصب لدينهم القديم، ونزعة التنوير التي نشأت في العالم العربي الإسلامي كنتيجة لانتشار الثقافة اليونانية، والتي بدأت من قبل عند نهاية دور الحضارة العربية، وما كانت حركة ابن المقفع وابن الراوندي وابن زكريا الرازي إلا امتداد لنزعة التنوير الفارسية، تقوم على أساس تمجيد العقل باعتباره الفيصل الذي لا راد لحكمه ولا معقب لقضائه في كل شيء.
ولا نجد في الإسلام تعريفا واضحا بالإلحاد، ففي نشأته ارتبط هذا الموقف بالزندقة، وحمل لفظ زنديق معاني عدة مختلفة في ما بينها، وأُطلق أولا على من يؤمن بالمانوية، ويثبت أصلين أزليين للعالم هما النور والظلمة، لكن المعنى اتسع بعد ذلك حتى أُطلق على كل صاحب بدعة". و"انتهى به الأمر أخيرا إلى أن يُطلق على من يكون مذهبه مخالفا لمذهب أهل السنة.
ابن المقفع
يمثل ابن المقفع حلقة الوصل بين الزندقة والإلحاد عند بدوي، فقد أُلقي القبض عليه في البصرة بأمرٍ من الخليفة المنصور، ومات وهو في السادسة والثلاثين من عمره، بعدما أذاقه الوالي سفيان بن معاوية الذي كان يمقته أشد أنواع العذاب، وكانت آخر كلمات ابن المقفع "والله إنك لتقتلني، فتقتل بقتلي ألف نفس، ولو قُتِل مائة مثلك لما وفُّوا بواحد".
ابن الرواندي
ابن الراوندي، أشهر ملاحدة الإسلام حسبما جاء في الكتاب، خصوصا انه اعتبر من أكبر الزنادقة وأكثرهم إثارة للجدل، وقد مر بمراحل عقائدية مختلفة، وانتقل من مذهب إلى آخر، إلى أن وصل إلى نقد الإسلام ورفضه، كما نقل ابن الجوزي في "أخبار الحمقى والمغفلين"، وكتب في تلك المرحلة من حياته كتاب "الزمرذ"، الذي أكد فيه سمو العقل على النقل.
ابن حيان
يرى عبد الرحمن بدوي أن جابر بن حيان له الفضل في تأكيد فكرة التقدم المستمر للإنسانية، التي كانت تمثل اتجاها مضادا للاتجاه السني الخالص، الذي يرد كل شيء من العلم إلى النبي، فجاءت نزعة التنوير خصوصا في اتجاهاتها الإسماعيلية وفي المذاهب الغنوصية الإسلامية والمذاهب المستورة في الإسلام عامة، لتؤكد هذا الاتجاه وتنظر إلى الإنسانية على أنها تتقدم باستمرار في خط يسير قدما بغض النظر عن البعد أو القرب من الرسل والأنبياء".
وفي الفصل الخاص بالكيميائي الشهير، يضيف الباحث بإعجاب بالغ: "لن يستطيع الباحث في تاريخ الفكر الإسلامي أن يجد شخصية أغرب وأخصب من شخصية جابر بن حيان، فهي شخصية أمعنت في الغموض واكتنافها السر، حتى كادت أن تكون أسطورة، وتسامت في التفكير حتى ليقف المرء اليوم ذاهلاً أمام ما تقدمه من نظرات علمية فلسفية كلها عمق وكلها حياة".
الرازي
ختم عبد الرحمن بدوي كتابه بفصل لفكر محمد بن زكريا الرازي، مشيرا إلى أنه جعل من العقل أساسا لفكره، وقال: "إن غاية الباري عز اسمه إنما أعطانا العقل وحبانا به لننال ونبلغ به من المنافع العاجلة والآجلة غاية ما في جوهر مثلنا نيله وبلوغه. وأنه أعظم نعم الله عندنا وأنفع الأشياء لنا وأجداها علينا، فبالعقل أدركنا الأمور الغامضة البعيدة منا المستورة عنا، وبه عرفنا شكل الأرض والفلك وعظم الشمس والقمر وسائر الكواكب وأبعادها وحركاتها، وبه وصلنا إلى معرفة الباري عزّ وجل.
وقال بدوي إن الرازي انتقد اليهودية والمسيحية والإسلام، كما انتقد المجوسية والمانوية، فقال في النبوة: "من أين أوجبتم أن الله اختص قوما بالنبوة دون قوم، وفضلهم على الناس، وجعلهم أدلة لهم، وأحوج الناس إليهم؟ ومن أين أجزتم في حكمة الحكيم أن يختار لهم ذلك، ويعلي بعضهم على بعض، ويؤكد بينهم العداوات، ويكثر المحاربات، ويهلك بذلك الناس؟"، موضحا أن الرازي إذا يؤمن بإله خالق حكيم، لكنه لا يؤمن بالنبوة والأديان".