سلاحف النينجا 2014 حجم أكبر وتسلية أقل


عندما تواردت الأنباء عن تكليف المخرج والمنتج المعروف مايكل باي، بإنتاج نسخة هوليوودية جديدة من Teenage Mutant Ninja Turtles أو "سلاحف النينجا" بالاسم المختصر المعروف الذي عرفنا به حلقات الرسوم المتحركة الأصلية أواخر الثمانينات، لم أعتبر الأنباء غير متوقعة بالنظر إلى نجاحه التجاري الضخم مع سلسلة أفلام Transformers أو "المتحولون"، المقتبسة هي الأخرى من سلسلة رسوم متحركة تعود إلى الثمانينات.
لكن اسم مايكل باى كمنتج، كان مصدر كآبة على أى حال، بالنظر إلى سلسلة Transformers التي يتفوق فيها كل جزء على سابقه، من حيث جودة خدع الجرافيك، ومن حيث الضعف أيضاً إجمالاً كفيلم تسلية. مايكل باى من وجهة نظري، مهندس ممتاز فيما يتعلق بصناعة مشاهد الأكشن والإبهار، لكن حاسة تذوقه فيما يتعلق بمشاهد الدراما أو الكوميديا، أو سرد حدوتة مسلية بشكل متماسك إجمالاً، تقترب إلى الصفر. ولعل هذا هو السبب في أن أجود أفلامه وأكثرها تسلية، كانت الأولى التي قدمها مع منتج محنك مثل "جيرى بركهايمر". نحن بانتظار فيلم سلاحف نينجا سيئ غالباً.
بعد اختيار باي لـ جوناثان ليبزمان كمخرج للفيلم لاحقاً، حذفت كلمة غالباً وأصبحت (مؤكد)، بالنظر إلى أعمال المخرج السابقة مثل Battle Los Angeles - Wrath of the Titans التي تحمل نفس عيوب أفلام مايكل باي بالضبط.
وباعتباري من جيل الأطفال العاشق للسلسلة الكارتونية الأصلية، قررت خفض سقف توقعاتي فيما يتعلق بالفيلم لأقصى درجة للاستمتاع به، وأعدت تخفيضها ثانية بعد التقديرات النقدية الأولى، المتوافقة مع توقعاتي، التي صاحبت عرض الفيلم في أغسطس. ثم خفضتها أكثر وأكثر عندما قررت أخيراً مشاهدة الفيلم منذ أيام.
من أين نبدأ الحديث؟!.. لنبدأ بتصميم الشخصيات. ضاعفوا الأحجام بدنياً بشكل غير مبرر أو مفيد. وقرر فريق الفيلم قرر جعل كل شخصية من السلاحف الأربع بقوام بدني مختلف، وملامح وجة مختلفة، كما هو واضح في صورة فيديو الإعلان، وأضاف بعض الإكسسوارات لكل شخصية، بحيث يمكن للمتفرج التفرقة باستمرار بينهم. الفكرة في حد ذاتها ليست سيئة، لكن النتيجة النهائية وجوة لا تتمتع بالملامح المبتسمة العريضة المعتادة للشخصيات. في الحقيقة محاولة دمجهم أكثر بمواصفات الوجة البشري المعتادة (أنف - شفاة بارزة - أسنان.. الخ)، انتهت بملامح مقززة إلى حد ما!.. على اليسار لقطة من الفيلم، وعلى اليمين نفس اللقطة بعد أن عدلها أحد الهواة، لتبدو الشخصية بملامحها المرحة الأصلية في حلقات الرسوم المتحركة.
سوء التصميم اكتمل مع شخصية Shredder أو فرام كما نعرفه في النسخة المدبلجة من المسلسل. حذفوا كل الجوانب المرحة في شخصية الشرير درامياً، وقرروا استبدالها في التصميم بشكل معدني شرس، أقرب لأشرار سلسلة "المتحولون" منه الى روح سلاحف النينجا الكوميدية. الشرير أكثر شراسة وخطورة وهذا جيد، لكنه في النهاية عنصر آخر يجعل الفيلم أبعد وأبعد عن روح الأصل.
هذه في الحقيقة أحد أكبر عيوب الفيلم ككل. فريق العمل لا يعرف تحديداً كيف يدمج سلاحف النينجا مع أطفال وجمهور 2014 فانتهى بصناعة فيلم يحاول اقتباس كل النماذج الناجحة في الوقت المعاصر. يقتبس تصميمات من Transformers أحياناً، ويقتبس مواقف ومواقع أكشن من سلاسل شخصيات Avengers أحياناً، ويقتبس أيضاً تكنولوجيا الـ Motion capture لالتقاط تعبيرات الوجة والحركة الجسمانية للممثلين، لصناعة شخصيات أكثر مصداقية درامياً على غرار شخصيات كوكب بنادورا في Avatar، أو القرد سيزر في Dawn of The Planet of Apes والنتيجة مع كل هذا، عمل مشوه أبعد ما يكون عن الروح الأصلية لسلاحف النينجا، وأبعد ما يكون عن التسلية إجمالاً أيضاً.
التقنيات مجرد أداة مثل الكمبيوتر، والنتيجة النهائية تتوقف على طريقة توظيفها. شخصيات Avatar - Planet of Apes تفاعلنا معها، لأن صياغتها درامياً جيدة في نص السيناريو، ولأن الممثلين أنفسهم من أصحاب المواهب. نفس الشىء يمكن قوله عن شخصيات جروت وروكيت في فيلم Guardians of the Galaxy الذي جعل ملايين الأطفال تنظر إلى النباتات والأشجار بشكل مختلف!.. على النقيض من ذلك، استعان باي وليبزمان بنص سيىء وأربع ممثلين قمة في السماجة لأدوار السلاحف.
ميجان فوكس ممثلة جميلة بكل تأكيد، لكن جمالها لا يكفي لخلق شخصية مهمة من سيناريو سيئ. وإذا أردت التأكد من ضعف "ليبزمان" كمخرج والفيلم ككل، فيكفي فقط أن تلاحظ كيف أهدر موهبة ذهبية مثل ويليام فيشنر بدون استغلال حقيقي مفيد.
بعد ساعة كاملة من (اللا متعة) يبدأ مشهد مطاردة على جبل جليدي، يعتمد فيه المخرج على الجرافيك بشكل كامل تقريباً في الصورة ككل، وليس في شخصيات السلاحف فقط. رغم تعارض هذا نسبياً مع ما سبق في الفيلم، قررت إغفال التعارض، باعتبار السلسلة كارتونية أصلاً، في محاولة يائسة أخيرة للاستمتاع بأى مشهد قريب نسبياً من الروح الفوضوية المرحة للأصل. للأسف كل مجهودات مشهد المطاردة بصرياً، يتم تدميرها بانتظام عندما يقرر أحد سلاحف مايكل باي من وقت لآخر، القاء دعابة جديدة سمجة، أو جملة لا محل لها من الإعراب.
الشىء الوحيد الجيد نسبياً بخصوص نجاح هذا الفيلم السيئ الذي تكلف 125 مليون دولار، وحقق ما يقرب من نصف مليار عالمياً، هو أن نجاحه أغرى بعض الشركات بإعادة إنتاج أفلام عن مسلسلات أخرى من عالم الطفولة. في الطريق فيلم عن مغامرو القوة Power Rangers ولن يكون آخر المحاولات. للأسف في انتظار سلاحف النينجا فيلم ثاني في 2016 لكن أتعشم ألا يفوز مايكل باي بأى حقوق عن عمل آخر يتعلق بذكريات الطفولة، لأنه دمر فيها ما يكفي ويزيد بالفعل!
عام 1984 ابتكر الثنائي (كيفين استمان - بيتر ليرد) بإمكانيات محدودة، كوميكس Teenage Mutant Ninja Turtles الذي تحول إلى ظاهرة ثقافية بمرور الوقت، بفضل الروح المرحة الساخرة للشخصيات. النجاح أنتج لاحقاً مسلسل كارتوني جيد أحببناه في الشرق الأوسط، وألعاب كمبيوتر ودُمي، وعدة أفلام.
عام 2014 استعان الثنائي (مايكل باي - جوناثان ليبزمان)، بأحدث تكنولوجيا متاحة وبممثلين حقيقيين، في عمل هوليوودي ضخم بلغت ميزانيته 125 مليون دولار، وانتهوا بفيلم خالي من الروح والمرح والحد الأدنى من التسلية، ورغم كل الاحتياطات التي بذلتها قبل مشاهدة الفيلم، كانت النتيجة عمل أسوأ وأسوأ ممما توقعت. تترات النهاية كانت لحظة فرح حقيقية (كاوابونجا)!
باختصار:
ساعة ونصف من الجرافيك الثلاثي الأبعاد، والدعابات السمجة المتواصلة، ومشاهد الأكشن غير المترابطة، والشخصيات المملة، في فيلم يمثل ازدراء لكل ما أحببناه في سلاحف النينجا.
للتواصل مع الكاتب