التوقيت الثلاثاء، 23 أبريل 2024
التوقيت 08:59 ص , بتوقيت القاهرة

جماليات الجسد العاري..فن أم إباحية؟

كتبت- غادة قدري:

يتوقف الكثير من رواد المتاحف أمام النماذج العارية ليلقوا نكاتا ساخرة أو الخجل لمجرد النظر، وفي خيالاتهم تصورات وأساطير جنسية عن مجموعة من البشر يعيشون حياتهم بلا ملابس وهم غارقين في اللذة والمتعة بلا حساب، دون فهم حقيقة ومعنى الفن العاري كأحد أنواع الفنون الجميلة المعبرة عن العالم المثالي والجسد المتجرد من الشهوة.



الفن العاري وصف أجساد المحاربين والرياضيين والراقصين، وهو للتعبير عن مشاعر أساسية تعبر عن طاقة الإنسان وجماليات الخلق والإبداع.

تم العثور على تماثيل فينوس في وقت مبكر قبل التاريخ، وهناك صور تمثل آلهة الخصوبة والإلهات في الحضارة البابلية والفن المصري القديم وفي حضارات الهند واليابان.

في حضارات الشرق الأقصى

المنحوتات واللوحات التي عثر عليها مازالت موجودة في بعض المعابد والكهوف الهندية، بعضها صريح جدا، وهي جزء من التقاليد الهندوسية التي تقدس قيمة الحياة الجنسية، وكما هو الحال في العديد من المناطق ذات المناخ الدافئ كان العري الجزئي أو الكامل شائعا في الحياة اليومية.

وكانت شعوب اليابان تمارس الاستحمام المختلط الذي كان قائما حتى وقت قريب في الفن اليوناني، كان المحارب الميّت عادة يُصوّر وهو عار، ربما للإشارة إلى ضعف جسد الإنسان.

العمّال أيضا كانوا يُصورون في الأعمال الفنّية اليونانية وهم عراة، وذلك لإبراز عضلاتهم والتأكيد على الجهد الذي يبذلونه أثناء أداء أنشطتهم البدنية.

والآلهة والإلهات كانوا أيضا يُرسمون وهم عراة من أجل إثبات ألوهيّتهم، ومن المثير للاهتمام أن نلاحظ أن عُري المرأة في الفن اليوناني لم يكن مسموحا به حتى القرن الثامن قبل الميلاد.

الجسد الإنساني العاري ظل موضوعا مفضلا للفنانين بسبب جماله ومعناه، وقد أدى ظهور المسيحية إلى إحداث طفرة في تطور الفن العاري، فبعض الأعمال الفنية التي ظهرت في العصور الوسطى وعصر النهضة تصور صدر مريم العذراء عاريا وهي ترضع طفلها، وثمة احتمال بأن هذا الأمر أصبح مسموحا بسبب قداسة الموضوع.

كما ظهرت صور لآدم وحواء عاريين كترجمة حرفية لقصة سقوطهما من علياء جنات عدن، وفي كثير من الأحيان، كان المسيح يرسم عاريا على الصليب، لإظهار معاناة الإنسان الجسدية.

عصر النهضة

في عصر النهضة، تبنى فكرة العُري فنانون مثل مايكل أنجلو، كبادرة تكريم للأعمال الفنية والتصويرية العظيمة من عصور الإغريق والرومان.

مايكل أنجلو في رسوماته بسقف كنيسة سيستين اخذ العُري إلى آفاق جديدة، عندما صوّر العضلات والحركات الملتوية بشكل مبالغ فيه، حتى الملائكة صوّرها انجيلو في الكثير من الأحيان إما عارية أو شبه عارية.

الفرق بين عري الفن والعري الإباحي

في دراسة نشرت لأول مرة في سنة 1956 ميز اللورد كينيث كلارك بين العري في الفن والعري الحقيقي، كلارك قال إن تكون عاريا هو أن تحرم من الملابس وينطوي تحت هذا التعري الشعور بالإحراج والخجل، في حين أن العري في العمل الفني مختلف ولا توجد في الفنون مثل تلك الدلالات وهذا الفصل بين معاني العري في القضايا الاجتماعية والثقافية لم تتم دراسته بالشكل الكاف بين مؤرخي الفن الكلاسيكي.

 

 

في العصر الحديث لا توجد حدود فاصلة بين عري الإنسان الحقيقي والعري في الفن، بدأ هذا الخلط لأول مرة مع صدمة لوحة ماجا العارية التي رسمها فرانسيسكو دي جويا في نهاية القرن الثامن عشر.




صدم جويا الجمهور بلوحته العارية لأن العري فيها لم يكن شبيها لتصوير عري الآلهة والحوريات والملائكة المجنحة في العصور الوسطى، بل هو أظهر عريا أكثر واقعية ورسم (الموديل) بتفاصيل بشرية عادية مثل إبرازه لشعر العانة في اللوحة.

الغريزة الجنسية في العمل الفني

كينيث كلارك قال أيضا إن الجنس بمعناه الشهواني لا ينبغي أن يكون موضوع الفن العاري، قائلا "الفن المجرد" وليس "عاري" لإثارة الشهوة الجنسية، مضيفا أنه إذا أثار نموذج عارٍ الشهوة الجنسية بداخلنا يصبح عملا كاذبا ومزيفا.

وعلى الرغم من أن بعض المجسمات والمنحوتات في معابد الهند التي شيدت في القرن العاشر الميلادي كانت تصور ممارسات جنسية صريحة فإن بعض اللوحات التي صورت علاقات جنسية أو عكست مشاهد مثيرة جنسيا لم تعد معدة للعرض في متاحف أوربا في العصر الحديث.

قبل عصر التحليل النفسي الفرويدي ظهر الأطفال عراة في الأعمال الفنية الكلاسيكية، وكان يفترض أن الأطفال ليست لديهم مشاعر جنسية قبل سن البلوغ، لذلك تم عرض أطفال عراة كرموز البراءة النقية وظهر الأطفال العراة في لوحات جون سينجر سارجنت، جورج بيلوز، وغيرها.

تجاهلت الدراسات الأكاديمية في الفنون تمثيل الرجال في الأعمال الفنية وهم عراة، وكان التركيز بشكل أساسي على الإناث بالرغم من أن ظهور الذكور في الفن الكلاسيكي وهم عراة مثل جانبا مهما وأكثر عمقا للشهداء والمحاربين والآلهة.


وفي العصور الوسطى في القرن الخامس عشر ظهرت الأنثى من جديد في أعمال إيطالية ألهمت العديد من الفنانين بعد ذلك لعدة قرون.

العصر الحديث

في القرن التاسع عشر كانت حركات الاستشراق في أوجها عكست الثقافات الشرقية على الفنون الأوربية وأصبح العري في الفن مرادفا للجواري والعبيد والحريم في قصور سلاطين الشرق، وعكس هذا فإن الملكات وذوات الشأن لم يتم تصويرهن عاريات.

لم يعد الفنانون يرغبون في تقليد فنون الماضي العارية، ربما تتحكم في تلك الرغبة أمور فلسفية، فقديما كانت النظرة للجسد لا تنفصل عن المضمون الجمالي والروح ولذلك تجد أن العري فد اقترن بدلالات دينية، كتصوير ملائكة وآلهة.

رد فعل الجمهور تجاه مشاهدة الفن العاري

يظل الجسد الأنثوي واحدا من المواضيع الأكثر جاذبية في الفن، وفي الولايات المتحدة الأمريكية أثارت مثل هذه الفنون الجدل خاصة وأن الكنيسة البرتوستانتية كانت تتحكم في اختيار الأعمال الفنية العارية اللائقة للعرض، وكان العمل الفني العاري بشكل عام يواجه الشكوك بمغزاه خاصة وقد لوحظ أن مثل تلك الأعمال الفنية لا تصور الأجساد التي تعاني تشوهات أو عيوب.

في الوقت الراهن

اختلطت الأمور، العالم أكثر حرية، ليس هناك ثمة شخص يمكنه التحكم في سلوكنا في الشارع أو في الغرف المغلقة. التكنولوجيا تغير وتساعد كثيرا في صناعة الفن، وبشكل عام لم يعد الفن مقتصرا على التصوير والنحت فقط، تطورت وسائل صناعة الفن ليضاف إلى ما سبق فن التصوير الفوتوغرافي والسينمائي.

أضافت السينما والفوتوغرافيا عوامل مساعدة لإبراز جمال العالم وقبحه، لكن مهلا.. بالنسبة للفن العاري ينبغي التفريق بين أنواع وفروع لهذا الفن بين البورنوجراف والايروتيك والإباحية المطلقة.

أعمال فوتوغرافيا عارية