معركة النتوء


في ديسمبر 1944، شنت قوات ألمانيا النازية هجومًا مضادًا على خطوط قوات الحلفاء المتقدمة في بلجيكا. كان الهدف من الهجوم الألماني هو كسر خط قوات الحلفاء إلى قسمين. ومن هنا جاء اسم المعركة – معركة النتوء – من شكل خط قوات الحلفاء المضغوط للخلف تحت ضغط الهجوم الألماني.
تبدأ قصة المعركة من يوم "العبور". في السادس من يونيو 1944 عبر حوالي 160000 جندي القنال الإنجليزي. كانت القوات الأكبر هي المنقولة بحرًا والمكلفة بالسيطرة على الشواطئ وكانت القوات الأهم هي المحمولة جوًا وكان منوطا بها تعطيل الدفاعات الألمانية خلف الشواطئ.
لكن القوات المحمولة جوًا واجهت الكثير من المصاعب – أوشكت أن تهدد العملية ككل – تبعثر جزء من القوات نتيجة للجو السيئ وفشل أنظمة الإشارة والرادار. كما قضى جزء من القوات نتيجة للدفاعات الجوية الألمانية. تأخرت القوات في القيام بمهامها ولكنها أتمتها، وسيطر الحلفاء على شواطئ نورماندي رغم الخسائر. استمر بعد معارك الإنزال تقدم قوات الحلفاء، والذي جاء أسرع من المتوقع. أثر التقدم على خطوط الإمداد، وباءت محاولات الحلفاء التغلب على تلك المشكلة بالفشل ومن ثم أصبح الإبطاء من وتيرة المعارك لا مفر منه. ومن هنا جاءت فرصة ألمانيا للهجوم.
كانت ألمانيا قد خسرت الكثير من الأرض وأصبحت خطوطها أقرب للقلب الألماني. ورغم إنه أمر سيئ في المجمل إلا أنه منح ألمانيا ميزة نسبية في المعركة. لم تكن ألمانيا تواجه مشكلة الإمدادات. وكان الألمان يريدون تغيير شكل الجبهة الغربية قبل أن يستعد السوفيت للقيام بهجومهم المتوقع في الشتاء.
كان هذا الهجوم هو فرصة ألمانيا الأخيرة لتغيير نتيجة الحرب. وكانت الخطة الألمانية تهدف لفصل خطوط الحلفاء على الحدود الفاصلة بين القوات الأمريكية والقوات البريطانية.
كان الهجوم الألماني مخططًا بعناية وجاء مفاجئًا لقوات الحلفاء. وكانت القوات الأمريكية هي الأكبر في المنطقة المنفذ بها الهجوم (غابات الأردين) ومن ثم تكبدت القوات الأمريكية خسائرها الأكبر في الجبهة الأوروبية في هذه المعركة. وبين الكر والفر حاصرت قوات هتلر مدينة بلجيكية صغيرة اسمها باستون. كانت باستون تربط بين طرق استراتيجية وكانت خطوة في الطريق للسيطرة على ميناء أنتوريب الذي كان تحت سيطرة الحلفاء وقتها. وقفت باستون عقبة بين هتلر وفرصته الأخيرة للخروج المشرف من الحرب. وهنا عادت القوات المحمولة جوًا للأضواء وأوكل إليها الصمود بباستون حتى يجد القادة مخرجًا من الأزمة.
وعلى عكس نورماندي، لم يتم إسقاط المظليين على باستون بل دخلوها مترجلين. وعلى عكس نورماندي لم يكن لدى المظليين السلاح الكافي ولا الغذاء الكافي ولا حتى ملابس ثقيلة تقيهم برد غابات بلجيكا القارس.
كانت خطوط إمداد الحلفاء مقطوعة وأصبح مصير الحرب معلقًا بقدرة هذا الجندي على الاستمرار في الحرب بسلاح محدود وجوع وسقيع لا محدودين.
صمد الجندي سبعة أيام، دافع عن خطوطه ضد هجوم العدو الشرس. لم يستسلم ولم تسقط باستون وبالتالي لم يحسن هتلر من شروط خسارته للحرب. وبعد سبعة أيام من الاستبسال تمكنت القوات المدرعة الأمريكية من كسر الحصار الألماني. وحينما علق قائدها - الجنرال باتون - بأنه أنقذ الجندي المحاصر، كان رد الجندي سريعًا وقاطعًا: "من قال بأننا كنا في حاجة للإنقاذ".
.عزيزي القارئ، من قال بأننا – بإنك - في حاجة للإنقاذ؟!