التوقيت الأربعاء، 13 أغسطس 2025
التوقيت 12:29 ص , بتوقيت القاهرة

"آثار الغربية" ملجأ اللصوص ومحترفي التنقيب.. وخارج حسابات الدولة

لم يكن غريبًا أن تتحول أقدم القطع الأثرية إلى أدوات تستخدم في أعمال الجزارة، بعد أن تحولت أقدم المناطق الأثرية التي تعود إلى العصر الفرعوني إلى مقالب لجمع القمامة، ومرتع للعابثين ومحترفي التنقيب عن القطع الأثرية المكشوفة دون أي حراسة؛ وذلك في أكثر من بقعة على أرض محافظة الغربية، وسط تجاهل تام من كافة المسؤولين، لحماية تلك الكنوز الأثرية ومحاولة استغلالها بما يحقق عائدا ماديا لدعم الخدمات بالإقليم.


بقايا تمثال فرعوني بمنطقة آثار سمنود


صخرة أثرية في محيط سلخانة:


قادت الصدفة، في نهاية العام الماضي، مسؤولي الآثار بالغربية إلى اكتشاف صخرة، يعود تاريخها إلى العصر الفرعوني، بعدما ظلت لسنوات تستخدم في "أورمة" يذبح عليها رؤوس المواشي بإحدى القرى التابعة لمركز المحلة الكبرى.


كانت إحدى الموظفات بهيئة الآثار تقوم بشراء مستلزماتها من عمال "المدبح" وشاهدت الحجر الموجود أعلى كوبري السلخانة بقرية محلة أبو علي، وشكت في تاريخه الأثري، حيث أبلغت هيئة الآثار بمركز سمنود.


الصخرة التي تم اكتشافها في محيط السلخانة


الصخرة التاريخية التي كانت تستغل في أعمال الجزارة


وانتقل فريق البحث واكتشفوا أن الصخرة تعود لعهد الأسرة الـ30 الفرعونية وكانت بمعبد "أنوريس شو" بسمنود؛ حيث كانت سمنود عاصمة لمصر في هذا التوقيت، وكان يطلق عليها  "تب نثر"  ويعني "السور المقدس"، حيث فحص موقع الصخرة التي تم العثور عليها كل من إيهاب عبد الظاهر مدير هيئة الآثار بسمنود وبهبيت الحجارة، وأشرف أبو قاسم مفتش آثار، ووسام كمال، مديرآثار سمنود وعبد الرحيم الكرارجي مفتش بالآثار، في وجود قوة من مركز شرطة المحلة الكبرى برئاسة مأمور المركز العميد علاء الغرباوي. 


وتم نقل الصخرة إلى معبد بهبيت بسمنود، حيث تقرر وضعها أسفل عمود من أعمدة المعبد مكانها الأصلي.


الصخرة الأثرية أثناء نقلها بمعرفة مسئولي الآثار


تاريخ الأسرة 26 الفرعونية حظائر للمواشي:


وسقطت آثار مركز بسيون من حسابات مسؤولي المحافظة فلم يتطرق وزير الآثار خلال زيارته الأخيرة للإقليم، منذ عامين، إلى أكثر مناطق الغربية التي تضم العديد من الآثار النادرة خاصة بقرية "صالحجر" حيث يوجد بها آثار يعود تاريخها إلى الأسرة 26 في العصر الفرعوني.


قرية صالحجر التاريخية


وكانت "صالحجر" عاصمة مصر الرومانية وأكبر ممر تجاري في العهد الإسلامي، وما تشهده الآن تلك المنطقة الأثرية من إهمال وصل لحد عدم الاهتمام بإقامة سور يحمي الكنوز التاريخية من عبث اللصوص، وبلغ الأمر إلى تحول التوابيت الفرعونية مرتعًا للمواشي.


ولم يعد لقرية "صالحجر" أي إشارة على خريطة المناطق السياحية بعد أن فقدت الاهتمام بها وتوفير وسائل الحماية لها من عوامل التعرية، التي دمرت العشرات من القطع الأثرية النادرة. 


منطقة صالحجر الأثرية


ويؤكد أهالي بسيون أن المنطقة الأثرية بـ"صالحجر" تحولت إلى "خرابة"، ولم يهتم أي مسؤول أو جهة معنية بالعديد من الشكاوى التي أرسلوها سواء للمحافظة أو منطقة آثار طنطا، لإنقاذ الكنوز الأثرية، في ظل عدم وجود حماية أمنية كافية بالقرية، الأمر الذي سهّل لتجار الآثار واللصوص من العبث بالقطع الأثرية خلال رحلات التنقيب؛ خاصة بالقرب من منطقة المقابر القديمة.


الاثار الفرعونية بالغربية 1


آثار سمنود:


وكان لقرية "بهبيت الحجارة"، التابعة لمركز سمنود، نصيب من حلقات مسلسل الإهمال للتاريخ الفرعوني على أرض الإقليم، حيث تضم معبد "بهبيت الحجارة"، أحد أهم المواقع الأثرية بمركز سمنود والوجه البحري، الذي أصبح مجرد مجموعة من الأحجار الجرانيتية المتناثرة، تحوطها تلال القمامة ومخلفات المواشي، رغم وجود عدد كبير من الموظفين المنوط بهم متابعة حالة المعبد، إلا أن ضعف الرواتب وعدم تثبيت بعضهم، كان سببًا في الاعتناء بتلك الكنوز التي لم تجد رعاية من كبار المعنيين بالأمر.   


آثار بمعبد بهبيت الحجارة


معبد الإله "أنوريس":


آثار معبد الإله "أنوريس" مازالت موجودة حتى الآن بمدينة سمنود، متمثلة في بعض أحجار الجرانيت، المتناثرة خلف المستشفى المركزي بالمدينة، وتحمل أسماء "نخت نبف الثاني" و"الإسكندر الرابع" و"فيليب أريدايوس" و"بطلميوس الثانى"، حيث تحاصرها مخلفات القمامة،وأصبحت المنطقة الأثرية سوقًا ومأوى لتجار المخدرات واللصوص.


آثار بهبيت الحجارة بسمنود


أبـو صير "بنا":


لا يختلف حالها عن باقي المناطق الأثرية بالمحافظة، حيث تقع جنوب غرب مدينة  سمنود بحوالي ستة كيلو مترات  كانت تعرف في النصوص المصرية القديمة باسم (بو – أوزير)، أي: "مقر أوزير"، ثم أصبحت "بوزيريس" في اليونانية، ثم أضيفت إليها الألف في العربية لتصبح أبو صير، وكانت عاصمة الإقليم التاسع من إقليم مصر السفلى، وهي موطن الإله أوزير؛ وتعتبر من أهم المزارات التي كانت تحج إليها مومياوات المصريين القدماء، علاوة على أنها كانت موضعًا مقدسًا يؤمه الناس للزيارات الدينية، واشتهرت ببعض الطقوس الدينية، مثل طقس عزق الأرض، والذي نشأت فكرته هنا، ثم انتقلت إلى أبيدوس.


وارتبط هذا الطقس، الذي يمثل إحدى شعائر تأسيس المعبد بالإله أوزير، ارتباطًا خاصًا، اكتسب معه معنىً آخر، وهو دفن جسد الإله أوزير رمز الخصوبة في الأرض لكي تبعث فيه الحياة من جديد، مثله مثل الحبة التي توضع في الأرض بعد عزقها، وتغطي بالتربة فتظل كامنةً إلى أن تنبت وتدب فيها الحياة.


أجزاء من معبد بمنطقة الآثار


وعود وزير الآثار:


وكان الدكتور خالد العناني، وزير الآثار، قد تعهد خلال زيارته الأخيرة لمحافظة الغربية؛ منذ عامين؛ قد وعد أبناء ومواطني سمنود، والقيادات التنفيذية والشعبية،  بوضع خطة عاجلة تهدف إلى تطوير كافة المتاحف الأثرية بقرية بهبيت الحجارة، باعتبارها تراثًا تاريخيًا يعود إلى عصر دولة الصليبين والحملات الفرنسية وغيرها ، موضحا أنه سيتم الدعم بميزانية جديدة تكفل رفع كفاءتها كمزار سياحي فى الفترة المقبلة .


ورغم أن وزير الآثار خلال تلك الزيارة قد أبدى رغبته فى توقيع بروتوكول تعاون مع ديوان المحافظة بهدف تطوير البنية التحتية، وكافة الخدمات فى مباني ومرافق القصور التابعة لهيئة الآثار؛ تخليدًا لتراث الأجداد، وحفاظًا على قيمته التاريخية، حسب قوله، إلا أن مسؤولي المحافظة لم يتخذوا أي إجراء لتنفيذ الاقتراح، منذ ذلك التوقيت.


وزير الآثار خلال زيارته معبد بهبيت الحجارة


وزير الآثار أثناء زيارته آثار سمنود منذ عامين


التاريخ خارج حسابات المحافظ:


وأكد اللواء أحمد ضيف صقر، محافظ الغربية، في العديد من المناسبات، أن الدولة قادرة على رعاية أثار بلدها ورفع كفاءات أبنائها من العلماء والمتخصصين فى مجال الآثار وترميمها، مضيفًا أن الجهود المبذولة من جانب قيادات المحافظة بالتعاون مع وزارة الآثار قد توصلت إلى الموافقة على دعم وتطوير عدد من القصور والمباني والكنائس والمساجد الأثرية على مستوى قرى ومراكز طنطا والمحلة وسمنود وزفتي وغيرها، ولم تشمل تصريحات المحافظ ما يتعلق بما تضمه تلك المناطق من كنوزفرعونية ورومانية، إضافة إلى عدم تنفيذ أي خطوة فيما أعلن عنه .


محافظ الغربية ووزير الآثار بمعبد بهبيت الحجارة