ساسة وأخواتها.. حرفية كسر "التابوه" أفسدتها تجارة الأيديولوجيا


"وسائل الإعلام هي الكيان الأقوى على وجه الأرض، لأنها تتحكم في عقول الجماهير"
(مالكوم إكس)
في 5 نوفمبر 2016، سربت وسائل إعلام اجتماع لقيادات جماعة الإخوان الإرهابية في تركيا، كان من ضمنهم عمرو دراج، وجمال حشمت، ويحيى موسى، وعلي بطيخ، كانوا يعدون وقتها للحشد في يوم 11/11، واستغلال زيادة الأسعار بعد قرار تحرير سعر الصرف، وانخفاض قيمة الجنيه أمام الدولار.
جزء من خطة الجماعة، وهذا هو الأقوى والأهم، يتضمن الاعتماد بشكل أساسي على القنوات والمواقع الإلكترونية الموالية لهم، في تنفيذ الخطة، مساعٍ كثيرة بذلت وأموال طائلة في سبيل تصدير صورة خاطئة للعالم عن الاقتصاد المصري، واهتزاز يد متخذي القرار في مصر.
تضمنت خطة الجماعة الاعتماد على المواقع الموالية والكتاب الموالين لها في:
- نشر أخبار للتشكيك في قدرة الدولة المصرية على القيادة والإشارة إلى اهتزاز يدها في القرارات التي ستؤدي إلى غرق الاقتصاد في النهاية.
- نشر مقالات تحرض المواطنين على التحرك ضد الغلاء وزيادة الأسعار مع إرفاقها بالهاشتاجات ودعمها على مواقع التواصل الاجتماعي.
- دعم صفحات المواقع الموالية للجماعة بالكتاب والشباب ذوي الشعبية العالية في لإشاعة رفض المواطنين لما يحدث في الشارع المصري، وأن السياحة في تراجع ولن تستعيد عافيتها مرة أخرى.
"مقالات عبد الرحمن يوسف تنشر في هافنجتون بوست، وعربي 21 في توقيت متقارب. بينما مقالات محمد صاوي عن المصالحة، نشرت في هافنجستون بوست، وساسة بوست في ذات التوقيت".
ساسة بوست
"هذا الموقع المسمى «ساسة بوست» الذي يحاول جاهدا إخفاء إخوانيته وينقص كتّابه فقط أن يذيّلوا مقالاتهم وموضوعاتهم وتراجمهم بـ«أنا مش إخوان» لكي تصدق ما يكتبون ولا تصنفهم ولا تبحث عما يراد لك من قراءة المادة المكتوبة، رغم أن بعض ما ينشرون جيدا من ناحية التناول لكن يغلب الهوى والتحيز"، هكذا هاجم الكاتب المصري علاء الغطريفي، في مقال عنون بـ"إلى صغار «إخوان أو ساسة بوست»"، السياسة التحريرية للموقع الذي يعرف نفسه:"مستقل؛ لا يتبع أيَّة جهة سياسية أو إعلامية، أو غير ذلك، ماديًا، وإداريًا، وتحريريًا"، لكن تقرير "لماذا حذفت الصحف المصرية أرشيفها عن الثورة؟ سيناريو الداخلية في عداء الذاكرة"، لم يكن نموذجًا صحفيًا متوافقًا مع تعريف ساسة بوست. وغير عادل مع المؤسسات الصحفية في مصر تحديدًا.
زعم التقرير أن بعض الصحف المصرية حذفت أرشيفها الخاص عمدًا لـ ثورة 25 يناير، وهو ما قابلته تلك الصحف بالرد أنهم استمروا في الكتابة عن الثورة في ذكراها السنوية، ولم يحدث الحذف، بينما كاتبة التقرير تشير إلى الأرشيف الإلكتروني للصحف المصرية عن الثورة "404".
في واقعة أخرى، رُصد موقف غريب من ساسة بوست، حيث نشر استطلاع رأي، على موقع التدوينات القصيرة "تويتر"، خاص بـ الطائرة المصرية المنكوبة، والقادمة من باريس، والتي اختفت في المياه المصرية، مايو 2016، سؤال ساسة كان: "في رأيك ما الذي أدى إلى سقوط الطائرة المصرية؟"، وجاءت الإجابات كالتالي:
1- عمل إرهابي
2- عطل فني
3- قضاء وقدر
4- مصر أم الدنيا
ما أثار غضب المغردون تجاه الاختيارات الساخرة من القيادة السياسية في مصر، سرعان ما تدارك الموقع وحذف الاستطلاع.
اللافت أن الموقع الذي ينفي عن نفسه صفة الانحياز، يرصد مقالات تدعم بشكل مباشر قطر، وفي ذات الوقت تهاجم مصر، مثل مقال "مصر وقطر .. أشباه الدول وطموح الدويلات"، لـ عبدالكريم محمد، عضو سابق في حزب التيار المصري، الذي أسسه عدد من شباب ثورة 25 يناير، وأعضاء سابقون في جماعة الإخوان، وفي هذا المقال نرى مقدار الإشادة التي حملها عبد الكريم لقطر: (الدبلوماسية القطريةـ بوعي واتزانـ استطاعت أن ترسخ لقطر وضعًا إقليميًا هامًا؛ أنها نشطة جدًا الآن)، يتساوى مع كم النقد والهجوم على مصر، حيث يرى أن: "اليوم الدبلوماسية المصرية في حال من التراجع لا يمكن وصفها، تلك التي كانت مفتاح إفريقيا، والشرق الأوسط، لعقود؛ إذ توقفت عضويتها في الاتحاد الإفريقي؛ بسبب انقلاب عسكري أطاح بتجربة ديمقراطية وليدة، وتفقد ريادتها العربية؛ لصالح دول «الرز» الخليجي".
نظرة فاحصة على المقالات التي تشير إلى قطر، نجد ميلًا واضحًا مثل "عجبًا.. عندما تمطر سماء الحصار في غزة تبدأ بـ قطر!"، بينما مصر والسعودية والإمارات، في دائرة اتهام وهجوم دومًا.
في المقابل تركيز كبير على الأزمات المصرية وإعادة صياغة الترجمات، ما يعطي انطباعًا للقارئ أن النهاية وشيكة لمصر، آخرها تداعيات تعويم الجنيه المصري، (جيروزاليم بوست: مصر ستغرق في الفوضى إذا فشلت إصلاحات السيسي)، و («بيتر هسلر» لمجلة «النيويوركر»: ثورة مصر الفاشلة).
الهافينجتون بوست
"أمام الصحفيين، والمراسلين، والمسؤولين عن صفحات التواصل الاجتماعي، ومدراء التحرير وغيرهم فرصة التقديم إلى الوظائف الشاغرة في لندن وتركيا. تبحث مؤسسة هافينجتون بوست عربي عن صحفيين ناطقين باللغة العربية في كلٍ من لندن واسطنبول من أجل الانضمام إلى فريق عملها". هكذا أعلنت هافينجتون بوست، عن نفسها لأول مرة في صيغة إعلان، طلب محررين صحفيين، نشر في 31 أكتوبر 2014، عبر موقع شبكة الصحفيين الدوليين.
بعد نحو عام من هذا الإعلان، انطلق موقع هافينجتون بوست عربي، في 27 يوليو 2015، تحت إشراف وضاح خنفر، الذي كان يعمل مديرًا سابقًا في قناة "الجزيرة"، وقد بدأ الموقع بتعريف نفسه، منصة الكترونية تستخدم أدوات الديجيتال ميديا الإعلامية بحرفية، "المحتوى الخبري بزاوية مختلفة، قصص الإنسان وجهتنا.. وبث الأمل هدفنا، نحمل أصواتكم إلى آذان وقلوب عربية عبر مدوناتنا".
وكانت أول اللقطات التي قدمها الموقع، حوار مع الرئيس التونسي السابق المنصف المرزوقي، محتويًا هجومًا شديدًا على القيادات السياسية في مصر، ودفاعًا عن جماعة الإخوان، ووجه المرزوقي رسالة لـ الرئيس عبد الفتاح السيسي، بشأن مزاعم إعدام محمد مرسي، وقيادات الجماعة: "لا ترتكب جريمة نكراء في حق مصر والأمة وحقك الشخصي، قضية الإعدامات غلطة بشكل عام لا يمكن تداركها، كما أني كنت ولا زلت ضد تنفيذ حكم الإعدام، فهي أقل الحلول نجاحا على مر التاريخ". وقد لاقت تلك الكلمات إشارة للمنهج الذي سوف تسير عليه تلك المنصة الجديدة مستقبلًا.
بعيدًا عن الترجمات والحوارات والتقارير، التي تسير في اتجاه هجومي واحد، إلى جانب مغازلة الترافيك بموضوعات أخرى، يتضح أن انتقاء الكتاب المشاركون في الموقع، لهم تجارب سابقة في التدوين ضد القيادة السياسية في مصر، تحديدًا عهد الرئيس عبد الفتاح السيسي، واستمروا في الكتابة حتى الآن، عدا الداعية عمرو خالد الذي شارك بثلاثة مقالات فقط ثم توقف.
اللافت أن مقالات عبد الرحمن يوسف، تنشر في هافنجتون بوست، وعربي 21 في توقيت متقارب. بينما مقالات محمد صاوي عن المصالحة، نشرت في هافنجستون بوست، وساسة بوست في ذات التوقيت، وما يوحي بأن سلسة المنصات الإلكترونية تتبع إدارة نشر واحدة، تنشر في ذات الوقت.
نون بوست
تأسس نون بوست، في أغسطس 2013، يقدم الموقع نفسه كـ"متخصص في تقديم رؤية أعمق للأخبار والتحليلات، كما يشجع الحوار وحرية التعبير". ويعتمد في مادته على التقارير المترجمة، والمقالات، والصور، والإنفوجرافيك، والخرائط التفاعلية، والفيديوهات، وقد تعرض الموقع للحجب في الإمارات والسعودية في وقت متقارب نهاية عام 2015.
مساء الأحد 4 أكتوبر 2015، تم حجب نون بوست في المملكة العربية السعودية، وأصدر فريق عمل الموقع بيانًا، يرفض سياسة الاقصاء وتكميم الأفواه، مزج البيان بين التفاؤل بتولي الملك سلمان بن عبد العزيز، إدارة المملكة، وبين تقييم البيان حملت تقييمًا للنظام السياسي، بشأن "قدرة السعودية على القيام بدور فاعل في قيادة المنطقة، الموقف السعودي المعلن من دعم خيارات الشعوب المقهورة في سوريا واليمن".
لبيان أسباب الرفض السعودي لمنشورات منصة نون بوست، تلك بعض النماذج التي توحي أن القيادات السعودية، لم تستوعب تلك الأفكار المناهضة لسياستهم. صياغة ومضمون التقارير تروج لوجهات نظر.
1- تدمير مكة: عن الذي فعلته السعودية بالمسلمين
2- حلم السعودية بفرض سيطرتها على العالم العربي والإسلامي أدخلها في متاهة
3- هل تعطي السعودية "قرصة ودن" لمصر بإيقاف الإمدادات البترولية؟
4- التطبيع مع "إسرائيل" حلم اللوبي السعودي في واشنطن
5- تفكك الإمبراطورية السعودية في وجه المحور الإيراني الجديد
عن الحجب الإماراتي، في 29 ديسمبر 2015، قال فريق تحرير نون بوست، في بيان عنون بـ (تصفح نون بوست في الإمارات قد يكلفك أكثر من نصف مليون دولار)، إن السلطات الإماراتية أصدرت قانونًا يمنع المقيمين على أراضيها من استخدام برامج الـ "VPN" المستخدم في تجاوز حجب المواقع الالكترونية، والتعرض لغرامة قد تصل إلى أكثر من نصف مليون دولار، فيما تلقت العديد من المواقع الالكترونية تحليلًا مختلف للمواقع الإخبارية، أن المخالفة المنصوص عليها في القانون وهي "التحايل على العنوان البروتوكولي للإنترنت بقصد ارتكاب جريمة أو الحيلولة دون اكتشافها".
وقال مدير عام الهيئة العامة لتنظيم قطاع الاتصالات حمد عبيد المنصوري، بشأن عقوبة VPN: "إن ريادة الدولة في مجال تطبيقات الإنترنت وتكنولوجيا المعلومات عموماً، تتنافى مع ما تم تداوله عبر بعض وسائل الإعلام فيما يتعلق باستخدامات الشبكات الافتراضية الخاصة".
تجدر الإشارة إلى أن الحجب في دولة الإمارات، شمل مع نون بوست، موقع "عربي 21"، وصحيفة العربي الجديد. وقد لجأ "نون" إلى استخدام نطاق بديل، لتخطي أزمة الحجب.
عربي 21
بعد شهرين من تدشين نون بوست، يظهر موقع جديد اسمه "عربي 21"، في 3 أكتوبر 2013، تحت شعار "لأن صورة واحدة لا تكفي.. نأخذك بالخبر لزوايا أعمق"، وبالتعمق في زوايا هذا الموقع، نجد أن أهم كتاب المدونة، الناشطة آيات العرابي، المذيعة السابقة في التلفزيون المصري، والتي تشن هجومًا على الشرطة والجيش المصري.
في سياق متصل يهتم الموقع بالترجمات والتقارير التي يعاد صياغتها لإظهار مصر في موقف الفشل والضعف، في المقابل ينشرون ويترجمون فيلم وثائقي يبرز إنجازات رجب طيب أردوغان، بعد سنوات من الضعف في التسعينات.
لم تنته تجارب المنصات الالكترونية بعد، آخر تلك التجارب الإعلامية، موقع اسمه "ميدان"، تطلقه قناة الجزيرة؛ للوصول لجمهور المواقع الشبابية في الوطن العربي.
لماذا نجحت ساسة بوست واخواتها في الفضاء الالكتروني؟
كتب الباحث في النانو إلكترونيات بمركز الأبحاث إيمك، أحمد عبد الحميد، وأحد مؤسسي موقع ساسة بوست، مقالًا مطولاً، نشر في ذات اليوم (11/11/2015)، في موقع "ساسة بوست"، وموقع "هافينجتون بوست عربي"، وموقع "عربي 21"، لكن قبل أن نتطرق إليه، نشير إلى أن عبد الحميد، شارك في مدونة بعنوان "من أوربا البلد"، يكتب فيها بشكل دوري هجومًا شديدًا على الرئيس عبد الفتاح السيسي، والحكم العكسري - وفق وصفه- واستخدام مصطلحات مثل "الانقلاب- العسكر- مهاويس السيسي.. إلخ".
يرى عبد الحميد، الذي انتقل من مجال الهندسة إلى الصحافة: "أنا مهندس في النهاية، ودوري لم يكن أبدًا تحريريًّا.. وإنما إداريًّا"، أن ساسة بوست أصبحت ساسة الملجأ الأساسي لمقالات الأقليات الدينية والفكرية التي تمارَس الرقابة عليها"، وفي فقرة أخرى "وتحملنا عبء اختيار نوع بعينه من التقارير دون غيره". والسياسة التحريرية اعتمدت على الأسس الآتية:
1- أن يتم قبول النزاع نفسه كجزء من عملية التجويد. وعمل ترتيب تلقائي للكتّاب استنادًا لتفاعل الجمهور مع مقالات كل كاتب، سمي باسم "ساسة رانك"، مع الوقت، أصبح عدد كبير من الكتّاب مهتمًّا بترتيبه، وبأهمية أن ينشر، ويعيد نشر، ويكتب أكثر.
2- استخدام أدوات إدارية إما مصممة خصيصًا للمنصة لمتابعة أعضائها وأعمالهم بشكل دوري، وفي صفحة واحدة لكل مسؤول.
3- إدراج خصائص تكنولوجية لم تكن متوفرة في أي موقع عربي آخر. مثل، "خاصية إدراج المصادر بشكل واضح في نهاية المقال بعدة طرق.
أو خاصية الـPush Notifications للزوار على متصفحهم، أو خاصية ترتيب المقالات والكتّاب بشكل ديناميكي استنادًا لتفاعل الجمهور مع مقالاتهم، أو خاصية تحديد المقالات الصاعدة Trending في كل قسم على الصفحة الرئيسية".
4- المشاركة الدولية مع شركات خلق وتحرير المحتوى، مع دول مختلفة كهولندا والأرجنتين وإنجلترا.
like | unlike |
المشاركة الدولية في المحافل الإعلامية | حذر في الكتابة عن تركيا وقطر (يغلب المدح) |
استخدام أدوات الديجيتال ميديا متطورة | كتاب ذات خلفية إسلامية أو معارضة للأنظمة الحاكمة. مثل عبد الرحمن يوسف، أو آيات العرابي. |
الابتعاد عن الصياغات المعلبة في التقارير الصحفية | تنسيق نشر بين المواقع ذات الخلفية الواحدة، سواء مقالات أو تقارير، حيث نجد 21 ينقل عن ساسة بوست، والأخيرة تنقل عن هافنجتون بوست عربي.. وهكذا. |
ارتباط اسم الجزيرة القطرية بالعاملين في معظم تلك المواقع. |
