التوقيت الجمعة، 29 مارس 2024
التوقيت 06:05 م , بتوقيت القاهرة

لبنان في غرب إفريقيا.. قصة الاغتراب والثروة

كتب- إبراهيم مصطفي:

قبل حوالي 150 عاما كان اللبنانيون يصلون إلى شواطئ غرب إفريقيا ظنا منهم أنها أمريكا التي جذبت عشرات الآلاف من المهاجرين اللبنانيين في ذلك الوقت، والآن وصلت الجاليات اللبنانية إلى الجيل الثالث في غرب إفريقيا، وأصبحوا يشكلون عنصرا هاما في تلك المجتمعات بما لهم من نفوذ اقتصادي كبير.

اختلفت الروايات التاريخية حول أول مهاجر لبناني إلى غرب إفريقيا، حيث أكد مؤرخون أن غانا استقبلت أول المهاجرين اللبنانيين عام 1870، بينما رأى آخرون أن أول المهاجرين اللبنانيين كان إلياس الخوري يونس، عام 1882، الذي وصل إلى سواحل نيجيريا.

خلال النصف الثاني من القرن 19، تزايدت حركة هجرة اللبنانيين خارج بلادهم، فذهب الكثيرون منهم إلى مصر، بينما اتجه آلاف آخرون إلى الولايات المتحدة وأمريكا الجنوبية، خاصة البرازيل، وذلك لعدة أسباب، أهمها سوء الأحوال الاقتصادية وأحداث الفتنة الطائفية التي وقعت عام 1860، بين الموارنة من جهة، والدروز والمسلمين، من جهة أخرى.

اتجاه اللبنانيين إلى غرب إفريقيا، يرجعه مؤرخون، إلى الظروف الاقتصادية التي لم تمكن بعض من رغبوا في الهجرة من التوجه إلى أمريكا خاصة بعد تشديدها شروط الهجرة في عام 1860، وكان اللبنانيون في طريقهم للهجرة إلى امريكا يتوقفون في مرسيليا بفرنسا، ونظرا لقلة الأموال لدى الكثير منهم يغيرون وجهتهم إلى إفريقيا، كما بدأت فرنسا ترحب باللبنانيين في مستعمراتها الإفريقية مع نهاية القرن التاسع عشر، وأعطت للجاليات اللبنانية امتيازات مكنتهم من العمل والإقامة بحرية.

بدأ المهاجرون اللبنانيون حياتهم في دول غرب إفريقيا، بالعمل في التجارة المتجولة أو ما يسمى "الكشة" وهي صندوق أو حاوية فيه بضائع للبيع، ويستفاد منه كسرير في آخر الليل، وشيئا فشيئا، تطورت "الكشة" إلى محل تجاري فمصنع ثم شركة ضخمة، وتوسعت تجارتهم إلى المواد الغذائية والأقمشة والآلات الكهربائية مرورا بتجارة الأسماك والأخشاب والبن، وصولا إلى الذهب والماس، وكان نجاحهم الكبير سببا في ظهورهم كقوة اقتصادية حقيقية قادرة على منافسة التجار المحليين، ما عرضهم للاستهداف والاضطهاد في بعض الأحيان.

خارطة الانتشار 

ليبيريا:
منذ وصول اللبنانيين إلى ليبيريا في العام 1895، وزعوا نشاطهم على مختلف القطاعات، في التجارة والصناعة والعمل الاجتماعي والتربية والبنى التحتية، فمنحهم أهالي البلاد ثقة كبيرة توجت بوصول أحد أفراد الجالية اللبنانية موني قبطان إلى منصب وزير الخارجية في العام 1997، وتراجعت أعداد اللبنانيين حاليا في ليبيريا بفعل الحرب الأهلية التي عصفت بالبلاد خلال التسعينات، حيث تشير الإحصاءات إلى وصول عدد اللبنانيين إلى أقل من 1000 بعدما كانوا 15 ألفا في عام 1996.


ساحل العاج:

وفي ساحل العاج، تعتبر الجالية اللبنانية المتواجدة هناك منذ عام 1920 الأكبر في القارة السمراء، إذ يزيد عدد أفرادها على 120 ألفا، وهم يشكلون ركيزة اقتصادية مهمة في البلاد، حيث يسيطر اللبنانيون على 60% من الأنشطة الاقتصادية بحيث يمتلكون بها أربعة آلاف مؤسسة من بينها 1500 مؤسسة صناعية يعمل بها نحو 150 ألف مواطن من أهل البلاد، وقد حظي اللبنانيون بامتيازات خاصة من قبل الدولة هناك، فمنحتهم دون غيرهم من الجاليات حق العضوية في غرف التجارة والصناعة والزراعة.


نيجيريا:

وفي نيجيريا، تعيش الجالية اللبنانية التي تبلغ حوالي 30 ألفا منذ حوالي 120 عاما. وقد اندمجت في المجتمع المحلي، فأخذت الكثير من عاداته وتقاليده حتى أصبحت جزءا لا يتجزأ من التركيبة المحلية للبلاد. وبرز منها رجال أعمال كبار لعبوا دورا أساسيا في تحريك الاقتصاد المحلي بحيث أصبحوا عاملا مساهما في التقدم الذي حققته نيجيريا إلى اليوم.

السنغال:
يبلغ عدد المغتربين اللبنانيين في السنغال حوالي 25 ألفا، وهم يعملون حاليا في صناعة الصابون والبلاستيك والحلويات. كما نجحوا في احتلال مراكز مهمة سياسيا وعسكريا واقتصاديا في تلك البلاد، مثل النائب في البرلمان علي صالح، والجنرال في الجيش فائز برجي.

سيراليون:
هاجر اللبنانيون إلى سيراليون في عام 1890 حتى بلغ عددهم 25 ألفا في نهاية التسعينات، قبل أن يقلوا إلى نحو 6 آلاف حاليا، بسبب الأزمات في سيراليون، واستقطبت مناجم الماس أعدادا كبيرة منهم، ويعتبر تاجر الماس جميل سعيد اللبناني الأشهر في سيراليون.


غانا:
استطاع اللبنانيون الذين قدموا إلى غانا في مطلع القرن الماضي، أن ينسجوا علاقات متينة مع الشعب الغاني، ويعتبر عددهم الذي يبلغ ما بين 3-5 آلاف متواضعا بالقياس مع عدد اللبنانيين في الدول الإفريقية المجاورة.

وتميزت الهجرات اللبنانية في فترة ما بعد اندلاع الحرب الأهلية اللبنانية (1975-1990) بزيادة عدد أبناء الجنوب الشيعة إلى غرب إفريقيا، حيث مثلوا حوالي 90% من مجموع المهاجرين اللبنانيين في تلك الفترة، وهو ما تسبب في نشر المذهب الشيعي في العديد من الدول، مثل السنغال التي بلغ عدد الشيعة فيها نحو 6000 شخص، كما أن التجار اللبنانيون الشيعة في دول غرب إفريقيا شكلوا موردا ضخما للتبرعات لحزب الله، وشكلوا مركزا لنفوذ إيران في غرب إفريقيا، بحسب تقارير صحفية لبنانية.


حزب الله في غرب إفريقيا:

تعتبر منطقة غرب إفريقيا الغنية بالمعادن والمناجم، مصدر تمويل كبير وضخم لحزب الله وإيران على حد سواء، فهما اللذان استطاعا الوصول إلى تلك الدول لزرع استثمارات ضخمة درت أموالا طائل إليهم، خاصة في مجال المعادن كالماس والذهب.

وبحسب صحيفة الشرق الأوسط، فإن تعداد الشيعة في غرب إفريقيا حتى عام 2010، تخطى حاجز الـ7 ملايين، مشيرة إلى أن طهران وحزب الله كانا سببا انتشار هذا المذهب تحديدا بين مسلمي المنطقة.

ونقلت قناة العربية الإخبارية، في يونيو من العام الماضي، خبر تغريم بنوك لبنانية أدينت بتهم غسيل أموال تابعة لـ"حزب الله"، وهو ما كشفت عنه تحقيقات مطولة للاستخبارات الأمريكية، أثبتت فيه استخدام الحزب لدول غرب إفريقيا في نقل المخدرات بين عملاء تابعين لهم بأمريكا اللاتينية للتوسع في هذه التجارة في منطقة الشرق الأوسط وأوروبا، وأثبتت التحقيقات أن عناصر حزب الله "يجندون" عملاء جدد في سيراليون والسنغال وساحل العاج، بهدف جمع الأموال لصالحه.

فيما ذكرت صحيفة "هآرتس" الإسرائيلية، أن لبنانيين مقربين من "حزب الله" يسيطرون على تجارة الماس في عدة دول غرب إفريقيا أهمها غينيا وسيراليون، قائلة إن هؤلاء اللبنانيين يشكلون خطرا على مستثمرين إسرائيليين يعملون بكثافة هم الآخرون في هذه التجارة بغرب إفريقيا.