مايكرو دعدوش


دعدوش هو تصغير داعشيّ، وجمعها دعاديش. والدعدوش هو الداعشي الناشئ اللي لسه على قد حاله، أو الداعشي اللي مش لاقي حد يوجهه للدعشنة المحترفة اللي على أصولها، أو الداعشي اللي لسه ماكتشفش كل مخزون الدعشنة اللي جواه أو اللي مش لاقي ظروف مواتية لاستعراض دعشنته الحقيقية.
الدعاديش دول منتشرين جدا جدا حوالينا. بص حواليك كويس، وأنت حتلاقي عشرين دعدوش عالأقل تعرفهم كويس وبتقابلهم وتتكلم معاهم أو تسمعهم وتقرا لهم كل يوم، في البيت أو في مدخل العمارة أو في صلاة الجمعة أو في الشغل أو في النادي أو عالقهوة أو الكافيه أو عالسوشيال ميديا، وحتلاقي أنك بتقرا مقالات لدعاديش في الجرنال كل يوم وبتشوف حوارات مع دعاديش في التوك شو كل ليلة، وبتقرا بوستات لـدعاديش عـ "الفيس بوك" وتويتر كل يوم، ومش بعيد- للأسف- تلاقي أن أنت كمان دعدوش وعارف أو مش عارف أنك كده.
صحيح أنك بتقول أن داعش إرهابييين، وصحيح أنك زعلت واتصدمت لما داعش حرقت الطيار الأردني معاذ الكساسبة ولما داعش ذبحت الرهائن المصريين في ليبيا، ومش بعيد تكون زعلت لما داعش دمرت آثار مدينة تَدْمُر أو لما داعش عرضت فتيات كرديات وأيزيديات للبيع في سوق السبايا، والأكيد أنك بتقول أن داعش فئة ضالة مش بتمثل صحيح الإسلام وإنها بتؤدي دورها في مؤامرة أمريكية محبوكة على الإسلام وعلى المنطقة ككل.
كل ده تمام جدا ونشكرك عليه. بس هل تتخيل أنك رغم أنك بتعمل كل ده، بس ممكن برضه تكون دعدوش وأنت مش عارف أو وأنت عارف بس بتنكر أو وأنت عارف بس بتمارس التقية وبتستخبى لحين سنوح الفرصة المواتية لإظهار الدعشنة المعتبرة؟؟
طب إزاي؟؟
الدعشنة مش بس قتل وحرق وتغريق وتدمير وسبي وفرض جزية واقتحام وغزو وتكفير علني. الحاجات دي هي الدعشنة في صورتها التامة أو في أقصى درجاتها، والدرجة القصوى دي من الدعشنة مش سهل الوصول لها ولا سهل ممارستها إلا لما تكون الدولة انهارت، ومابقاش فيه مؤسسات ولا سلطة ولا رقابة ولا نظام ولا أي حاجة خالص غير صوت الرشاشات وريحة البارود. وكل ده وأكتر حصل في سوريا وليبيا وفي مناطق من العراق، مابقاش فيه هناك أي وجود للسلطة المركزية ولا المؤسسات ولا النظام، وعشان كده الدعشنة هناك وصلت للدرجة القصوى بتاعت القتل والحرق والتغريق والتدمير والسبي وفرض الجزية والاقتحام والغزو والتكفير العلني.
بس في مصر ماحصلتش الفوضى دي ولا عمرها حتحصل. صحيح أننا قربنا من الفوضى المطلقة في يوم 28 يناير اللعين، بس الأمور اتلمت بعد كده لأن الدولة المركزية في مصر أعمق من أنها تنهار تماما. وفي يوم غزوة أوباش حازم أبو إسماعيل اللي قرروا فيها تأديب اسكندرية انتقاما للشيخ المخرف المحلاوي، كان فيه بوادر ظهور واضح للدواعش، وأنا شخصيا اتقال لي يومها كلام من واحد من دواعش حازمون من نوعية حنربي إسكندرية وحنعلمها الأدب وحنخليها تنام من المغرب وحنخليها أول إمارة إسلامية في مصر. بس طبعا الغزوة فشلت والغزاة أخدوا علقة إسكندراني محترمة وعادوا للقاهرة وللأرياف بخُفي حنين.
وكمان حصل في الصعيد موضوع قطع ودن الراجل اللي جاب ست عنده في البيت، وحصل موضوع قتل الشيخ الشيعي حسن شحاتة ومساعديه. بس كل ده كان أحداث فردية أو مش عامة أو مش مستمرة. يعني عموما الظروف في مصر ماكانتش ولا حتكون مواتية أبدا لظهور الدرجة القصوى من الدعشنة اللي بتحصل في سوريا وليبيا وأجزاء من العراق، لأن مصر فيها مؤسسات وفيها نظام. بس ده مش معناه أن مفيش دعشنة خالص في مصر.
في مصر عندنا دعاديش صغيرين بيمارسوا دعشنة جزئية مش قصوى. ناس تبان عادية جدا وطبيعية وممكن تبان متحضرة ومثقفة ومن الطبقة الراقية كمان، بس أفكارهم من الداخل شديدة التطرف ومليانة عنصرية وكراهية وسموم وتقزيز. ممكن تكون أفكارهم دي متدارية بشكل عام أو بيحاولوا يداروها على قد ما يقدروا أو مش بيصرحوا بيها غير لناس معينين وفي قعدات معينة، بس مش صعب أنك تكتشفها في مناقشة طويلة، أو من بوست طويلة، أو من مقال طويل، أو من تتبع دقيق لنمط حياة الواحد منهم واختياراته وقناعاته. مثلا مثلا ممكن تلاقي كل أو معظم العناصر التالية مشتركة بين كل الدعاديش الكامنين اللي في حياتك:
- بيشوف أن فرض الجزية على الأقباط في مصر مش عيب ولا إهانة ولا إذلال ولا ضرب لمبدأ المواطنة، بالعكس ده بيشوف أنه فرض ديني وإنه حماية للمسيحيين وراحة لهم وتقدير واحترام بدل ما يتم تجنيدهم في الجيش ويتبهدلوا.
- بيبعت ابنه الصغير اللي لسه قالع البامبرز من سنة ونصف يحفظ قرآن في الصيف بطريقة الخرائط الذهنية.
- كل ما يشوف طفلة لابسة حجاب يقول ما شاء الله ربنا يهدي كل بناتنا للإيمان في سن صغيرة كده عشان التعليم في الصغر كالنقش عالحجر. وبيمنع بنته من ممارسة الرياضة، وبيفرض عليها الحجاب وهي في الإعدادية.
- شايف أن الوجود العربي في إسبانيا كان فتح، إنما الوجود الفرنسي في مصر كان احتلال. وبيتحسر على أيام العرب في الأندلس وعلى المجد الإسلامي الزائل هناك، إنما بيعتبر عضوية مصر في الفرانكوفون مهانة وخضوع للإمبريالية.
- بيعتبر أن فوائد البنوك حرام ومقتنع تماما بحُرمتها لأنه سمع شيخ بيقول كده في التليفزيون، مع العلم أن الشيخ ده مش دارس اقتصاد ولا يعرف يعني إيه معدل التضخم وللا القيمة الحقيقية للنقود ولا معدل نمو مؤشر الأسعار للمستهلكين.
- بيعتبر أن الشغل في البنوك حرام لأنها بتدفع مرتبات موظفيها من الفوائد الربوية.
- كل ما يعدي على محلات بيع خمور، بيمتعض ويبص بصة احتقار للي شغالين في المحل والزباين اللي داخلين أو طالعين منه.
- بيتضايق ويلعن ويسب كل ما يلاقي ولد وبنت قاعدين قريب من بعض أو ماسكين إيد بعض في جنينة أو في الأوتوبيس وبيعتبر ده انحراف وانحلال وعلامة من العلامات الصغرى بتاعت القيامة، بس مش بيتضايق لما يشوف تحرش في الشارع ومش بيحاول يتدخل لحماية البنت من المتحرش، وبيكون مقتنع من جوة أن الشباب معذور وتَعبان، وأن اللبس الضيق بتاع البنات وقلع الحجاب لهم دور رئيسي في انتشار التحرش.
- بيقول لأصحابه المقربين أن الست مكانها الطبيعي البيت وأن زحمة الشوارع وقلة الوظايف سببهم خروج وشغل الستات.
- بيرفض يذاكر الفصل بتاع النظرية الشيوعية في مادة تاريخ القانون، وبيرفض يقرا الفقرة بتاعت نظرية التطور في كتاب الأحياء، وبيرفض (لو كان دعدوش مسيحي) يحفظ معاني كلمات السورة القرآنية المقررة عليه في النصوص في مادة العربي، وبيعتبر أنه حرام عليه لو ذاكر أو قرا أو حفظ أي حاجة من دي.
- بيسأل نفسه دايما: هو التأمين حلال وللا حرام؟ طيب البورصة حلال وللا حرام؟ والتلقيح الصناعي؟ وتحديد جنس الجنين؟ واستخدام جوزة الطيب في الطبيخ؟ وإيه معنى كلمة بيبسي وهل هو بجد المعنى اللي اتقال له في ثانوي؟ وفين إنجيل برنابا وليه مانرفعش قضية على الفاتيكان عشان ينشره؟ وليه ناسا دارت على العالم كله أن رواد الفضاء سمعوا صوت الأذان من السماء وهما في المحطة الفضائية الدولية؟ وهل "الشذوذ الجنسي" (اللي هو المثلية الجنسية بلغة المتحضرين مش الدعاديش) يستوجب الاستتابة ثم القتل وللا يستوجب الحرق المباشر أو الرمي من فوق أسطح العمارات على طريقة داعش الموصل؟ وبالنسبة لآثار الفراعنة، إيه؟ والصلاة في الجوامع اللي فيها أضرحة؟ والدعاء للميت أمام القبر يكون في اتجاه القبلة وللا في اتجاه اللحد؟ الخ الخ الخ.
- بيقتنع أن فيه علم نافع وفيه علم ضار، والعلم النافع هو العلوم الشرعية بس زي ما خطيب الجمعة بيقول، أما ماعدا ذلك فهو ضلالة.
- لو راح شرم الشيخ أو حتى جنوب اليونان، بيكون ممتعض من ملابس البحر بتاعت السائحات الأجنبيات هناك، وبيبقى عايز شرطة السياحة تمنع المايوهات على الشواطئ وخصوصا البيكيني مراعاة لأنه تَعبان ومعذور.
- بيتمنى كل خلفته تكون ولاد، وبيزعل لو أول خلفة كانت بنت، وبيفرّق بين الولد والبنت في العقيقة اللي هي طبعا بقت إجبارية ومابقاش فيه حاجة اسمها السبوع. ولو كان دعدوش مسيحي، بيعمل التعميد بتاع مولوده الذكر في ميعاد مختلف عن ميعاد تعميد المولودة الأنثى لأن طبعا الولد حاجة والبنت حاجة تانية.
- بيكون عنده اعتراضات على الأكل من مطاعم أصحابها مسيحيين (لو كان دعدوش مسلم) أو مطاعم أصحابها مسلمين (لو كان دعدوش مسيحي).
- بيكون نادم على انه ضيع فترات طويلة من شبابه في سماع أغاني الحب والغزل والانحلال بتاعت حميد الشاعري وعمرو دياب وعلاء عبد الخالق وعامر منيب.
وأمثلة وعناصر تانية كتييييير طبعا. ممكن تلاقي كل الحاجات دي في نفس الشخص وممكن تلاقي معظمها فيه. الأكيد انك حتلاقي حواليك ناس كتير جدا بتنطبق عليهم معظم الصفات دي. يعني حتلاقي دعاديش كتير حواليك في حياتك اليومية. ومش بعيد لو بصيت في المراية بتاعت نفسك بصراحة كده تلاقي دعدوش صغير عنده استعداد للانحراف (الدعشنة يعني) بس مش لاقي حد يوجهه، زي ما قال المرحوم الجميل سلطان السكري في العيال كبرت.
ولحسن الحظ أن الظروف في مصر مش مواتية لتحول كل الدعاديش الهواة دول إلى دواعش محترفين حقيقيين من الدرجة القصوى زي اللي في سوريا وليبيا والعراق. وأنا هنا مش بتساءل عن الأسباب اللي ورا ده أو عن ماذا حدث للمصريين، بس للأسف الحقيقة المُرة اللي لازم نواجهها هي ان مجرد وجود أعداد كبيرة جدا كده من الدواعش في مجتمعنا بيغذي الإرهاب، وبيعطل التطور والتنمية والتنوير، وبيخلي يد الدولة مغلولة عن الإطاحة ببقايا الإسلام السياسي اللي لسه بيدّعي السلمية والحياد لأن ببساطة مفيش ظهير شعبي قوي وحقيقي لمواجهة المايكرو دعشنة أو الدعشنة الجزئية اللي اتكلمنا عليها هنا.