التوقيت الثلاثاء، 30 أبريل 2024
التوقيت 02:27 م , بتوقيت القاهرة

فيديو| فهمي عمر : كنت بجانب "السادات" حين أذاع بيان "ثورة يوليو"

عندما بدأت دقات المسرح التقليدية الثلاث، التي تسبق رفع الستار، انطلق صوته بما يحمله من لهجة صعيدية، قائلا :"الآن أيها الستارة ترفع السادة عن أم كلثوم وفرقتها الموسيقية لتغني لنا.."، وكانت هذه الهفوة الطريفة، السبب في ضحك زملائه، الذين قالوا له: "بتحصل مع أحسن المذيعين".


شيخ الإذاعيين، كما يلقبوه، فهمي عمر، رغم عذوبة وصفاء صوته، وسهولة وصوله إلى آذان المستمعين، لم يكن طريقه للوصول إلى ميكروفون الإذاعة سهلا، وهو ما يحكيه: "ولدت في محافظة قنا عام 1928، وكانت طفولتي شاقة للغاية، لان قريتي لم تكن بها مدرسة ابتدائية، فكنت أعبر كل يوم بمركب نيلية مسافة 20 كم للوصول إلى مدينة دشنا".


ويستكمل: "ابتعدت عن أسرتي فترة طويلة لاستكمال تعليمي، وكان حلمي هو الالتحاق بكلية الطب أو بالمعهد العالي للكيمياء الصناعية، ولكن أبي أراد أن ألتحق بكلية الحقوق بالإسكندرية، وحصلت بالفعل على الليسانس عام 1949، لكنني لم أعمل بالنيابة العامة، كما تمنى هو، وشاءت الأقدار أن أذهب إلى الإذاعة".


بدأت رحلة فهمي عمر، مع الإذاعة عام 1950، عندما تقدم بناء على نصيحة أحد أصدقاءه إلى الاختبارات المعلن عنها آنذاك، وعلى عكس الجميع، فلم يكن مهتما بنجاحه، بل أصابته خيبة الأمل حين قالوا له إن صوته يصلح ومخارج ألفاظه قوية، "عندما تقدمت للاختبارات، قلت لن أخسر شيئا، لأنني حتى وإن نجحت سأستقيل عندما أعين في النيابة العامة، لكن المفاجأة أن اسمي كان من بين الشبان الذين سيحضرون للتصفية، إلى أن صدر قرار تعييني".


ويواصل حديثه: "كنت أصر على عدم التحدث إلا باللهجة الصعيدية، لذلك ظللت طيلة 15 شهرا أعمل خارج الهواء، ولم أنطق بكلمة واحدة في الميكروفون، إذ كنت استقبل التسجيلات الإذاعية وأقوم بإعداد الميكروفون، وتعرفت على العديد من ضيوف الإذاعة من المتحدثين الذين سجلت لهم، مثل عباس العقاد، والفنان سليمان نجيب، وفكري أباظة، وكثيرين غيرهم، وجاهدت كثيرا لأصبح مذيعا يقرأ نشرة الأخبار، ومع الوقت تجاهلت فكرة أن أصبح وكيل نيابة، وعشقت العمل بالإذاعة، وكنت لحوحا في طلبي بعقد امتحان لي حتى أستطيع أن أعمل كمذيع هواء، وظل هذا الحال قرابة العام حتى استطعت التخلص من اللهجة الصعيدية في يوم 23 أغسطس 1951، الذي خرج فيه صوتي يردد عبارة هنا القاهرة".


"سيداتي وسادتي أعلنت ساعة جامعة فؤاد الأول السابعة والنصف من صباح يوم الأربعاء الموافق الثالث والعشرين من يوليو، وإليكم نشرة الأخبار، التي نستهلها ببيان من القيادة العامة للقوات المسلحة يلقيه مندوب القيادة".. لم ينس فهمي عمر تلك الجملة التي يعتبرها أهم ما قاله بميكروفون الإذاعة طيلة حياته، إذ انساب بعدها صوت السادات ليعلن خلاله أول بيان للثورة.


ويروي عمر أنه لن يغب عن ذهنه مشهد الآلاف الذين ملأوا الشوارع المحيطة بالإذاعة، فور انتهاء البيان، وهم يقبلون جنود القوات المسلحة ويقدموا لهم الشاي والبسكويت مرددين: "تحيا مصر".


ويكمل حديثه، قائلا: "سألت السادات عما إذا كان بمقدوري أن أقرأ البيان، ولكن الرجل قال إن السادة الضباط هم الذين سيقرأون البيان، فنحن لا نريد أن نقحمكم في هذا الأمر".



التقى "المذيع الصعيدي" في مسيرته الإذاعية، بأصوات عدة أرتبط بها وأنسجم معها، منها صوت الإذاعي الكبير "بابا شارو"، وصوت الإذاعية صفيه المهندس، ولعل صوت العندليب كان هو الصوت الذي ظل يجذبه كثيرا: "لا أدعي أنني كنت على صداقة قوية مع عبدالحليم حافظ، فعلاقتي معه بدأت من خلال تواجده كعازف موسيقى في فرقة موسيقى الإذاعة، لكن أشهد أنه منذ أن بدء وكان له حضور يجعلنا نحن المذيعين نذهب لنسلم عليه، ونتجاذب معه أطراف الحديث، وكان يجلس معنا في استراحة المذيعين عقب الانتهاء من تسجيلات الفرقة الموسيقية".


صاحب الصوت الذي يجمع بين بلاغة الفصحى وروح العامية الذكية، قدم العديد من البرامج على مدار تاريخه، أهمها في نظره، برنامج "ساعة لقلبك"، الذي كان السبب في شهرة عدد من نجوم الكوميديا في مصر، لكن رغم هذا النجاح الذي حققه في برامج المنوعات، فلم ينس "عمر" عشقه للرياضة، "عندما كنت طالبا بكلية الحقوق"، لذا حرص على أن يقوم بالتعليق على مباريات الدوري في الإذاعة، و أن يُعد برنامج رياضي، يعرض تقارير عن كل المباريات.


ويروي لنا ذكرياته في هذا الشأن قائلا: "كنت مرافقا للبعثة المصرية في كل الدورات الأولمبية التي شاركت فيها، وقمت أيضا بتغطية كأس العالم الذي نظمته المكسيك عام 1970، واقتصر الوفد الإعلامي وقتها على 4 إعلاميين هم: نجيب المستكاوي وعبدالمجيد نعمان وناصف سليم وأنا، ولم استطع أن أنسى هذه الأيام، الذي تعلمت فيها الكثير على المستويين الشخصي والمهني".


تولى فهمي عمر، رئاسة الإذاعة المصرية عام 1982، ليقضي بين جدران المكان الذي ظل معشوقه الأول، حسبما وصفه، 6 سنوات، قبل أن يجبره بلوغه سن المعاش على تركه، ليتفرغ إلى كتابة مذكراته، التي حملت عنوان "نصف قرن من الميكروفون".