التوقيت الثلاثاء، 30 أبريل 2024
التوقيت 05:41 ص , بتوقيت القاهرة

هل يكون الصراع الاجتماعي بطل معركة سيناء؟

استوقفتني أثناء اعتصام رابعة العدوية حكاية عن أسرة من منطقة أبو حشيش (غمرة - القاهرة). أفراد الأسرة كانوا يتبادلون المشاركة في الاعتصام وحماية منازلهم في المنطقة. مهما كانت درجة النفير لم تكن الأسرة لتجرؤ على المشاركة بكامل أفرادها. لماذا؟ بسبب الصراع الاجتماعي، التنافس بين مصالح أسر وعائلات حول أمور ليس لها علاقة مباشرة بالسياسة.


 هذا الصراع الاجتماعي تحت سطح الصراع الإعلامي والسياسي كان عاملا هاما جدا في ترجيح كفة على كفة. صراع مفرداته ليست نقاشا نظريا حول النظم السياسية والحقوق المدنية والحريات العامة، بل مفرداته عناصر الحياة اليومية البسيطة.


 شخص يعمل مصور مناسبات في إمبابة حكى لي كيف أن صعود الإخوان تسبب في حصول زملائه مصوري المناسبات المقربين منهم على نصيب أكبر في تصوير المؤتمرات والحفلات المدرسية والمناسبات الاجتماعية. بينما هو وأمثاله كانوا "مربَّطين" سابقا مع "مسؤولي" الحزب الوطني الصغار. وبالتالي كانوا يحصلون على نصيب من تصوير تلك الحفلات، مقابل نسبة للمسؤول الصغير.


 وبسبب هذه التفصيلة تراجع عن دعمه لهم. إذ حاول ذلك بعد 25 يناير، بل واستخرج كارنيه حزب الحرية والعدالة حين أشهر الحزب. في جملة بليغة قال لي: "افتكرت كده هكسبهم، لكن الفرص قليلة، يا دوب تكفي جماعتهم".


 ونفس المعنى تقريبا وصلني من سباك يعمل في منطقة فيصل. لكن الحادثة الأبرز في فيصل كانت خناقة بين عائلتين لأن "العيال بتوع الإخوان اتعلموا يتنططوا عليهم". وتلك بدورها صورة مصغرة مما حدث في الانتخابات البرلمانية، حيث شكل الإسلامجية "عصبيات بديلة" للعصبية العائلية التي اعتادت أن تحسم دوائر بأعينها. ما أثار حنقا عائليا هدد بـ"انقلاب اجتماعي"، لأن "العيال اللي ملهمش عيلة بيتنططوا عليهم".


 حين يتحدث ساسة عن شبح حرب أهلية خيم على مصر في الفترة التي قادت إلى 30 يونيو، فإن الصراع العائلي هذا كان المكون الأساسي في التهديد.


 الآن يبدو أن سيناء تشهد صورة أخرى من هذا الصراع، جوهرها واحد ولكن شكلها مختلف تبعا لاختلاف طبيعة المجتمع في سيناء عن باقي مصر. حيث العصبية الإسلامية للمنضوين تحت لواء الجماعات الإرهابية تنافس العصبيات العشائرية المستقرة، وحيث قوانين العصبية الإسلامية الوليدة تتلاعب بقوانين العصبيات العشائرية المستقرة، وتسبب لها اضطرابا. منبع هذا الاضطراب هو عجز القوانين العشائرية العرفية عن التعامل مع الوضع الجديد. هل ابن العشيرة الفلانية المنتمي إلى بيت المقدس تكفله بيت المقدس أم تكفله عائلته؟ وبالتالي، هل إن أجرم يتوجه الثأر القبلي نحو بيت المقدس أم نحو عائلته؟


 لا أستطيع أن أتنبأ بالنتيجة لغياب معلومات كافية وموثوقة عن حجم الظاهرة، أي أعداد المنتمين من العشائر إلى صفوف الإرهابيين الإسلامجية، ولا عن مدى التنسيق، ولا عن الإجراءات العشائرية المتخذة في حقهم، ولا حتى عن الحماية العشائرية لهم.


 لكن تجربة قريبة الشبه في العراق (مع جماعة الزرقاوي) أدت إلى "صحوة" العشائر ضد الجماعة، لأسباب براجماتية بحت، ومفردات حياتية بحت، أهمها خوف العشائر من فقدان أهميتها ومكانتها الاجتماعية، وتفتيت سلطتها. ليس هذا بالأمر السهل في ظروف تمثل فيها العشيرة صمام الأمن، وحارس المصلحة، ومقسم الأنصبة أحيانا في فرص العمل.


 فضلا عن خوف العشائر من أن يتسبب هذا في "انقلاب اجتماعي" لهذا المجتمع الهرمي، المرتكز والمبني والمصاغ على قواعد تراتبية صارمة.


السياسة لا تتحرك دون فهم لأرضية الحركة. والدهاة من الساسة استخدموا المعرفة الاجتماعية في حسم معارك. قيل في العراق إن الأمريكان فشلوا لأنهم لم يستفيدوا من خبرة البريطانيين في فهمهم الاجتماعي للمجتمع العراقي. سيناء تحتاج إلى مكر سياسي ودهاء اجتماعي إلى جانب الحل الأمني. في المجتمع عناصر قد ترجح كفة على كفة، تماما كما حدث قبل 30 يونيو.