التوقيت الجمعة، 29 مارس 2024
التوقيت 01:37 م , بتوقيت القاهرة

انتحار المجندين.. الموت في ثكنات الداخلية

ترك زملاءه ودخل إلى دورة المياه، وبعد قليل سمعوا دوي إطلاق رصاص، ثم يكتشفوا أن زميلهم المجند قد انتحر بنيران سلاحه الأميري... هكذا انتحر المجند شلالي سلامة عبد السلام، صاحب الـ 22 عاما، يوم الاثنين الماضي، أثناء خدمته في قوات تأمين مبنى الإذاعة والتلفزيون بأسوان.


"شلالي" لم يكن أول المجندين المنتحرين في التاريخ العسكري المصري، ودائما ما كانت الأقاويل تتردد حول سوء معاملة المجندين، خاصة الذين يؤدون خدمتهم في وزارة الداخلية، والتي تدفعهم إلى الانتحار، وهو أمر بادر البعض ونسبه إلى حادثة انتحار مجند أسوان، لكن مدير أمن أسوان، اللواء محمد مصطفى نفاه مطلقا.


اللواء محمد مصطفى قال خلال اتصال هاتفي مع برنامج 90 كدقيقة، المذاع على فضائية المحور، إن القوة المكلفة بتأمين وحراسة مبنى الإذاعة والتلفزيون بأسوان لا تعاني أي مشكلات، لأنها عبارة عن قوة تمركز بسيارة، ولا يتعرض أفرادها لأي نوع من الضغوط أو المعاملة السيئة، من قبل الضباط.


وأوضح مصطفى أن زملاء المجند الذين كانوا متواجدين معه أثناء الخدمة، أكدوا أنه تلقى اتصالا هاتفيا، يرجح أن يكون من أحد أفراد عائلته، بعدها أخبر زملاءه بتوجهه إلى دورة المياه داخل المبنى، ثم سمعوا دوي إطلاق نار، ثم وجدوه غارقا في دماءه.


المجند بقوات أمن مطروح، روماني عدلان، سبق شلالي في الانتحار عام 2010، حيث أطلق النار على نفسه أثناء خدمته بالحراسة على إحدى نقاط الخدمة القائمة على شركه للبترول بمنطقة الكيلو 8، شرق مطروح، وتم العثور علي جثته عند تغيير ورديات الحراسة على نقطة الخدمة المكلف بحراستها.


  تبين من التحريات الأمنية حول الحادث آنذاك، أن المجند كان يعاني من حالة نفسية سيئة، نتيجة خلافه مع والده، وقبل أن ينتحر عقب عودة من إجازته الشهرية كان يجلس وحيدا، حتى قتل نفسه.


خلال شهر نوفمبر عام 2012، انتحر مجند شرطة بمهبط طائرات في مطار القاهرة الدولي، بإطلاقه الرصاص على نفسه من سلاحه الأميري، أثناء تواجده بالخدمة، ما أثار الفزع بين زملائه الذين تحدثوا عن مروره بأزمة نفسية جراء مشكلات أسرية.


العربي جبريل، المجند بقوات أمن بورسعيد، انتحر خلال شهر رمضان عام 2008 بإطلاقه الرصاص على نفسه، أثناء تأديته خدمته في منفذ الجميل الجمركي، لأسباب أرجعتها التحريات الأمنية لعدم حصوله على إجازة لزيارة أسرته في محافظة الشرقية والإفطار معهم، كما تبين من التحريات أن المجند رفض تناول وجبة السحور قبل انتحاره بساعات.


3 أسباب وراء انتحار المجندين


المدير السابق لمستشفى الطب النفسي بالقوات المسلحة، الدكتور جمال فرويز، قال لـ"دوت مصر" إن هناك ثلاثة أسباب لانتحار المجندين بوزارة الداخلية، أولهم شعور المجند بالضيق لإلزامه بتأدية الخدمة العسكرية وعدم وقوع الدور على أقربائه ومعارفه من نفس سنه للتجنيد مثله.


السبب الثاني هو التغيرات الاقتصادية السيئة التي تطرأ على المجندين، والناتجة عن تركهم لعملهم لأداء الخدمة، مشيرا إلى أن جزء كبير منهم يعمل بحرف مهنية قبل تجنيده.


 المعاملة السيئة من قبل الضباط ومعاونيهم بالوحدات ومعسكرات الأمن، هي الأمر الثالث الذي ذكره المدير السابق لمستشفى الطب النفسي بالقوات المسلحة، والتي تصيب الجندي بحالة اكتئاب تدفعه للتفكير في إنهاء حياته.


أوضح فرويز أن الكثير من المجندين يلجأون للانتحار تأثرا بحالة نفسية تدعى "تدهور سن المراهقة"، والتي تضخم الضغوط العادية وتقنع العقل الباطن بأنها فوق درجة الاحتمال الطبيعية، موضحا أن  طرق انتحار المجندين لا تخرج عن إطلاق النار على النفس باستخدام السلاح الأميري، أوقطع شرايين اليد باستخدام "السونكي" - الخنجر المثبت في ماسورة البندقية.


وأضاف أن أكثر الأوقات التي يتوقع خلالها الانتحار، هي التي تعقب  العودة من الإجازات، مشددا على ضرورة مراقبة قيادات الوحدات للمجندين في هذا الوقت ومراعاة حالتهم النفسية.


تمرد الثمانينيات والحرب على الإرهاب


مساعد وزير الداخلية الأسبق، اللواء محمد نور الدين، يرى أن حالات الانتحار وسط المجندين تحدث بجميع أجهزة الشرطة في العالم، وأن الظروف التي يتعرض لها أفراد الشرطة الآن في إطار الحرب على الإرهاب تؤثر سلبا على البعض، لكن القطاع الكبير من رجال الشرطة يتمتع بروح معنوية جيدة ولا يمكن قياس الأحوال المعيشية الخاصة بكافة المجندين على حالات الانتحار الفردية التي تحدث.


أوضح نور الدين، أنه عقب تمرد وحدت من قطاع الأمن المركزي في ثمانينيات القرن الماضي، خلال تولي اللواء أحمد رشدي، اهتمت وزارة الداخلية بجمع معلومات عن الحالة النفسية للمجندين بمختلف قطاعاتها وبخاصة معسكرات الأمن المركزي، ونشرت ضباط قطاع حقوق الإنسان بينهم كي يقفوا على مشكلاتهم، إلى جانب زيادة الرعاية الصحية والاجتماعية المقدمة لهم، مشيرا إلى صرف معاشات للمجندين الذين لا تملك أسرهم دخلا وتعتمد عليهم في معيشتها طوال فترة خدمتهم.